سعد السني.
لا يمكن إنكار أن العقيد معمر القذافي يتمتع بقدرة خطابية عالية ،وربما يعود تأثيره على شريحة واسعة من الشعب إلى هذه الموهبة ،كما أنه يعرف جيدا ما يريده الجمهور فالشعب الليبي جزء من أمة تعاني من الهزيمة والانكسار أمام عدو ظالم يحظى بتأييد ومساندة كل قوى الشر في هذا العالم ، وكل ما قام به هو تحقيق انتصارات كلامية على عدو منتصر واقعيا ،فهو لا ينفك عن كيل الشتائم والسباب لأمريكا وإسرائيل طيلة أربعة عقود ،وكان حريصاً على تمثيل دور الرافض للإمبريالية والاستعمار خصوصاً في اجتماعات الجامعة العربية ، وفي كل اجتماع يحاول لفت الانتباه بتصرف غريب فتارة يرتدي قفازا وأخرى يمارس التخوين ضد الجميع ،أو يضع حذاءه في وجه مسؤول غربي كما فعل مع بلير ،أو يجعل برلسكوني يقبل يده أمام الجمهور، كل هذه التصرفات جعلت الجمهور المتعطش لأي انتصار حتى ولو كان من ذلك الصنف الإعلامي الذي برع العقيد في أدائه أمام الكاميرات في كثير من المناسبات، ولم يكن الغرب يتأذى كثيرا من هذه التصرفات ما دامت لا تتجاوز (الشو) الإعلامي ، بل قد يكون لها دور تنفيسي يشبه ذلك الذي تؤديه المسرحيات الفكاهية الناقدة التي تسمح بها الأنظمة الديكتاتورية للتخفيف من حالة الاحتقان ،كان العقيد يقدم خطابات حماسية مقابل أن يقدم له الجمهور الهتاف والتهليل والتمجيد ،أربعة عقود كانت عبارة عن مسرحية من بطل واحد يصفق له الجميع،ثم تحطم المسرح فوق رؤوسنا جميعاً ،وصعد على بقايا الرُكَح المحطم كل المهرجين ،وبدؤوا في أداء عروضهم الهزلية