بقلم :: محمد بعيو
ليس السؤال بالنسبة لي كيف تمكن القرصان جضران من احتلال منطقتي ومينائي السدرة ورأس لانوف بهذه السهولة.
وليس السؤال أيضاً لماذا لم يتم منعه قبل الوصول خاصة وأن تحركاته التي تتم على أرض صحراوية مكشوفة كانت مرصودة ومنظورة، واستعدادات عصاباته المدعومة من المتأسلمين وعلى رأسهم الإخوان، ومن قطر وذيولها في بعض المدن كانت معروفة ومكشوفة، منذ تم شراؤه من نالوت بثمن قيل إنه غالي عبر تابعه الرخيص المهدي البرغثي، حتى تمركزه في معسكر السدادة الذي أخلاه وغادره المتطرف مبارك الفطماني الورفلي بعد توبته وعودته إلى قبيلته التي لم تخلع عنه نَسبه لكنها لم تغفر له ذنبه، وسقوط مشروعه الانتقامي الأهبل.
وليس السؤال من سيحسم المعركة القادمة على الأرض فمن يملك الأجواء يحسم الصراع مهما طال زمنه ومن لا يستطيع حماية خطوط إمداده الطويلة في صحراء شاسعة لا يمكن له أن يصمد وقبل ذلك فإن من لا يقاتل لأجل قضية عادلة لا يمكن له أن يستحق النصر وقضية القرصان جضران وحلفاؤه الإخوان أبعد ما تكون عن العدل وأحقر من أن تكون قضية.
نقطة الضعف العسكرية في منطقة الهلال النفطي المتمثلة في صعوبة الدفاع عنها عسكرياً، وفق أسلوب حروب المناطق المفتوحة دون المخاطرة بإلحاق أضرار كبيرة بمنشآتها الحيوية المرتبطة بتخزين وتصدير النفط، هي ذاتها نقطة القوة لها والمتمثلة في منع وتحريم تدمير تلك المنشآت التي تتشارك المصالح المرتبطة بها أطراف دولية، ولهذا فإن السيطرة العسكرية المطلقة على المنطقة ليست جائزةً رابحة ومضمونة، بل مغامرة خطيرة نتائجها كارثية بالذات على الطرف المعتدي، الذي لن يستطيع أن يتخذها ورقة للتفاوض خاصة وأنه لا يملك ولا يمثل مشروعاً سياسياً واضحاً، ولا يطرح رؤية وطنية يمكن تحقيق الحد الأدنى من الاجماع جولها، حتى حتى مستوى الالتفاف القبلي الضيق حيث قبيلة المغاربة لا تعتبر المارق جضران ممثلاً لا ومتحدثاً بإسمها، ومطالباته المعلنة بشأن إنصاف المظلومين من أتباعه المغاربة يمكن استيعابها ضمن الوعاء القبلي العرفي دون أن تعطيه أية قيمة مضافة في صراعه الأهوج، خاصة وأنه يتحالف علناً مع الجناح التباوي التشادي التابع والعميل المعلن للدوحة والذي يحاوب وفق طريقة بطاقات الدفع المسبق، ومع بعض مطاريد شورى وسرايا بنغازي المدانين بجريمة التحالف مع داعش والقاعدة، ويستخدمه الجناح القطبي المتطرف المسيطر على جماعة الإخوان الليبية وحزبها التابع لتركيا وقطر والفاقد لأي زخم وطني ليبي حقيقي بعدما انكشفت حقيقته المخزية، وظهر للعيان ما حاول أن يخفيه بالخداع والتقية من تآمره على القضية الوطنية لمصلحة أوهام الأممية الإخوانية.
كما أن جضران وحلفاؤه لا يستطيعون حتى إن أرادوا أن يعيدوا تصدير النفط، فالمؤسسة الوطنية للنفط التي تملك وحدها {فرض ورفع حالة القوة القاهرة} لن تتعامل معه ولن تعمل وشركاتها تحت سيطرته، وموقفها واضح أعلنه رئيسها المهندس مصطفى صنع الله، عدا أن الجيش حتى وإن لم يستعد السيطرة المباشرة على المنطقة يمكنه منع التصدير بمجرد توجيه إنذار بذلك إلى ناقلات النفط، كما أن العاملين المقيمين في المدن النفطية، والذين شعروا بالأمان والاستقرار منذ تحرير الجيش للموانيء النفطية لن يستقروا تحت ولاية جضران وقد عرفوه وخبروه، وتبقى نقطة الضعف القوية لهذا المغامر المأفون وأنصاره رفض الليبيين له وكراهيتهم الشديدة لشخصه وأفعاله، منذ أن أقفل الموانئ ومنع التصدير وتسبب في خسارة أكثر من مائة مليار دولار كان يمكن أن تستخدم في تحسين معيشتهم التي ازدادت سوءً منذ مغامرة فجر لـــيـبـيـــا القاتلة.
إن النفط هو العامل الأساسي بل ربما الوحيد في وجود الكيان الليبي، وبإدخاله حلبة الصراعات القاتلة المحلية والدولية وتعطيله وتخريب منشآته الاستخراجية والتصديرية وخطوط أنابيبه تكون لـــيـبـيـــا شعباً وبقايا دولة دخلت مرحلة العدم، التي هي نتاج طبيعي للعبث والفوضى والتخريب، وما لم تتأسس حالة مقاومة وطنية عارمة مدنية ومسلحة للدفاع عن استمرار إكسير الحياة الذي هو النفط فإن المصير الأسود القادم سيكون أسوأ من الواقع القائم القاتم، وأقولها بصراحة وليغضب من شاء:- لا يجب أن تستمر برقة وحدها في دفع الثمن من دماء أبنائها في سبيل ثروة لا يتم اقتسام عوائدها بعدالة وتقاسم فوائدها بإنصاف، وعلى كل الليبيين خاصة في غرب الوطن الذي يمثل نسبة تزيد عن 60% من إجمالي السكان، ونسبة لا تقل عن 70% من الإنفاق المتأتي من عوائد النفط الذي ينبع مثلما الماء من شرق الوطن المظلوم وجنوبه المكلوم، أن يَعوا هذه الحقيقة، وأن ينفضوا عنهم غبار الوهن والمذلة أمام السياسيين الفاسدين والاستسلام للمغامرين المجرمين، بل وعلى ميليشيات مصراتة وطرابلس وترهونة والزاوية وكل الميليشيات والقوى الي تدعي الوطنية، والتي لا تنخرط في المشروع الإسلاموي الإخوانوي العميل أن تلتحق بمعركة تحرير وحماية الحقول والموانيء النفطية، وتحييدها عن الصراع حتى يتم الوصول ولو بعد سنين إلى صيغة جديدة للدولة الليبية المنشودة، الدولة غير المركزية الاتحادية المتطورة المتحضرة القوية القادرة.
إن معركة الهلال النفطي ليست حرباً بين الجيش بقيادة المشير حفتر وبين ميليشيات ضالة عميلة يقودها شكلياً القرصان جظران، وليست حرباً بين قبائل برقة التي تستطيع وبسرعة أن تتصالح وتتصافح وتستعيد أو تعاقب أبنائها الناشزين، لكنها معركة وجودنا وبقائنا نحن السبعة ملايين ليبي، فلنخضها مصرين على البقاء، أو فلنجهز كفن الوطن الذي أعييناه كثيراً حتى صار على مشارف قبر الفناء.