رحيل مُعلّم فاضل ” الأستاذ تاج الدّين عبد الكريم امحمد هويدي ” (1946-2023م)

رحيل مُعلّم فاضل ” الأستاذ تاج الدّين عبد الكريم امحمد هويدي ” (1946-2023م)

إعداد: أ. محمود المهدي الغتميالمركز الليبي للأبحاث والدراسات

مولده وتعليمه:

   وُلد تاج الدين هويدي سنة 1946م في قرية تُوش بمنطقة وادي الآجال في جنوب ليبيا، والتحق بمدرسة الغريفة الابتدائيّة سنة 1954م، وهي أول مدرسةٍ عربيّة تفتح أبوابها في منطقة وادي الآجال أيّام الاحتلال الفرنسي، وكانت توجد مدرستان فرنسيتان، واحدة في غات، والأخرى في بلدة الغريفة، ويقول الأستاذ تاج الدين بأن المدرستين كانتا صغيرتين ومتواضعتين جداً، ويفتقدان لأبسط الامكانيّات اللّازمة، ومن مُعلّميه في مدرسة الغريفة الأستاذ علي صالح الرّحيبي، والأستاذ امحمد الزّنتاني، وأنهى مرحلة الابتدائيّة سنة 1959م، ثم توجّه إلى مدينة سبها عاصمة الجنوب الليبي؛ حيث سَجّل في مدرسة سبها الإعداديّة، ومن المُعلّمين الذين درّسوه في تلك المرحلة الأستاذ رمسيس في اللّغة الإنجليزيّة، والأستاذ محمد إبراهيم في اللّغة العربيّة، والأستاذ إبراهيم علوّة الذي أصبح مديراً للمدرسة بعد ذلك، وكان مدير المدرسة آنذاك الأستاذ عمر الغليظ، وتخرّج في المدرسة الإعداديّة سنة 1963م.

في حقل التعليم مُعلّماً ومفتشاً:

بعد تخرّجه مباشرةً رَحَلَ إلى العاصمة طرابلس، وانضمّ إلى معهد السيد محمد بن علي السّنوسي للمُعلّمين، ومن زملائه في المعهد كان محمد مسعود جبران ، وتخرّج فيه سنة 1967م، وفي يوم 10 سبتمبر 1967م عُيِّن مُعلّماً في مدرسة أوباري الإعداديّة – وهي أول مدرسة إعداديّة في منطقة وادي الآجال-  ثم مُعلّماً في مدرسة توش مسقط رأسه مدة عامٍ واحد؛ حيث كان يُدرِّس مواد اللّغة العربيّة، والدِّين، والاجتماعيّات، ثم عَلّم أيضاً في مدرسة الغريفة الابتدائيّة، واستمرّ في حقل التّعليم إلى أن أُجريت مسابقة وامتحان لاختيار مجموعة مفتشين تربويين، شارك فيها الأستاذ تاج الدين واجتاز الامتحان بنجاح سنة 1973م، وعُيِّن في ذلك العام مفتشاً في فزّان باستثناء منطقة الشّاطئ، وهي منطقة ذات رقعة  شاسعة جداً كان الأستاذ تاج الدّين يقطع خلالها مسافاتٍ بعيدة تصل أحياناً إلى ستمئة كم؛ لينتقل من منطقةٍ إلى أخرى، والذي جعل من المهمة في غاية الصعوبة أن الطُّرق كانت غير مُعبّدة في أغلبها، فكان يصل في رحلاته  أحياناً إلى بلدة القطرون في أقصى جنوب ليبيا لتأدية عمله بإخلاصٍ وتفانٍ، وقادته رحلاته إلى مُرزق، وأوباري، وتراغن، وغات، وغيرها من مناطق فزّان الممتدة عبر الفيافي والصّحارى الواسعة.

استمر الأستاذ تاج الدّين مفتشاً إلى سنة 1986م عندما رجع إلى بلدة الغريفة؛ حيث أسَّس مكتب التّفتيش التّربوي، ثم توجّه إلى أوباري في سنة 1989م وتولَّى إدارة مكتب التّعليم والتّفتيش التّربوي إلى سنة 1994م، عندما تم ضم مكاتب التّفتيش التّربوي بمنطقة فزّان بالكامل تحت إشراف مكتب سبها، بعدها أصبح الأستاذ تاج الدّين كبير المفتشين التّربويين بمنطقة فزّان، واستمرّ في عمله هذا إلى أن تقاعد في شهر يونيو سنة 2008م، بعد مسيرة عطاءٍ في التّعليم والتّفتيش التّربوي امتدت لإحدى وأربعين عاماً، تفرّغ بعدها للقراءة في بيته ولشؤونه الخاصّة،   كما مارس الأستاذ هويدي كتابة الشِّعر الفصيح في المناسبات الوطنيّة والدينيّة.

الأستاذ تاج الدّين عبد الكريم امحمد هويدي

تكريمه:

اعترافاً بفضله الكبير في تدريس اللغة العربية، وعمله مفتشاً تربوياً للإشراف على مُعلِّمي هذه المادة المهمة في مناهجنا التعليمية، اختارته إدارة الشؤون العلمية بمؤسسة الشيخ الطاهر الزاوي الخيرية ليكون ضمن المُعلّمين القدامى الذين تم تكريمهم بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية، والذي خَصصت له المؤسسة ندوة بعنوان (تدريس اللغة العربية في مرحلة التعليم الأساسي، مقتضيات الواقع وآفاق المستقبل) يوم 26 ديسمبر 2016م بفندق هارون بمدينة طرابلس، وقد شارك في الندوة لفيف من الأكاديميين، والخبراء والباحثين، وحضرها جمع مبارك من المهتمين بشؤون لغة الضاد، وعقب انتهاء الندوة تم تكريم عدد 11 مُعلّماً فاضلاً من المنطقتين الغربية والجنوبية من ليبيا، أَفْنوا حياتهم في حقل التعليم والتفتيش التربوي، كان من بينهم الأستاذ      تاج الدين هويدي؛ حيث منحته المؤسسة درعها التكريمي، وقد حصلت مفارقات طريفة للأستاذ تاج الدين قبل وأثناء التكريم، أولها أنه عندما كان في طريقه يوم 23 ديسمبر 2016م من مطار سبها إلى مطار معيتيقة بطرابلس لحضور الندوة وحفل التكريم، تم خطف طائرة الخطوط الأفريقية التي كان يستقلّها واتجه بها الخاطفون إلى جزيرة مالطا، ولكن لحسن حظه أن الأزمة انتهت سريعاً بأن استسلم الخاطفون وسلّموا أنفسهم للسلطات المالطية، وعاد الأستاذ تاج الدين إلى طرابلس، وعندما اتصلت به لأطمئن عليه، وصلني صوته هادئاً وديعاً كعادته، وأخبرني وهو يضحك أنه لم يَزُر مالطا منذ منتصف السبعينيات تقريباً، وقد زارها اليوم صدفةً في رحلة غير مخطط لها على متن طائرةٍ مخطوفة، وثاني موقف حصل للأستاذ تاج الدين أنه أثناء الندوة قابل زميله السابق في معهد محمد بن علي السنوسي للمُعلّمين وهو الأستاذ الدكتور محمد مسعود جبران (1948-2019م) الذي كان يشغل آنذاك منصب رئيس مَجْمَع اللغة العربية، والغريب في الأمر أنهما بالرغم من طول الفترة التي لم يلتقيا خلالها منذ تخرجهما من المعهد في سنة 1967م؛ وهي نصف قرنٍ إلّا عام واحد، إلا أنّهما تعرّفا على بعضهما من اللمحة الأولى، وقضيا وقتاً طويلاً بعد الندوة في الحديث واسترجاع ذكريات الماضي، رحم الله الرجلين الفاضلين، الأستاذ الفاضل/ تاج الدين هويدي، وصديقه الأستاذ الدكتور محمد جبران وغفر لهما، جزاء ما قدّماه للغة العربية من جهدٍ وفضل. 

وفاته:

بعد كل ذلك العمل المتواصل في حقل التربية والتعليم، توفي الأستاذ الفاضل/ تاج الدين هويدي يوم الاربعاء الموافق 13 أبريل 2023م، وانتهت بذلك مسيرة عملٍ في حقل التربية والتعليم امتدت لأكثر من أربعة عقودٍ مستمرة، كان فيها قدوة في الانضباط، والإخلاص، والأخلاق، والعفة، رحمه الله رحمةً واسعة، وأسكنه فسيح جناته.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المراجع:

– مقابلة شفويّة مع الأستاذ تاج الدين عبد الكريم امحمد هويدي، أجراها معه الباحث في فندق هارون بطرابلس بتاريخ 26 ديسمبر 2016م، الساعة 14:30.

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :