بقلم :: عبدالمنعم المحجوب*
أيها السياسيّون – المهرّجون
سألاحظ أولاً أن مناكفاتكم هذه ليست سياسةً. هذا عبثٌ صبيانيٌّ لا براءةَ فيه. كل سياسيٍّ منكم ليس أكثر من مافيوزي صغير. ابتكروا لأنفسكم حيثيّات جديدة، لأننا كرهناكم. هل تعتقدون أن لكم حضوراً يليق بالساسة في أذهان الناس؟
- حلولكم ضاعفت المشكلات؛ هي لم تكن حلولاً، بل صورةً أخرى من الفساد. جعلتم الأرض أسوأ مما كانت عليه، حوّلتم ليبيا إلى بيئة طاردة، ثم عزلتموها. أنتم لستم جديرين بتمثيل العمل السياسي في بلادنا. أنتم واجهاتٌ وراءها الفراغ، مثل مُدُن السينما؛ واجهاتٌ قابلة للكسر والإزالة؛ أسماءٌ عابرةٌ في كلام عابرٍ. لستم بشراً، صرتم مسوخاً.
-
صراعكم على السلطة لم يهدف أبداً إلى إعادة بناء المجتمع، واستماتتكم من أجل المناصب والامتيازات أضاعت على الليبيين فرصة كانوا يصبون إليها وينتظرونها بفارغ الصبر. ولكن الرّماد الذي يَعقُبُ النار تذروه الرياح وينشطُ الجمر من دَرَكات لا تبصرونها.
-
هل سألتم أنفسكم: ماذا فعلتم – وتفعلون – بالناس في بلادي؟ لقد حكمتم على جيل كامل بالضياع بعد أن أفقدتموه الاحتكام إلى معايير الحياة الطبيعية. أنتم كمن قتل الناس جميعاً. أقحمتم أبناءنا في حروبكم القذرة، وغررتم بهم بما نهبتموه من أموال لتجعلوا منهم أدوات صغيرة تحمي هشاشتكم.
-
أنتم لم تخدعوا الليبيين فقط، بل وأدتم مبادراتهم، سلبتم حقوقهم، صادرتم مستقبلهم، وزدتم في إذلالهم بأن جعلتموهم يرزحون تحت وطأة الحاجة، ووقفتم أمام مطالبهم بكل أنواع الرفض والممانعة ومارستم ضدهم ما اجترحته لكم مخيلتكم الطغيانية وأنانيتكم البشعة من أنواع العنف المباشر والعنف الرمزي، وأخيراً وسوست لكم نفوسكم بتحويلهم إلى «رعيّة» بائسة بعد أن أفقدتموهم سمات «المواطنة» والشعور الطبيعي بالكرامة والقدرة على تحقيق المصير.
-
لن تنجحوا في تشكيل نظام سياديّ حرّ. محاصصاتكم المقيتة هي مجرّد «شُغل عصابات» لا يرتقي إلى مستوى العمل السياسي وإدارة الدولة. الأسوأ من كل ذلك أن كل طرف منكم يؤكّد شرعيته بالتحالف مع طرف أجنبي، صارت الخيانةُ مجداً. نعم ما يحدث في ليبيا لم يعد شأناً ليبياً، أو شمالَ أفريقيّ، أو عربياً فقط. صار شأناً دوليّاً، لأنكم حوّلتم قضية شعب بأسره إلى مهزلة دوليّة.
-
النظام السياسي في ليبيا شيء والشعب الليبي شيء آخر. لقد أصبحت السلطة في بلادنا مركّباً متتالياً من الأخطاء والنزعات المفاجئة. أنتم جرّدتم الدولة من عناصرها المؤسّسة، ولكنكم لن تجرّدوا الليبيين من إحساسهم بالحياة، إنهم– بالرغم من كل شيء- يعرفون كيف يدرؤون الشر، وهم يثقون في أنفسهم، وسوف يعيدون صوغ حياتهم وينجحون بدونكم.
-
أنتم تقتاتون على صور الجرائم التي تنتجها مخيلتكم وتعيشون على التجريم المطلق لأربعة عقود مضت، وهي بالتأكيد أفضل وأكثر إنسانيةً من سياساتكم، ولكنكم لا تقتدون منها سوى بالمكر في إدارة الصراع وتجذيره ونبش عناصره الأولى من أجل انتقام مروّع.
-
أنتم تؤسسون دولتكم على تغذية العصبيّات القبلية والحزازات والثارات الجهويّة، وتنشرون نوعاً غريباً من المماهاة بين الواجهة السياسية والواجهة الاجتماعية، وأثناء ذلك تحتكرون الممكنات وتقصون الخصوم بأعنف ما تستطيعون وتجرّمونهم تارة باسم الدين وتارة باسم الوطن. إنكم تغذون مصادر العنف في الثقافة العامة ولدى الأطفال والشباب. تريدون أن تضمنوا استمرار الفوضى المطلقة في الدولة لكي تضمنوا أسباب وجودكم.
-
مللنا مهاتراتكم. صرخنا بكم، وكرّرنا صراخنا؛ دعوناكم إلى التريّث والتفكير في المستقبل على أسس علميّة، وأن تقرؤوا جيداً كل ممكنات التغيير، وأساليب تحقيقه، وآليات بناء المجتمع الجديد. قلنا لكم الدين شيء، والدولة شيء آخر. الأول عقيدة متأصلة يجب الحفاظ عليها، والثانية مؤسسةٌ يجب إدارتها ببراعة وتجديدها بين حين وآخر، وحاولنا إفهامكم أن الفصل بين الدين والدولة ليس خطيئة أو إثماً، وأن بناء الدولة المدنيّة ضرورة حضارية، وأن المشاركة الديمقراطية في السلطة هو الضمان الوحيد لنجاح تسيير الدولة وانتظامها وتفعيلها. هذه بديهيّات العمل السياسي، تأخذ به حتى الدول الثيوقراطية المؤسسة على أوهام دينية. ولكن وَقْراً في آذانكم وهوساً في سرائركم جعلكم لا ترون أبعد من مصالحكم الضئيلة، بالغة الضآلة. أنتم– كأي لصّ– لا تقيسون الأشياء بما تمثّله من قيم ومُثل، بل بما تساويه لديكم من أموال.
-
هذه ليست كل أخطائكم، خطاياكم، ذنوبكم، جرائمكم، جرائركم، عاهاتكم (يمكنكم أن تقرؤوا السجلّ الأسود المرفق مع هذه الرسالة)، هذا نوع من التقديم الذي أشعر معه بالغثيان لأقول لكم ما يلي:
-
أنتم وصمة عار على جبين ليبيا لم يُعرف لها شبيه في السابق. ولن تتنفّس ليبيا الصعداء حتى تستأصل صورتكم المربكة والكارثيّة من ذاكرتها. سوف يمرّ وقت طويل من الفجائع قبل أن يستطيع هذا الشعب أن يستعيد ذاته ووعيه، ويأخذ الكتاب بقوّةٍ، وهو يلعنكم إلى الأبد. فاستمتعوا بدمنا الذي تَلِغون فيه، أنتم ستنقرضون، ونحن سيتجدّد دمنا، أبناؤنا يولدون وأحلامنا تشرقُ ولا تنتهي. ليبيا تنتظرنا… بينما ترسلكم واحداً إثر الآخر إلى الجحيم، إلى اللعنة.
(*) https://en.wikipedia.org/wiki/A._Monem_Mahjoub
………………………………………………..
(الملحق)
السجلّ الأسود
هذا سجلّ بجرائمكم التي ارتكبت وترتكب في حق شعبنا وبلادنا. هذا “سجلّكم الأسود” الذي سيقرؤه الليبيون جيداً وهم يتبرؤون منكم، سواء كنتم أفراداً أو جماعات أو تكوينات سياسية وقتالية ومليشياوية أو متنفذين أو مصرفيين ورجال أعمال أو مهرّجين دينيين وحكوميين وإعلاميين. هذا السجل لن يُقرأ فقط، بل سيُحفظ لأجيال قادمة.
أولاً: العمل السياسي
- انتهاك السيادة والتغييب العمدي لجهاز الدولة وإجهاض بنائها.
-
استنساخ الحكومات الفاشلة والمجالس العبثية.
-
وأد الحلول الديمقراطية.
-
اعتماد المحاصصة في العمل السياسي وتكوين الحكومات.
-
إجهاض البعد الديمقراطي لآلية تداول السلطة.
-
تصنيع وجهاء العمل السياسي مقابل مصالح خاصة.
-
اللجوء إلى الديماغوجية لتمرير القرارات في الحكومات والمجالس.
-
حماية المجرمين (المطلوبين قانونياً) باستخدام مبررات وشعارات سياسية.
-
ظهور أفراد وأسر على الواجهة السياسية دون أن يكون لهم أي تاريخ سياسي أو قدرة فكرية.
-
تصدر المشهد السياسي أسماء لم يكن لها أي تاريخ أو دور أو معرفة أو مهارة.
-
استشراء حالات الانفعال والعصبية القبلية الضيقة في معالجة قضايا الدولة.
-
تعميم حالة الفوضى وإعاقة قيام الدولة عن عمد أو بسبب الجهل.
-
بتر سبل التواصل والحوار والانفتاح على الخصوم السياسيين وتحويلهم إلى أعداء للوطن.
-
التخوين القدح والاتهام بعمالة الخصم السياسي أياً كان دوره.
-
معاداة أي جهد وطني يُستشعر منه أنه طوعيّ لا “فائدة” مادية أو سياسية من ورائه.
-
اعتبار أي نقد يوجّه لأي طرف من الأطراف السياسية في محيطها جريمة موجهة ضده بشكل شخصي.
-
عدم قدرة أي “لاعب” سياسي على طرح مشروع وطني متكامل لإنقاذ الدولة والخروج بها من أزمتها.
-
احتقار المرأة والاستهانة المسبقة بمشاركتها السياسية.
ثانياً: الاقتصاد
- انخفاض الموارد السيادية.
-
انهيار البنية التحتية وعدم تدارك الأجزاء المهدّدة.
-
انهيار قيمة العمل بشكل عام في جميع مؤسسات الدولة.
-
انتشار الفساد المالي والإداري والهدر الحكومي في الإنفاق.
-
السطو على المال العام.
-
انهيار قيمة العملة المحليّة.
-
التلاعب بالتحويلات المالية لصالح أفراد محدّدين.
-
عدم التوفيق بين سعر الصرف الرسمي للدينار والسعر الفعلي.
-
اقتصار الوظيفة على تثبيت المرتّب دون محاسبة على الأداء.
-
انخفاض مستوى المعيشة إلى حدود دنيا.
-
انعدام مصادر الدخل.
-
تأخر المرتبات.
-
نقص حاد في السيولة.
-
ارتفاع الأسعار دون ناظم اقتصادي.
-
ترك المواد الاستهلاكية اليومية رهينة للتجار.
ثالثاً: النفط
- تحويل النفط إلى موضوع للرهان بين أطراف الصراع السياسي.
-
حرق خزانات النفط.
-
تهريب النفط .
-
السيطرة دون وجه حق على الحقول والموانئ.
رابعاً: الجانب الاجتماعي
- اقتتال القبائل واصطراعها وإحياء ثارات قديمة.
-
تحويل القتل والاعتداء على الهوية الشخصية والقبلية مفخرة شخصية وقبلية مجاهر بها.
-
عدم قدرة السياسيين على فهم واحتواء التنوّع الداخلي للمجتمع الليبي.
-
خلط الإثنيات بين الحق الثقافي والمطلب السياسي دون تصويب.
-
الاعتداء على الجار، دون الشعور بالعار.
-
التعدي على الصديق أو على الأكبر سناً أو على أصحاب الرأي الآخر، دون شعور بالعيب.
-
اندلاع الاشتباكات داخل المدن في الأحياء السكنية وبين المدنيين.
-
إدانة وتجريم مدن وقبائل بأكملها.
-
التهجير الجماعي.
خامساً: التعليم
- إهمال قطاع التعليم.
-
توقف الدراسة وتذبذبها.
-
غلق المدارس، وقد أصبح فعلاً اعتيادياً غير مجرَّم.
-
إقامة فصول دراسية في العراء.
-
عدم توفير كتب الدراسة المنهجية.
-
العبث بمحتويات الكتب الدراسية واستبدالها حسب الأهواء.
-
إهمال التفتيش التربوي على المدارس.
-
العبث بأسئلة الامتحانات.
-
التصرف في المعدل العام من نتائج الامتحانات لأسباب سياسية.
سادساً: سيكولوجيا الجماهير
- وقوع أضرار بالغة بترتيب المفاهيم ونظام القيم لدى الأفراد.
-
إشاعة عدم اليقين وعدم الوضوح بين الناس.
-
تحويل الظلم والتعدي المادي واللفظي إلى سمة عامة بين الناس.
-
انعدام الثقة بين الناس.
-
انتشار الفوضى والغوغائية بين الجماهير.
-
استخدام “دماء الشهداء” كشعار ديماغوجي للتمهيد لارتكاب أفعال مجرّمة عرفاً وقانوناً.
-
تحويل السرقة والسطو على أملاك الآخرين إلى فعل اعتيادي لا جريمة فيه.
سابعاً: البيئة العامة
- أصبح المنظر العام للبيئة مسيئاً وبشعاً.
-
أصبح تكدس القمامة ظاهرة في جميع شوارع المدن.
-
أصبح تدمير خزانات المياه فعلاً اعتيادياً غير مجرَّم.
-
اهمال المزارع وترك المشاريع الزراعية عرضة للضياع.
-
تخريب الطرق العامة بحفرها بالبلدوزر وتفجيرها.
-
تحويل الحدائق العامة إلى مكبات قمامة.
-
فتح منظومة الصرف الصحّي على الشواطئ.
-
تجريف الأراضي في المناطق الأثرية.
-
الاستيلاء على الأرض المشاع وتسجيلها.
ثامناً: الدين والمعتقد
- تحويل الإسلام إلى أداة للتحريض والانتقام بالقتل والتخريب.
-
الزج بالصراع المذهبي في الصراع السياسي.
-
قيام المشايخ والأئمة بتكفير الشيعة والمتصوفة والإباضية.
-
القتل عن سبق إصرار وترصّد تحت صيحات “الله أكبر”.
-
استخدام الدين لتبرير ظهور المليشيات المسلّحة.
-
تكفير أصحاب الرأي المخالف ووصفهم بالعلمانيين والمطالبة بقتلهم.
-
انحراف شيوخ الدين عن مهمتهم الرئيسية وانخراطهم في الصراع السياسي.
-
انحراف الأئمة وشيوخ الدين اجتماعياً وسلوكياً.
-
استشراء ظاهرة تكفير العلمانيين.
-
انخراط مؤسسة الإفتاء في تشكيل المليشيات المسلحة باسم الدين لأغراض سياسية.
تاسعاً: الثقافة والإعلام
- انتشار الجهل والتجهيل وتردّي مستوى المعرفة والثقافة العامة.
-
محاصرة النخبة الفعلية بشكل دائم لإسكاتهم ومنعهم من التصريح بآرائهم.
-
عدم السماح بنشر الصحف والمجلات غير الموجّهة.
-
تمويل المحطات الإذاعية والتلفزيونية التي تؤجج الخلاف والصراع.
-
تحوّلت وسائل التواصل الاجتماعي إلى مسرح للاتهام والإدانة.
-
بروز كتّاب لا يجيدون حتى القراءة.
-
ظهور محلّلين سياسيين حمقى لا يدركون الصورة الكبرى لما يحدث في البلاد.
عاشراً: الجانب العسكري
- الاغتيال المنظّم للضباط والقادة العسكريين.
-
تحويل الجيش إلى طرف رئيسي في الصراع السياسي.
-
إجهاض مشروع توحيد القوات المسلحة بالإعلان عن أكثر من جيش.
-
استعانة طرف واحد بالدول الأجنبية لقصف مواقع عدوّة.
-
الزج بالمدنيين غير المؤهلين ميدانياً في جبهات قتالية.
حادي عشر: الجانب الأمني
- تخريج دفعات من ضباط الأمن بشكل سريع وعشوائي لخدمة مصلحة طرف واحد.
-
السيطرة على مقرات رسمية بحجة الدواعي الأمنية.
-
التجسّس على المكالمات ومراقبة الهواتف الشخصية.
-
إقامة البوابات العشوائية لتفتيش الهواتف واقتياد كل من يحتفظ بمقطع يصنّف معادياً.
ثاني عشر: المليشيات
- تصرف المليشيات دون رادع أو وازع.
-
استمداد مشروعية الإجرام باسم كتل سياسية تنتمي لها المليشيات.
-
تهجير الأفراد والأسر والاستيلاء على أملاكها وتهجير للقبائل.
-
إطلاق التهم والإدانة الفورية (فئة باغية، أزلام،.. إلخ).
-
القبض وتوجيه الاتهامات والتهديد وتنفيذ العقوبة دون محاكمة.
-
الاغتنام والسطو وفرض الأمر الواقع دون ردع أو محاسبة أو ملاحقة.
-
تعريض الناس للخطف والقتل والابتزاز.
-
التحشيد القتالي وفتح الجبهات لأسباب شخصية وقبلية.
-
استخدام المدنيين دروعاً بشرية.
-
إقامة بوابات على الطرق العامة.
-
الاستيلاء على الأملاك.
-
تدمير أملاك الآخرين.
-
محاصرة المدن.
-
إقفال الطرق.
-
السطو على المصارف.
***