تقرير :: اسمهان الحجاجي
بعد أن ودعت عصر يوم السبت أول أيام رمضان العشرات من شبابها اليافعين الذين قضوا في معارك واشتباكات الجمعة آخر أيام شعبان ساد في شوارع وأزقة طرابلس مشاهد من الحزن والكآبة حتى إنها تكاد تخلو من المارة و من الحركة الكثيفة التي اعتادها الناس وخاصة في الأيام الأولى من شهر رمضان الفضيل و تضاءل عدد الأسواق والمحال التي تعرض سلعها وبضائعها وفي نظرة سريعة لعدد من الشوارع التي شهدت يوم الجمعة اشتباكات عنيفة كان واضحا آثار الدمار والقصف الذي طال عددا من المباني والمحال والسيارات المحترقة التي ماتزال مركونة على جوانب الطرقات في شوارع باب بن غشير وطريق الهضبة المؤدية إلى منطقة صلاح الدين وأبي سليم .
وفي المناطق الأخرى كان بعض المواطنين يحاولون شراء احتياجاتهم من المواد الغذائية والخضروات لإفطارهم في أول أيام شهر رمضان وهم يسمعون لأصوات متقطعة من الرصاص والتفجيرات تتناهى إلى أسماعهم من تلك المناطق في العاصمة طرابلس دفعت البائعين والمشترين إلى الإسراع في قضاء حاجياتهم خوفا من أن تتطور الأمور إلى ما هو أسوأ.
عادات طرابلسية في رمضان
هكذا استقبل الطرابلسيون رمضانهم هذا العام على أصوات المدافع والرصاص وعلى رائحة الدم في كل مكان في العاصمة طرابلس المحال والشوارع تكاد تخلو من المواطنين خوفا على أرواحهم من رصاص طائش أو قذيفة قاتلة .
رغم كل الظروف لايزال الطرابلسيون يحافظون على القليل مما اعتادوا على القيام به في رمضان خلال السنوات الماضية .
حيث كانت في السابق العائلات تعد العدة لهذا الشهر الكريم بدأً بأعمال صيانة خفيفة للبيت وشراء لوازم شهر الصيام وخصوصا مواد تحضير الحلويات التي تعدها نساء العائلة لسهرات ما بعد التراويح.
ومع اقتراب حلول شهر رمضان تبدأ الأسرة في شراء اللحوم بكميات كبيرة، خصوصا اللحم الوطني رغم غلاء أسعاره .
وفور الإعلان عن حلول شهر رمضان المبارك يبدأ الناس بقراءة القرآن الكريم وتدب الحركة والنشاط في شوارع وأحياء طرابلس ، ويبدأ الطرابلسيون بالخروج للأسواق لشراء ما تتطلبه الأسر من مواد غذائية.
ففي النصف الأخير من شهر شعبان والعشر الأوائل من شهر رمضان تزدحم الشوارع فالكل يرتاد الأسواق لكي يكمل نواقصه!
مدفع الافطار
مدفع الإفطار موروث عربي وإسلامي كان مميز في طرابلس حيث يسمعه الناس من وراء جدران السراي الحمراء فينطلق المدفع منبهًا أهالي المدينة بوجوب الفطر لدخول وقت المغرب، ولكن مع ازدياد عدد السكان وتوسع دائرة المدنية أًصبحت هذه العادة غير متوفرة وغير موجودة الآن في طرابلس.
برامج تثقيف وأعمال خيرية
ينتظر الليبيون قدوم هذا الشهر الفضيل بفارغ الصبر ويستقبلونه بالتكبير والتهليل. وتنشط خلال هذا الشهر في ليبيا الطقوس الاجتماعية المصاحبة لهذا الشهر. ويتسابق الناس في هذا الشهر الفضيل، على برامج التوعية والتثقيف الأسري، التي تقيمها الجمعيات الخيرية المنتشرة في ليبيا، وعن هذا الجانب “تقام في هذا الشهر الكريم موائد الرحمن في جميع المدن الليبية بمبادرات من جمعيات أهلية وبعض النوادي، بالإضافة إلى الشركات من أجل إطعام المحتاجين وعابري السبيل”.
وجبات رمضانية
وفي العادة يبدأ الطرابلسيون الاستعداد لاستقبال رمضان من بداية شهر رجب، بشراء اللوازم الضرورية للمطبخ من الأسواق التي تفوح بمزيج مدهش من روائح التوابل والحبوب والقهوة.
ويعشقن السيدات الطرابلسيات تحضير العصبان والكسكسي الليبي وحلويات العيد، والوجبات الرمضانية التي تبدأ بالتمر واللبن أو الحليب الذي يخلطه البعض بعصير اللوز، والعصائر الطبيعية ثم تتناول الأسرة الشوربة الليبية التقليدية التي يدخل في مكوناتها لسان العصفور، أو أنواع أخرى من الشوربات مثل “الحساء” و”الدشيشة”. وبعد ذلك تبدأ الوجبة الرئيسية، وهي في العادة عبارة عن أرز أو شعيرية بالخلطة بقطع صغيرة من لحم الخروف مع اللوز والزبيب، وطواجين بأنواع مختلفة، ترافقها أنواع عديدة من المحاشي والبطاطا مع الكفتة وبوريك بحشوات مختلفة، وورق السلق المحشي ويطلق عليه “براك”، وغيرها من الأكلات الليبية المميزة، كالعصبان الذي يعلن حضوره بقوة في الأعراس والمناسبات السعيدة ولا تخلو منه مائدة رمضانية ليبية وخاصة ليلة القدر.
الحلويات الرمضانية الليبية
ويفضل الطرابلسيون أنواعاً من المشروبات خلال رمضان مثل “السحلب” و”الروزاتا”، وهي خليط من الحليب وعصير اللوز”.
وتنتشر في ليبيا محال الحلويات الرمضانية بصورة لافتة للنظر، وتعد الزلابية من أهم الأصناف التي يقبل عليها الصائمون، بالإضافة لحلوى أخرى تسمى بـ”الدبلة”، وهي تصنع من خيوط عجين رقيق وتجمع على شكل وردة ثم تقلى في زيت ساخن ثم تسقى بالعسل وترش بالسمسم “الجلجلان”.
وهناك أيضاً “البسيسة” و”الزميتة”، وهما عبارة عن قمح مقشور ومحمص يضاف له كسبر يابس، كمون حلو، كمون عريض ويخلط مع السكر الناعم وزيت الزيتون وقليل من الماء، أما الروينة فهو أهم مشروب ليبي وتشبه مكوناته مكونات الزميتة، بحيث يشتمل على قمح محمص ومطحون، قصب، كمون حلو، كمون عريض، حلبة، وتخلط هذه المكونات بالماء، ويعتبر حضوره ضرورياً جداً على مائدة رمضان في ليبيا.
ويؤمن الطرابلسيون بأن هذا المشروب يحارب العطش، لذلك يتم تناوله خلال السحور بالإضافة إلى المحلبية التي يعشقها الكبار والصغار في طرابلس.
وفي العادة يفضلون تناول حلوى مثل الكعك، الغريبة، القرينات، والمعسلة، والبسبوسة، و”العبمبر” مع الشاي بعد الإفطار.
البيت الكبير
ويتركز الكثير من الأنشطة في رمضان خاصة بالنسبة للعائلات، في البيت الكبير لكل أسرة، حيث يجتمع الأولاد في البيت الكبير ويتعاون الجميع في تجهيز مائدة لتناول الإفطار مع الجد والجدة والأبناء والأحفاد. ويتزاور الأقارب والأصدقاء عادة بعد صلاة التراويح، وقد يتناولون السحور معا.
العبادات وصلاة التراويح
من مظاهر الحياة العاصمة في شهر رمضان عديدة وخاصة من الناحية الدينية حيث يستقبل الطرابلسيون هذا الشهر المبارك مثلهم مثل باقي عموم المسلمين وتعج المساجد بالمصلين و عن مكانة المساجد عند الطرابلسيون “يحرص الناس خلال رمضان على أداء جميع الصلوات بما في ذلك التراويح في المساجد، وعلى تلاوة القرآن وختمه والاستماع للمحاضرات الدينية، وقد تصلي الأسر صلاة المغرب جماعة في بيوتها. وقد يتم تقديم وجبات خاصة الكسكسي” و”الرشدة” في العشر الأواخر، وذكرى معركة بدر، وفتح مكة، وليلة القدر”..
وتمتلئ المساجد في رمضان بالمصلين الذي تتضاعف أعدادهم في الشهر الفضيل رجالاً ونساءً صغاراً وكباراً وخصوصاً لإحياء صلاة التراويح.
أن معظم سكان الأحياء في طرابلس يؤدون صلاة التهجد في العشر الأواخر من شهر رمضان، بالإضافة إلى الاعتناء الكبير بالروحانيات ومنها إقامة حلقات المديح يومياً في المساجد ويتناول عادة الحلويات بعد أداء صلاة التراويح حين تجتمع العائلة في البيت “تلتقي العائلات في المنازل لوقت متأخر يتبادلون الأحاديث، وهناك فئة أخرى تمضي أوقات الليل في قراءة القرآن وختمه على روح من توفي لهم إن وجد، ومن توفاهم الأجل من أقرب القبائل والأسر”.
موائد الرحمن
وتشتهر ليبيا عامة وطرابلس خاصة بموائد الرحمن، حيث يقدمها أهالي طرابلس للغريب وعابر السبيل، وتقدم هذه الموائد لمن يستحق في الطرقات سواء الداخلية أو حتى الساحلية، وكذلك يقوم الأهالي وشباب من الكشافة والمتطوعين بتقديم وجبات
إفطار خفيفة لدوريات الشرطة والمرور الذين لم يغادروا أماكن عملهم، كذلك هناك موائد إفطار تكون في المساجد حيث يقدم الحليب واللبن والشامية والحلويات والأكل الطرابلسى الشهى..
نشاطات ثقافية وفنية
و في سياق آخر يرتكز اهتمام الطرابلسيين في رمضان “عكس الأشهر الأخرى” بالنشاطات الثقافية التي تقام بكثافة في كل منطقة وحي حيث البرامج الثقافية للجان الثقافة والإعلام، والأمسيات الشعرية التي تقيمها رابطة الكتاب والأدباء وأنشطة وبيوت الثقافة وندوات أدبية في القصة والشعر والفن التشكيلي. وتطوف الشوارع أحياناً حفلات الفرق والرقصات الشعبية وحفلات الفن الشعبي.
بالإضافة إلى الرياضة كرة القدم حيث يقوم شباب الأحياء المجاورة بتنظيم دوري لكرة القدم تنتهي فعالياته بانتهاء الشهر الفضيل
عادات اجتماعية ودينية
فيما يتعلق بالعادات الاجتماعية الرمضانية، مثل “لمة الجيران” وزيارة الأقارب والتحلق حول التلفزيون. موائد الرحمان التي قد تقتصر تقريباً على العمال الوافدين على ليبيا سابقا .
لا تخلو صفحات التواصل الاجتماعي من نداءات لنجدة المحتاجين الليبيين في هذا الشهر المميز بالكرم والإحسان.
فالليبيون شعب مسلم، قبل التشدد الإسلامي لبعض التيارات التي ظهرت بالساحة جلياً بعد إعلان التحرير بالخصوص، كان الليبيون شعباً معتدلاً في دينه ومتسامحاً.. هناك جيل الثورة الذي يؤمن بالحريات الإنسانية بما فيها حرية المعتقد، وهناك جيل آخر من الطيبين الذين يريدون أن يتقمصوا دور الوعّاظ في هذه الحالة لنيل أجر يُحسب له.
عيد الفطر
يحتل عيد الفطر مكانة متميزة في ليبيا عامة وطرابلس خاصة . حيث تهتم العائلات بشراء ملابس الأطفال وتحرص على اقتناء أفضل ما هو في الأسواق ليرتدوه في العيد، كما يشتري الرجال الملابس التقليدية الفاخرة، وكذلك تفعل النساء، كما تنشط حركة البيع والشراء أكثر في الأسواق.
رمضان طرابلس حزين هذا العام
لايزال بعض الطرابلسيون يهتمون بكل طقوس وعاداتهم في هذا الشهر الفضيل إلا أن الظروف الحياة التي تغيرت كثيرا خلال السنوات الأخيرة وخاصة بعد شح السيولة وارتفاع الأسعار والأوضاع الأمنية السيئة في العاصمة جعل الكثير منهم يتخلى على الكثير منها .
وما حدث مؤخرا من اشتباكات حيث سقط أكثر من 52 شخصا بين جريح وقتيل وهو ما سبب الحزن والأسى للكثير من العائلات التي فقدت أبنائها كما أدت الاشتباكات التي اندلعت في العاصمة الجمعة آخر أيام شهر شعبان إلى ارتفاع أسعار المواد الأساسية والخضروات بالمدينة وسط أزمة مالية واجتماعية. حادة وهو ما زاد من مشاكل المواطن الليبي ومعاناته مع حلول شهر رمضان المبارك.