رمضان في مالي: استقبال روحاني مميز وتكافل اجتماعي يعكس أسمى قيم الشهر الفضيل

رمضان في مالي: استقبال روحاني مميز وتكافل اجتماعي يعكس أسمى قيم الشهر الفضيل

  • خاص فسانيا : سلمى مسعود : بامكو مالي

  يستقبل الشعب المالي شهر رمضان المبارك بأجواء من الفرح والروحانية العميقة، حيث تزينت المساجد بالمصلين وأصوات التهليل والتكبير، وازدحمت الأسواق بالمشترين الذين يسعون لتجهيز موائد الإفطار والسحور. بدأت العائلات استعداداتها قبل أيام من حلول الشهر الكريم، فتم تنظيف البيوت، وتحضير الأطعمة التقليدية، وتجهيز المساجد لاستقبال جموع المصلين لأداء التراويح وحلقات الذكر.

كما نشطت الجمعيات الخيرية في تنظيم حملات لتوزيع السلال الغذائية على المحتاجين، وتنظيم موائد الإفطار الجماعية، تعزيزًا لروح التكافل والتعاون. في هذا الشهر الفضيل، يتجدد التزام الماليين بالعبادة، حيث يُقبلون على الصيام والصلاة وقراءة القرآن، ويتبادلون التهاني والدعوات بأن يكون رمضان شهر خير وبركة للجميع.

الاستعدادات لرمضان: تجهيزات تبدأ قبل رؤية الهلال.

يبدأ الشعب المالي الاستعداد لشهر رمضان قبل بدايته بأيام عديدة، حيث تعمّ مظاهر الاستعداد في المنازل والأسواق والمساجد. تُنظم حملات تنظيف وتزيين المساجد، ويتم تجهيزها لاستقبال المصلين الذين يتوافدون لأداء الصلوات الخمس وصلاة التراويح. كما تُنظم الأسواق لتلبية الاحتياجات الغذائية المتزايدة خلال الشهر الكريم.

تقول السيدة خديجة سيسي، ربة منزل من باماكو: “نبدأ بشراء المواد الأساسية مثل التمر والأرز واللحوم والخضراوات، كما نقوم بتجهيز مكونات المشروبات التقليدية التي تميز مائدة الإفطار في رمضان“.

الأسواق قبل رمضان: حركة غير مسبوقة.

تعيش الأسواق في مالي مثل سوق “مدينا” في باماكو حركة نشطة قبل بداية رمضان، حيث يزدحم المتسوقون لشراء حاجياتهم الرمضانية.

يقول البائع عمر سيسوكو: “في الأيام التي تسبق رمضان، يزداد الإقبال على شراء التمور ومكونات الأطباق التقليدية. هذا الزحام يعكس فرحة الناس بقدوم الشهر الكريم، رغم العمل المتعب إلا أن بركة رمضان تجعلنا نشعر بالرضا“.

أول يوم في رمضان: روح جماعية وترقب للعبادة.

مع رؤية هلال رمضان، تملأ أجواء الفرح والبهجة مختلف أنحاء مالي. يبدأ الماليون يومهم الأول بالسحور الذي يتضمن أطباقًا خفيفة مثل العصيدة والتمر، ويحرصون على أداء صلاة الفجر جماعة في المساجد. وتلي الصلاة دروس دينية تتناول فضائل الصيام وأهمية التحلي بالصبر والأخلاق الحميدة.

يقول الشيخ محمد ديالو، إمام مسجد الملك فيصل في باماكو: “في اليوم الأول من رمضان، نحرص على تقديم محاضرات توعوية حول فضائل الشهر، ونحث الناس على استغلال هذه الفرصة لتجديد علاقتهم بالله.”

المحاضرات التوعوية: منبر لنشر الوعي الديني.

تقام في مختلف مساجد مالي محاضرات دينية يومية طوال شهر رمضان. تتناول هذه المحاضرات موضوعات تتعلق بفضائل الصيام، فرائضه، آدابه، وأهمية التوبة والعمل الصالح.

يقول الشيخ إبراهيم ديالو: “خلال الشهر الفضيل، نقوم بتقديم دروس يومية بعد صلاة العصر والتراويح. نركز على توعية الناس بأهمية الصيام كوسيلة لتقوية الإيمان، ونعمل على غرس القيم الإسلامية مثل الصدق والتسامح في نفوس الصائمين“.

كما يتم تخصيص محاضرات للنساء، تقدمها داعيات متخصصات في المسائل الفقهية المتعلقة بالمرأة في رمضان.

تقول الداعية آمنة تراوري: “نحرص على توعية النساء بأحكام الصيام، ونتحدث عن دورهن في تعزيز الروحانية داخل الأسرة، وأهمية التفرغ للعبادة خلال هذا الشهر.”

المائدة الرمضانية: تقاليد تجمع العائلات

تتميز مائدة الإفطار في مالي بأطباقها التقليدية التي تجمع العائلات حولها. من أبرز هذه الأطباق “مافي” (اللحم المطهو في صلصة الفول السوداني)، و”تو” (عجينة الذرة مع صلصة خاصة)، إلى جانب مشروبات مثل عصير التمر الهندي وعصير الكركديه.

تقول السيدة فاطمة كوني: “رمضان يعني لنا تجمع العائلة حول مائدة الإفطار. نحرص على تحضير الأطباق التقليدية التي توارثناها عبر الأجيال.”

التكافل الاجتماعي: جوهر رمضان في مالي.

يُعتبر التكافل الاجتماعي ركنًا أساسيًا في حياة الماليين خلال رمضان. تُنظم موائد الإفطار الجماعية في المساجد والأحياء، ويتم توزيع وجبات الإفطار على المحتاجين والفقراء.

يقول محمد كامارا، متطوع في جمعية خيرية: “نحرص خلال رمضان على تقديم المساعدة للمحتاجين. نقوم بتوزيع وجبات الإفطار على العائلات الفقيرة، ونسعى لتعزيز روح التعاون والتضامن في المجتمع.”

دور الجمعيات الخيرية في رمضان تكافل وعطاء يجسد معاني الرحمة.

تبدأ الجمعيات الخيرية في مالي بالتحضير لرمضان قبل قدومه بفترة من خلال إطلاق حملات جمع التبرعات من الأفراد والشركات. تُستخدم هذه التبرعات في شراء المواد الغذائية الأساسية، مثل الأرز، السكر، الزيت، التمر، وغيرها من المكونات الضرورية لتحضير وجبات الإفطار والسحور.

يقول محمد بشير، مدير جمعية إفطار الصائم “: “نحرص على أن نبدأ رمضان بروح من العطاء. نقوم بتوزيع سلال غذائية متكاملة تحتوي على مواد أساسية تكفي العائلات طوال الشهر. هدفنا هو ضمان أن تجد كل أسرة محتاجة ما يُعينها على الصيام في كرامة.”

موائد الإفطار الجماعية: روح التعاون والتآخي.

وتابع محمد “تُعد موائد الإفطار الجماعية واحدة من أبرز المبادرات التي تنظمها جمعيتنا الخيرية خلال شهر رمضان في مالي. تقام هذه الموائد في المساجد والأحياء الفقيرة، حيث يجتمع الصائمون من مختلف الفئات الاجتماعية لتناول وجبة الإفطار في أجواء يسودها التعاون والمحبة.

ويقول الحاج عبد الله تراوري، مسؤول في جمعية “أيادي  البركة الخيرية”: “نرى في تنظيم موائد الإفطار الجماعية فرصة لتعزيز روح التعاون بين الناس، وإحياء معاني الرحمة والتآخي التي يجسدها شهر رمضان. نشعر بالرضا عندما نرى الابتسامة على وجوه الصائمين.”

تقديم المساعدات النقدية: دعم مباشر للأسر المحتاجة

بالإضافة إلى توزيع السلال الغذائية، تسعى بعض الجمعيات الخيرية في مالي إلى تقديم مساعدات نقدية مباشرة للعائلات التي تواجه صعوبات مالية.

تقول فاطمة ميغا، رئيسة جمعية “الأيادي الرحيمة”: “نؤمن بأن رمضان هو شهر العطاء، لذلك نسعى لتقديم المساعدة بأشكال مختلفة. نقدم دعمًا ماليًا للأسر التي تعاني من ظروف اقتصادية صعبة، ونساعدها على تجاوز تحديات الشهر الفضيل.”

توفير وجبات السحور للصائمين

تعمل الجمعيات الخيرية في مالي على توزيع وجبات السحور في المناطق التي تضم الفئات الأكثر احتياجًا، خاصة في الأحياء الفقيرة والمناطق النائية.

يقول الحاج موسى ديالو، متطوع في جمعية “الأمل”: “نقوم بتوزيع وجبات السحور على الصائمين في الأحياء الفقيرة. نعتقد أن تقديم هذه الوجبات يخفف من عبء التحضير، خاصة على العائلات التي تواجه ظروفًا اقتصادية صعبة.”

العشر الأواخر: ذروة الروحانية والترقب لليلة القدر

مع اقتراب العشر الأواخر من رمضان، يضاعف الماليون جهودهم في العبادة. تزداد وتيرة الصلاة وقراءة القرآن في المساجد، ويحرص الكثيرون على أداء صلاة التهجد.

يقول الشيخ محمود كانوتيه: “في العشر الأواخر، نشجع الناس على إحياء هذه الليالي المباركة بالدعاء والاستغفار. نركز على أهمية اغتنام ليلة القدر، التي يُرجى فيها القبول والمغفرة.”

ليلة القدر: أجواء من الخشوع والتكافل

تُحيي مالي ليلة القدر بأجواء روحانية مميزة، حيث تتوافد أعداد كبيرة من المصلين إلى المساجد للصلاة والدعاء وطلب المغفرة. يُنظم الأئمة حلقات ذكر وقراءة القرآن التي تستمر حتى طلوع الفجر.

يقول الشيخ محمد كانوتيه: “ليلة القدر فرصة عظيمة لكل مسلم للتوبة والتقرب إلى الله. نشجع الناس على استغلال هذه الليلة المباركة بالعبادة والدعاء.”

كما تشهد هذه الليلة مظاهر التكافل الاجتماعي، حيث يتم توزيع الطعام والصدقات على المحتاجين، ويحرص الجميع على تعزيز روح التعاون والمحبة بين أفراد المجتمع.

رمضان في مالي: موسم للروحانية والتكافل

يجسد استقبال الشعب المالي لشهر رمضان قيمًا رفيعة من الروحانية والتكافل الاجتماعي. بين الصلاة، الصيام، وحلقات الذكر، يتعاون الجميع لتجسيد معاني الرحمة والتقوى، مما يجعل هذا الشهر الفضيل وقتًا لتعزيز الروابط الروحية والاجتماعية في المجتمع المالي.

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :