بقلم :: عبد القادر الزروق
في حديث قدسي يقول رسولنا الكريم صلى الله عليه و سلم عن المولى عز و جل إنه قال ” كل عمل إبن آدم له إلا الصوم فإنه لي و أنا أُجزي به ” …. صدق الله العظيم و صدق رسوله الأمين .. إذاً شهر رمضان هو شهر الله سبحانه و تعالىٰ و أكتسب صفة الكرم من الكرم الإلٰهي المطلق ..
ما دعاني لهذا القول هو إن أحد الإصدقاء علّق على كون شهر رمضان مبارك و ليس كريم .. و سأبين هنا قصة واقعية حصلت معي تبين كرم رمضان الذي يخفي عيوب البشر و يسترها بحيث لا يمكنك القول فيه بأنك زرت فلاناً وقت الغذاء و تركك بلا أكل أو قهوة أو ما إلى ذلك حتى و إن كان من خصاله البخل العوار ..
في أحد أيام شتاء سنة 1985م ، أتيت لطرابلس و قررت أن أزور أحد معارفي و الذي كان يعزمني بإستمرار و قبلت العزومة و تركتها مفتوحة .. و رأيت إن هذه هي الفرصة المناسبة فأنا قادم من مكان بعيد و جوعان و الفصل شتاء ، و قلت في نفسي سأضرب عصفورين بحجر واحد .. أرضي هذا الصديق و أقتل جوعي .. و لا أحر من الجوع أيام الشتاء ..
أتيت لبيت الصديق بين العصر و المغرب حيث لا مجال لأن يتكهن مضيفي بأنني قد تناولت طعام العشاء .. فالعشاء مضمون و الحقيقة لا تهمني النوعية فأنا من أنصار العشاء قليّة و الليلة هنية ..
وجدت الصديق و رحب بي و أدخلني مكان الضيافة و الحقيقة كان هشوشاً بشوشاً و هنا توفر الشرط الأول و هو الهناء و بقيت أنتظر الشرط الثّاني و هو العشاء و أي عشاء و لعلي في ذلك اليوم لم أتناول طعام الغذاء و طال الإنتظار ..
لم يحضر العشاء ، و كلما سمعتُ أصوات الصحون يسيل اللعاب و أستبشر خيراً و لكن سرعان ما يتبدد هذا الأمل و يستمر الإنتظار الحار و كنت أُمني النفس بأنه لو بطت تكبر .. و الباهي يطوّل ولكن الإنتظار فات حدّه و تجاوز المعقول حيث تجاوزت الساعة الحادية عشرة ليلاً و أنا لا أستطيع أن أبيت عند هذا المضيف و كنت أخشى غضبه لو أستأذنته في الخروج قبل العشاء ..
طال الزمن و تمطط و أصبحت الثانية بالدقيقة و الدقيقة بالساعة و هفتت الحركة و سكن ضجيج الصحون في الوقت الذي تصاعدت فيه قعقعة مصارين بطني .. يا لطيف ما أحر الجوع ..
جمعت كل شجاعتي و جرأتي و ما تبقى لي من قوى بدنية و قلت للمضيف : أستأذنك بالخروج و كنت أتوقع الرفض و لكن الإجابة جاءت عكس توقعاتي و أعطاني الإذن ..
و خرجت من بيته كشاهد الزُّور أخطُّ رجليّ خطيطاً على الأرض نتيجة لغياب الطاقة و شعرت بأن ركبتاي تضربان بعضهما و أختل توازني و أرتميت في سيارتي فاقداً للنخوية و كانت الساعة تقترب من منتصف الليل و أصبحت لذي مشكلتان بدل الواحدة .. حيث بالإضافة إلى العشاء ظهرت مشكلة مكان المنامة نتيجة تأخر الليل ..
و لكن الجوع كافر و المطاعم في ذلك الوقت قليلة جداً و حتى الموجودة منها تقفل مبكراً .. يا إلٰهي ..
وجدت شبه مطعم في منطقة الفلاح و وجدت عنده عقاب دجاجة و كأنها حُفظت من زمن موميات الفراعنة .. و رغم الجوع القاهر لا إمكانية لأكلها .. كانت ليلةً طويلة و قصدت المكان الذي خططته لنومي و هو بيت لإبن خالتي و هو عزيز علي و لا كلفة بيننا و مما رفع المزيد من الحرج و جود خالتي ذاتها في البيت ..
و ذهبت الإيام و دارت السنون و رأيت بعد تلك الحادثة صنوفاً كثيرة من الطعام أكلت فيها ما لذ و طاب و لكنني لم أنس تلك الليلة الشتوية الطويلة و كأنها البارحة ..
قد يكون صاحبي معذوراً .. لا أدري .. و قد تكون له ظروفه .. لا أعلم .. و لكنه لم يبق في مستواه الذي وضعته فيه سابقاً ..
و السؤال هو : لو أتيت هذا الشخص في وقت إمساك الشهر الفضيل ، هل يكون وقع الواقعة كما وقع ؟ .. طبعاً لا .. لماذا ؟ .. لأن رمضان كريم فهل نحن كذلك ؟ ..
و إلى اللقاء …. و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته