- الأمجد بن أحمد إيلاهي
قبلَ أن نتركَ الأرض ،ونبدأ في حراثة الوهم الذي أينع في كامل أرجاء البلاد؛ كنّا.. وكانوا..
كانوا يأملون كثيرًا ، ربّما عاشوا حياةً بأسرها على ذاك الأمل. مشاعرهم مصوّبة نحونا، وكنّا نستشعر ذلك دون كلام ولا توصية. أخبرونَا منذ الطفولة أن الطيور تهاجر ولكنها ترجع إلى أوكارها ولو كانت عودًا يابسًا. ونحنُ نحبّ الطيور، لآلئ سماواتنا في الصباح وفي المساء. أخبرونَا عن قصصهم القديمة كلّها، ولقّنونا معارفهم في الحياة وحصّنوا أفكارنا من الزيفِ والوهم وما ليس من حقّنا أن نكونه خارج ما هو فينا أصيل.
كانوا وكنّا قبل أن يلوي الوقت ذراع المشيئة، فينحرف الطريق. وطلعَ منّا من تناسى ما تعلّمناه قبل المشيِ على اثنتين وباتَ من أشباهنا، يتاجرُ بما هو فيه، ويبيع حديث الأجداد للغرباء. هؤلاء، بَيضُ أريافنا الفاسد طرح كائنات مشوهة أرواحها. البعض جعلَ من لهجةِ الأحرار أضحوكة، ليأكل الخبز مغموسًا في المذلّة والهوانِ. والبعض يبيعُ الأغراب طريق القلوب، ويزَيّف للأهل شكل الخرابِ، ويشير للأعداء أن هؤلاء لكم! فاجعلوني منكم، عليهم!
كانَ للآباء زرع واقفٌ، ولم ينتبهوا للسّوس في وسط السنابل، أهملوه. اليوم نزرع السوسَ من السنابل وهمًا عميمًا، ونتركُ العامر منه بلا حصاد.. اليومَ بدل الخيل والخرفان، نربّي قطعان الجراد.!
رأيتُ في رحلة الطير أوكارا عظيمة، مدنًا من الأحلام. شاهدت الرّوابي الخضر والماء ينساب من قمم الجبال. وقفتُ على هذي الخريطة دونَ أن أفكر في الضياع، حلّقت على علوّ الكتابة حتى لا يصطادني لاهٍ فلا أعود. أقرأ من أنفاس من رحلوا، وأستقي من الأيام حكمتي في البقاء. في ذهني عود يابسٌ، ولغةٌ لا أبتغي بيعها. وفي ذمتي وعد قطعته للصمت في تلك العيون الغائمة بالحب، قبل الهطول وقبل البكاء.
تساءلت ،مالفرق بين ريفٍ هنا وريف هناكَ، لا فرق يا قلبي ولكن، غيمة الأحزان هي من تسقي تربة الأفراح. الأرض هي الأرض ولكنّ الناس ليسوا سواسية. بين الذي يحرث الحقل والذي يحرث الوهم مسافة ما بين طائر مهاجر يشتاق عوده اليابس، ومن يقيم في قنّ الدجاج ولا يسأل عن جدوى الأجنحة.
الفرقُ أنهم كانوا يأملونَ أن نطير لنعود إليهم في الربيع، ولكنّنا تأخرنا أو أن الربيع استقال.. المهم أنهم رحلوا حين سئموا الانتظار!