- عبد العزيز الزني
…. من ألحكي ما قد يقتضي الحال سرده .. في عام 1492م اضطر ” أبو عبد الله محمد الثاني عشر ” ملك غرناطة ، أخر ما تبقى من دولة الأندلس ، اضطر صاغراً ، أن يغادر قصر الحمراء ، في غرناطة و يسلم ملكه ، للملك فرديناند و زوجته الملكة ايزابل ، هذا وفق شروط “غير مشرفة ” كان قد تم التوصل إليها ، بعد مفاوضات شاقة طويلة ، تولاها نيابة عنه ، أحد وزرائه من بين هذه الشروط العديدة ، يحق للملك “أبو عبد الله” ، و هو يغادر أن يحمل معه ، ما شاء من متاع . المهم … حدث عندما كان أبو عبد الله ، على ظهر دابته ، في طريقه إلى منفاه ، و معه ما شاء من متاع ، حسب الاتفاق ، حدث أن توقف عند نقطة بعينها، و كانت منه التفاتة ، إلى غرناطة ، فرأى كمْ صارت هي بعيدة عنه ، بعيدة جداً ، و يقال أيضاً أنه بكى و ذرف دمعاً ، لا يمكن إلا أن يكون حسرةً و ندماً ، على أية حال ، المهم هنا ، أن الأسبان القشتالين ، أطلقوا على ذاك المكان ، حيث توقف أبو عبد الله و دابته ، و كانت منه تلك الالتفاتة ، أطلقوا عليه ” زفرة العربي الأخيرة ” . بعد هذا ابتلع النسيان أبو عبد الله ، و مات في مدينة ” فاس” بالمغرب ، دون أن يُعرف عنه شيئاً. لأنه و بعد تلك الشهقة ، ما كان ممكناً له شهقة غيرها …. فواجع التاريخ و نكباته الكبرى .. ليست شيئا يذكر ، أو يستوجب الوقوف عنده ، إذ لم تصبح منبها مدوياً ، و صرخةً يتردد بعنف صداها ، دواخل الشعوب ، و الحكام ، و القادة ، و كل مسؤول أينما حل .حتى لا يقال ، و في لحظة تخلو من الملح ” وَ لاتَ حِـينَ مَنَاصٍ ” صدق الله العظيم .. إذن و كما رأينا ، يمكن أن تختفي الدول و تضيع ، و بالتالي الشعوب ، و تُصبح أثراً بعد عين ، كما قال الأجداد . هذا أمر وارد ، غير مستبعد …… دولة الأندلس ، التي تحدثنا عنها ، إن لم تكن أفضل مثل ، فهي أقرب مثل ، بعد أن تحقق لها ، زهاء ما يقارب 500 عام من ازدهار في شتى المجالات ، ما لم يتحقق لغيرها عبر 1000 عام . و غير دولة الأندلس ، هناك العديد من الدول ، تحدث التاريخ عن موتها ، وانتهائها و شعبها ، في لحظة تاريخية رهيبة ، و لم يبق منها ، سوى بضع وريقات ، في كتاب تاريخ مدرسي ، داخل حقيبة طالب مهمل ، في المرحلة الإعدادية ، أو ربما الثانوية . هذه الأحداث أو الفواجع الكبرى ، بطبيعة الحال ، لا تكون فجأة ، بين ساعة و ضحاها ، بل هي نتيجةً حتمية ، ـ 2 ـ لسلوك و انتهاج أسلوب عيش معين ، مشين حدّ التطرف ، أهم ملامحه ، غفلةً بل هي غفلة كبرى ، يدعمها ، غياب وعي و عدم إدراكٍ لِحقيقة الواقع ، و قُصر نظر ، و انعدام الإحساس بالانتماء ، مع غلق الأذان ، أمام نصح الناصحين . وتلاشي الدول و اختفائها بشعوبها ، ليس بالضرورة أن يكون كما كان الحال مع الأندلس ، فقد يأخذ ، بل لابد له والآن ، أن يأخذ أشكالا أخرى ، تتلاءم و العصر ، فلم يعد مقبولا على الإطلاق ، أن تدخل الجيوش لتحتل دولة أخرى ، احتلالا مباشرا ، كما كان يحدث في الماضي ، لكن جَدَّ من الأساليب ما هو أكثر جدوى ، و قبولا ، يجري تحت أنظار الجميع ، و بمباركة دولية ، و تحت مسمَّيات إنسانية ، لا تملك حيالها أنت المغلوب على أمرك ، و رغم أنفك ، إلا التسليم و الاستسلام ، وإظهار القبول بها ، و يُبقي هذا على اسم الدولة و حدودها الجغرافية ، المعترف بها دوليا و قانونيا و على النشيد الوطني و على العلم أيضا ، ليحييه طلبة المدارس كل صباح . و هنا قد لا تكون هناك ، بل من المؤكد بغلة لِتُركب ، و لا زفرةً لِتُطلق ، و لا متاع لِيُحمل ، بل عيش مع قهر و كمدٍ … لينتهي وبعد ذلك الأمر و يُنسى ، مع الجيل الثاني أو الثالث على الأكثر . .