- نيفين الهوني
من حوار متكامل ودسم مع النفس ونص جميل للرائع جبران خليل جبران جاءت هذه الجملة على لسان البطل والمخرج طلعت السماوي في مسرحيته زهور سوداء حيث عرضت ضمن برنامج مهرجان أيام قرطاج المسرحية في دورته الحالية ال24 بتونس العاصمة على مسرح المبدعين الشبان بمدينة الثقافة والتي كانت من المفترض ان تؤدي دور البطولة فيها الفنانة السويدية جونيلا يلسون ثم نتيجة ظرف طارئ انقذت الموقف الممثلة التونسية الشابة المفاجأة شيماء العوني .
والتي كما جاء على لسان المخرج في كلمته التي ألقاها أثر العرض أن البطلة أدت الدور بعد 21 يوما من التدريب المكثف على الرغم من مرضها لمدة يومين قبل أن تبرع في أسرنا بأدائها الجميل والمعبر والساحر والمتماهي مع ما يعانيه كل منا بداخله دون ان يفصح عن ذلك ويتحدث نص المبدع الكبير جبران خليل جبران والذي يمتاز الفنان والمخرج العراقي طلعت السماوي بالعمل على نصوصه دائما كما يقول مخرجه الذي يدير أيضا ورشة “تقنيات الرقص والأداء الحركي ضمن فعاليات الورشات في أيام قرطاج المسرحية لهذا العام 2023 عن غربة الانسان هذه الغربة التي يعانيها الانسان المعاصر والترنح بين اليأس والخيبة وهي من أكثر المشكلات التي يعاني منها جبران وظهرت واضحة وجلية في كتاباته والتي تستهوي السماوي فيبدو أنه كان قد عاني في زمن ما من هذه المشاعر السلبية كونه عاش خارج العراق لأكثر من ثلاثين سنة فتمكن من تجسيدها بشكل رائع ومتكامل في عرض راقص لأنه من مؤسسي فن الرقص الدرامي بالعراق الذي لم يخرج من وجدانه ومن أعماله التي تنتمى لكل ما هو عراقي وعربي وانساني وهذا ما يتفق عليه الجميع ويظهر جليا في أعماله وفي حواراته والتي جاء على لسانه في احداهن وتحديدا على راديو كرامة ( علاقتي مع العراق مثل علاقة المتصوف مع الله هو لم يراه لكنه مؤمن به).
وقد اتخذ المتصوف العراقي من المسرح الحركي (كوريغراف) ولغة الجسد لغة تعبيرية بديلة للحديث عبر جسد البطلة شيماء العوني التي اكتشفها ضمن ورشة تدريبية وعرض حنظلة الذي كانت ضمن فريق الأداء فيه وهي راقصة تعمل على الفنون الشعبية والاستعراضية وتقدم خطوات الإيقاع العلاجي في الرقص حيث جدت لها أيضا مقاطع مرئية في قناة على اليوتيوب .
وقد نجحت في كسب التحدي وكسب فرح الجمهور بها وتشجيعه لها عندما وضعتنا أمام مرآة عكست غربتنا وما يعتمل في دواخلنا بتعابير جسدها وايماءاتها الوجدانية المطلة من عينيها والتأرجح بين الفرح والحزن الحلم والكابوس الجمال والبشاعة الرغبة في مواصلة المسيرة والقفز نحو محاولات انهائها في لحظة عبر تنقلها الرشيق والانيق بالرقص على أوجاعنا ومقابلتنا بهروبنا المستمر من المواجهة (برافو شيماء العوني) (برافو طلعت السماوي) فعلى الرغم من أنه لا يوجد زهور سوداء .
ولم يحدث أن شاهدنا ذات يوم في حديقة ما مثل هذه الزهور الا انكما استطاعتما التعبير نيابة عنا عن اليأس الذي قد يتلبسنا في لحظة ما ونحن في ريعان شبابنا وتفتح براعم زهور العمر عن الخيبة التي تصيب القلب بسبب الخذلان الذي قد يقابلنا ذات حسن ظنٍ منحناه لمن لا يستحق ذات نقاء روحاني فيصبغها باللون الرامز لسواد الافكار والشعور بانعدام الرؤية بسبب الظلام الذي يكتنفنا والقنوط الذي يلفنا في غفلة عن الأمل المتجدد والرضا بما يمنحه لنا الله في الحياة