زوارُ الربيع
في بلادِ ساحلها طويل ومتعرج وخلاب، أغلبُ سكانها إما يعيشون على الساحل أو يتحركون نحوه صيفاً فرارً من الحر والملل والحرب التي تدور هناك منذ بضع سنوات، ينتشرُ في هذه البلاد صيد السمك هوايةً ومهنة، إلى جانب السباحة والغوص والرحلات البحرية، وحديثاً تسري هناك أحاديث وصور عن انتشار سمك القرش المخيف في بحرها، يقال إنه اقترب من مياه الشاطئ، ويقال أيضاً إنه بدأ ينتشرُ بسبب كثرة جثث الموتى الذين يغرقُون أثناء عبورهم إلى الشمال في رحلات اتجار البشر التي تُغادر شواطئ تلك البلاد نفسها.. في ازدحام كل هذه الأحداث على جنوب المتوسط هل يمكن أن يكون هذا سمك قرش حقاً؟
صورة صيد لقرش ماكو قصير الزعنفة يعرف محلياً بالزرقاية وهو من الانواع المفترسة لكنه لا يقترب من الشواطئ (الصورة من Facebook)
يقول عبد الله المقاوشي الباحث في مركز بحوث الأحياء البحرية والخبير في حركة سمك القرش في البحر المتوسط، “إنّ الأسماك التي ظهرت في الصور على الفيسبوك هي فعلاً فصائل من أسماك القرش إذا ما سميناها باسمها العلمي العالمي، لكنها تُعرف محلياً أيضاً باسم “كلب البحر” وهذا الاسمُ ربّما يخفف قليلاً من الذعر المرتبط به” وأضاف المقاوشي بأنّ الفصيلة من القرش التي ظهرت في بعض الصور على صفحات الفيسبوك وهي تقترب من الشواطئ في المنطقة الوسطى فيُعرف محلياً باسم (بودريوة) لا يُحسب من الأصناف الخطرة على البشر وهو من الأنواع التي تواجه خطر الانقراض”.
ويضيف المقاوشي وهو باحث سبق له رصدُ ومتابعة فصائل القرش في المياه الليبية اثناء دراسته لاسماك التونة زرقاء الزعنفة؛ إنه من المتعارف بين الصيادين والاوساطِ المحلية المتعاملةِ مع صيد الحيتان والسمك بأن يُطلقوا اسم القرش على أصناف كلب البحر التي لها أسنان مُذببة وتفترسُ الأسماك الأخرى، وأما بقية كلاب البحر التي ليس لها أسنان مذببة مخيفة فلا يعتبرها الصيادون أسماك قرش رغم أنها من ذات الفصيلة.
في مياه البحر الأبيض المتوسط تعيشُ فصائل كثيرة من أسماك القرش تُعرف بـ “كلاب البحر”، وليس جميعها خطِرا على البشر فهو يسبح بعيداً عن الشاطئ ولا يقترب سوى في مواسم معينة وهي ليست مواسم السباحة، إضافةً إلى أن بعض أصنافه غير لاحمة وبالتالي فإن جسم الإنسان حياً كان أو جثة ليس فريسةً لها؛ فمنها ما يتغذى على القشريات أو الهوائم الحيوانية أو الأسماك السطحية رغم ضخامة جسدها وشكلها المثير للذعر، وبعض أصنافها يتغذى على اللحم لكنّ أسماك البحر الضخمة هي غذاؤه الأول.
رأس سمكة تونة أحد ضحايا سمك كلب البحر أثناء رحلات صيد التونة ويبلغ طول هذه السمكة اكثر من مترين ووزنها أكثر من نصف طن (المصدر: مركز بحوث الاحياء البحرية تاجوراء(
إنها ليست حديثة الوجود في المتوسط بعكس اعتقاد بعض السكان؛ لكن عدمَ اقتراب هذه الأسماك من السواحل -سوى في مواسم التزاوج ومواسمِ وفرة غذائه- وعدمَ تهديدها للسباحة والصيد جعلاها بعيدة عن ذاكرة الناس. ولم تسجل الخارطة العالمية لهجوم أسماك القرش على السواحل أي إصابة بشرية في شواطئ ليبيا أو الدول الجنوبية لحوض المتوسط أي هجمات تذكر منذُ عقود، لكنّ عدم خطورتها أمر لا يمكن تأكيده بشكل قاطع خاصة أثناء موسم الربيع عندما تكثرُ أعدادها قرب الساحل والمياه السطحية.
يقول المقاوشي إنّ غياب الإحصائيات وغياب الإبلاغ عن هذه الحالات في المستشفيات وغيرها يحول دون تأكيد أو عدم تأكيد خطورة كلاب البحر على السواحل.
وسبق وأن سُجلت حالات نادرة ل اقتراب القرش الضخم من الشاطئ بشكل قد يكون خطراً في بعض مناطق المنطقة الوسطى من الشاطئ الليبي –قرب سرت- حيث يكثر تواجه فصائل معينة من القرش ويكثر استهدافه ، كما سُجلت حالة نادرة لظهور القرش الأبيض GREAT WHITE SHARK الذي يُعد من أخطر أنواع القروش في العالم عندما تم اصطياده بشكل عرضي بعيداً من الشاطئ قبالة مدينة صبراتة عام 1984ـ وفي عام 2003 تمكن الصيادون من العثور على قرش يبلغ طوله نحو 8 أمتار ويعد من أضخم كلاب البحر لكنه من الفصائل غير المفترسة ويعرف بالقرش المتشمس Basking shark . وبين الصيادين المحليين يُعرف بــ”الدودة”.
القرش المتشمس الذي تم اصطياده في 2003 طوله نحو 8 متر ولكنه غير خطر وغير مفترس ويتغذى على الهوائم الحيوانية (صور مركز بحوث الاحياء البحرية -تاجوراء)
Basking shark القرش المتشمس
لا تُعد كلاب البحر من الاهداف الأولى للصيادين في ليبيا لكونها ليست في أول قائمة السمك الذي يتغذى عليه السكان، إضافة ً إلى قلة عدد السكان وقلة الطلب مقارنة بطول الساحل، لكنّ صيده يحدث إما ضمن الصيد الجانبي أثناء رحلات صيد سمك التونة حيث يتم اصطياد هذا السمك بشكل هامشي دون أن يكون هو الهدف الأول للرحلة، أو عندما يستهدفُه الصيادون المتخصصون بمتابعته وتجارته ومطاردته سواء كانوا صيادين محليين أو أجانب يلاحقون القرش عبر البحار، حيث يتم استهداف القرش لأجل تجارة زعانفه التي أضحت تجارة مُكسبة بتصديرها لدول شرق آسيا لدرجة تهدد وجود هذا المفترس البحري.
قرش واحد وآلاف البشر
تُفيد قوائم الاتحاد الدولي لصون الطبيعة IUCN بأن أغلب أصناف سمك القرش “كلاب البحر” بما فيها قُروش البحر المتوسط هي إما “مهددة بالانقراض” أو في “وضع حرج” أو “قريبة من التهديد” أو أنها لا تُوجد بيانات كافية عليها، وهو ما يعني أنّ استهداف هذه الأسماك بشكل عشوائي ودون معرفة الكثير عنها تحت ذريعة أنها سمكُ مُفزع وخطير على البشر قد يحمل تهديداُ على التوازن الطبيعي للبحر..
وقد أفادت تقارير وأبحاث سابقة كان من بينها تقرير نُشر على موقع DAILY SCIENCE وأعده مجموعة من الباحثين حول العالم، أفاد بأن تناقص عدد سمك كلاب البحر والتي تُعد قمة الهرم الغذائي للأحياء البحرية في العالم يهدد النظام البيئي للمحيطات جميعاُ، إذ أنه يؤدي دوراً أشبه بتنظيف المحيط من بقايا الجثث والأسماك الميتة وغيرها وبالتالي اختلالاً في مناطق مصائد السمك التي يعيشُ عليها البشر ، وغير ذلك من الاختلالات في التوازن البيئي للمحيطات.
صور انتشرت لعمليات صيد كبيرة طالت أسماك كلاب بحر خلال شهر أبريل (صور منتشرة علي فيسبوك)
تُثبت ُ الأرقام التي ترصد عمليات صيد كلب البحر حول العالم أنّ أعداد كلب البحر الذي يُقتل سنويا لأغراض ربحية وتجاريةً يتزايد، وقد قدرت بعض التقارير عدد القروش التي تُقتل سنوياً بمليون قرش سنوياً رغم ابتعاد هذه السمكة عن الشواطئ وندرة هجماتها على البشر المسالمين. بينما لم تُسجل سوى حالاتٌ قليلة لا تتجاوز المئات حول العالم وفي مناطق محدودة من العالم لبشر ماتوا أو أصيبوا بسبب القرش وخاصة إن كانوا على الشاطئ ولم يدخلوا ضمن منطقته.
نجوى وهيبه