- المهدي يوسف كاجيجي
يقولون عنها ترابها سخون، وأرضها طاردة، وتركيبتها السكانية فريدة. نسيج متداخل متمازج تشكل من أعراق مختلفة كانت عابرة للمكان، فاستقرت فيه وصنعت وشكلت الحياة على ارضه، هذه هي ليبيا. بلد الغريب عنها يراها كسراب الصحراء فى يوم قائظ ،حقائق الامور ليست كما تبدوا له.” الليبين صعبين يا وليدي ” كلمة كان يرددها السيد سيف النصر عبدالجليل رئيس المجلس التنفيذي لولاية فزان ووزير الدفاع الأسبق في العهد الملكي،رحمه الله،في نهاية اى نقاش عن التركيبة الليبية.
تذكرت ذلك وأنا اتابع ردود الفعل، حول استقالة السيد غسان سلامة، الممثل الشخصي للامين العام للأمم المتحدة فى ليبيا. وهو يحمل الرقم السادس فى قائمة الرجال الذين شغلوا المنصب، بعد سقوط نظام سبتمبر. كان أولهم الدبلوماسي البريطاني أيان مارتن، تلاه الوزير الأردني عبد الإله الخطيب، وجاء في الترتيب الثالث السياسي والأكاديمي اللبناني والوزير طارق متري، الذى اصدر كتابا عن تجربته فى ليبيا بعنوان “مسالك وعرة ” واختفى عن المشهد.
الثلاثة الأول كانوا اسعد حظاً ، فعند وصول الرابع تزامن ذلك مع بداية تعقد المشهد الليبي، ودخول البلاد فى صراع على السلطة، وحرب أهلية، وانقسامات تبشر بالتقسيم، وتدخل أجنبي سافر أفقد البلاد سلطة اتخاذ القرار، وكان أيضًا نهاية للحوار الليبي الليبي. وفى هذ الأجواء من الصراعات المتداخلة وانعدام الثقة تسلم الراية من طارق متري الأسباني برناردينو ليون، كان ترتيبه الرابع، وبداء مهمته بالوعود بتوزيع المناصب، وعندما تعقد المشهد انسحب بهدؤ بعد أن حصل على وظيفة مدير عام للأكاديمية الدبلوماسية فى دولة الإمارات، ولم نعرف ماهو المقابل الذى دفعه السيد ليون مقابل ذلك، ولكن مصادر إعلامية وقتها اعتبرته فضيحة لمصداقية الأمم المتحدة.
كوبلر وخبزة بالتن
خلف ليون الدبلوماسي الألماني مارتن كوبلر، حضر مزهوا بخبرته الطويلة التي حصل عليها من الوظائف التي تقلدها في الأمم المتحدة، وعاصر فيها عدد من الحروب على ارض العراق وأفغانستان والكونغو وعمل سفيرا لبلاده فى القاهرة وبغداد. حضر إلى ليبيا متفائلا، فرفس البازين، واكل الخبيزة بالتونو والهريسة، وتجول فى العاصمة طرابلس مرتديا السروال والسورية والفرملة العربية، وشرب الشاهي المربرب، ولكن كل ذلك لم يشفع له،وأنتهي به الحال غريقًا فى المستنقع الليبي .
سلامة .. الموت كمدا
[استقالة غسان سلامة، كانت السرّ الأكثر علانية في هيئة الأمم. وقد خيّب توقّعات المحلّلين في المنظّمة الدولية، عندما تأخّر كثيراً في إعلانها، فكيف لأي إنسان أن يجد طريقه في مثل هذه الفوضى العارمة؟ ]
هذا ما كتبه الاستاذ سمير عطا الله، على صفحات جريدة الشرق الأوسط، تحت عنوان “وداعًا طرابلس” عن الدكتور غسان سلامة، الرجل السادس وربما يكون الأخير والذي وصل إلى ليبيا حاملا تجربته الطويلة كسياسي لبناني وأستاذ العلوم السياسية فى جامعة السوربون. ووزير سابق للثقافة، ومرشح سابق لمنصب الأمانة العامة اليونيسكو، وله اكثر من عشرة كتب بالعربية والفرنسية، خدعه السراب الليبي فابتلع الطعم. كان يحلم أن تكون ليبيا آخر إنجازاته ليتقاعد بعدها تحت ظلال شجرة أرز فى بيته على جبل لبنان، ولكن اللعنة الليبية أدركته. اجمعوا صور الرجل ورتبوها بداية من وصوله إلى ليبيا حتي أعلان فراره اقصد استقالته، تاملوها جيدا وستعرفون ماذا فعلنا بالرجل.ورحم الله سيدي سيف النصر عبدالجليل القائل :الليبين صعبين يا وليدي.
* الصورة:كوبلر والملابس العربية والخبزة والتن،وسلامة ما بين الوصول والرحيل،ماذا فعلنا بالرجل؟