شهر رمضان المبارك في مدينة زوارة عبق التاريخ وتميز الحاضر

شهر رمضان المبارك في مدينة زوارة عبق التاريخ وتميز الحاضر

  • تقرير / شعبان التائب / صور / عماد عمران المنصوري

وَكَانَ الجَمِيعُ يَحْرِصُونَ عَلَى الانْتِهَاءِ مِنْ تَجْهِيزِ كُلّ الاحْتِيَاجَاتِ قَبْلَ العَشْرِ الْأوَاخِرِ مِنْ شَعْبَان

  • تقرير / شعبان التائب / عدسة عمران المنصوري

يعتبر صيام شهر رمضان وقيامه حدثا مقدسا لدى مجتمع اتويلول ” سكان مدينة زوارة ” منذ القدم ، له عاداته وتقاليده الرمضانية التي يشترك فيها مع أغلب المجتمعات المسلمة كالحرص على أداء الصلاة في المساجد وتعويد الأبناء على الالتزام بها ، والتواصل مع الأقارب ومساعدة الفقراء والمساكين بالزكاة والصدقات ، وله أيضا عادات وتقاليد خاصة به يتميز بها عن غيره من المجتمعات باعتباره مجتمعا محافظا حريصا على التمسك بعاداته وتقاليده المرتبطة بهويته الثقافية التي توارثها الخلف عن أسلافهم وتميزوا بها عن غيرهم .

قديما كان الاستعداد لاستقبال شهر رمضان يبدأ من منتصف شهر شعبان أو من قبله ، حيث تبدأ الأمهات والجدّات في إعداد وتوفير كل ما يحتجن إليه من “عوالة أو عوين رمضان كما كان يسمى ” وهو في العادة يتمثل في إعداد السويقة “ارن انسويق أو تزمييط ” والدقيق في الماء ” ارن قمان أو تكرا ” والبسيسة “اظمين ” والكسكسي ” كسكسو نيردن ” وعملية إعداد هذه الاحتياجات التي كانت تشكل الوجبات الرئيسية يتطلب جهدا كبيرا وتمر بعدة مراحل تبدأ بعملية تنظيف وتنقية الحبوب وتنتهي بعملية الطحن “ايزدا ” والتغربيل ” اسيسف ” مرورا بعملية التحميص “إيراف” وتنعيم الحبوب في المهراس ” تقيربا” وتجهيزها للطحن ” اغيز” وهي كلها عمليات يدوية تعتمد أغلبها على الطرق البدائية التي تتطلب إلى جهد كبير ووقت طويل

وَالبَعْضُ كَانَ يَحْرِصُ عَلَى تَقْزِيرِ القُدُورِ عِنْدَ الحَدّادِ.

وكان الجميع يحرصون على الانتهاء من تجهيز كل الاحتياجات قبل العشر الأواخر من شعبان

 . وبالإضافة إلى تجهيز الاحتياجات الرئيسية للوجبات كن يحرصن على إعداد البهارات والتوابل من فلفل وبزار وحرارات ، وتجفيف البصل والطماطم الأخضر والتأكد من وجود القرعة القعمازة “تاقرومت ” التي يتم تخزينها إذا لم يتزامن موسمها مع شهر رمضان وهي من ضروريات بازين ليلة الدولة ، وكذلك تجهيز التمر والعجين والمكسرات التي عادة ما تتكون من اللوز والفول السوداني “الكاكوية ” واللوز الأحمر واللوز الخزايني والفول ، وهناك من كن يقمن بإعداد بعض الحلويات التي كانت معروفة وقتها ، وكان الجميع رجالا ونساء يحرصون على الانتهاء من تجهيز وتوفير كل الاحتياجات قبل بداية العشر الأواخر من شهر شعبان لغرض التفرغ لصيام هذه الأيام التي يرونها مباركة وأجر صيامها لا يقل عن أجر صيام شهر رمضان .

وكما أن للمرأة دورها في الاستعداد لاستقبال شهر الصيام فالرجال أيضا لهم دور يتزامن مع ما تقوم به النساء من تجهيزات ، حيث يعمل كل رب بيت وحسب مقدرته على توفير كل احتياجات البيت من لحوم وخضراوات وتمر وحلويات مثل الحلقوم والحلوى الشامية ، والمشروبات والتي في أغلبها من نوع الروزاطة ” نعناع – رمان – لوز ” كما كان يقوم بتوفير كل الأواني وأدوات الطبخ الناقصة ، والبعض كان يحرص على تقزير القدور عند الحداد وهي تعني طلاء قدر البازين المصنوع من النحاس بالقصدير من الداخل وهي من العادات التي انتهت مبكرا بعد مغادرة اليهود للمدينة الذين كانوا مشهورين بمزاولة مختلف المهن اليدوية ومع مغادرتهم قفلت أغلب دكاكين القزدارة التي كانت منتشرة في سوق المدينة وانتهت المهنة بنهاية من تعلموها من اليهود .

وَيَنْشَغِلُ الصّغَارُ بِسَمَاعِ الْأذَانِ ، فَهُمْ مَنْ يَقُومُ بتَبْلِيغِ عَائِلَاتِهِمْ بِمَوْعِدِ الأذَانِ.

ومن التقاليد التي تميز بها مجتمع ات ويلول في شهر رمضان عادة “تيمشراط ” وهي تقليد أمازيغي قديم وعريق ، كان وإلى وقت قريب منتشرا بين أهالي المدينة وهي عادة القسامية خاصة في أواخر شعبان وبداية شهر رمضان وهي عبارة عن اشتراك مجموعة من سكان الحي الواحد أو الأقارب في شراء جدي أو خروف وأحيانا ثور صغير أو قعود ويقومون بذبحه وتقسيمه بالتساوي بين جميع المشتركين في دفع ثمنه ، بحيث يأخذ كل شخص من كل شي في الذبيحة بما فيهم المحتاج والفقير الذي لم يدفع أو الذي كانت مساهمته رمزية ودفع قدر ما يستطيع .

وبعد أن يتم توفير كل الاحتياجات وتكتمل كافة الاستعدادات لا يبقى إلا انتظار رؤية هلال رمضان والإعلان عنه والذي كان يتم عن طريق المسحراتي ( ادباب ) أو عن طريق الراديو في وقت لاحق ، وما أن يتم الإعلان عن دخول رمضان حتى يبدأ الناس في تهنئة بعضهم البعض ، وأول عمل يقومون به هو التعميد ويعني الاغتسال وإعلان نية الصيام ، وكلمة التعميد حسب اعتقادي هي من بقايا الديانة المسيحية التي كانت منتشرة في شمال أفريقيا قبل دخول الإسلام ، وهي مازالت تستعمل بنفس معنى الاستعداد لأداء العبادة عند المسيح ، وبعد التعميد أو الاغتسال وإعلان نية الصوم تتجمع كل العائلة للسحور بعد سماع دقات طبلة المسحراتي ، والسحور في العادة يتكون من زميطة وكوب حليب مخلوط بالشاي كوجبة رئيسية مع بعض الأشياء الأخرى الخفيفة وأغلبها من غلال الموسم أو مما صنعته ربات البيوت في وقت سابق .

اليَوْمُ الْأوّلُ مِنْ أيّامِ رَمَضَانَ دَائِمًا مَا يَكُونُ يَوْماً مُمَيّزًا وَمُخْتَلِفًا عَنْ بَقِيّة الْأيّامِ.

حيث تحدث فيه العديد من التغيرات في الحياة اليومية المعتادة ، مثل تغيير مواعيد العمل وحركة السوق ، حيث يكثر الازدحام على محلات الخضراوات والحلويات واللحوم والمشروبات والأفران ، كما يكثر الباعة المتجولون “ايظرحن ” ومن الأشياء الملفتة للنظر هو رؤية الجميع منشغلون بأداء واجباتهم في همة ونشاط الكبار والصغار ، فكما كان للكبار دورهم كان للصبيان دورهم الخاص بهم ، فمن مهاهم قضاء بعض الحاجيات البسيطة التي قد يكون غفل عنها الأب ولا تتطلب ذهابه للسوق ، بالإضافة إلى شراء الخبز الطازج والساخن من الفرن مباشرة باعتباره عادة من عادات رمضان اليومية التي كان يحرص عليها الجميع ، ومن مهام الصبيان أيضا التفرغ لسماع أذان المغرب بعد أن ينتهي من جلب الخبز وذلك صحبة الأطفال الأصغر منه سناً ، ومهمة إرسال الصغار لسماع الأذان هو لغرض شغلهم بشيء يبعدهم عن البيت لترك الفرصة للأمهات لإعداد وجبة الإفطار على راحتهن .

وينشغل الصغار بسماع الأذان ، فهم من يقوم بتبليغ عائلاتهم بموعد الأذان

 فمع اقتراب موعد أذان المغرب وانتهاء أعمال الرجال وذهابهم للمسجد تنشغل النساء بتجهيز مائدة الإفطار ، وينشغل الصغار بسماع الأذان ، فهم من يقوم بتبليغ عائلاتهم بموعد الأذان في فترة ما قبل انتشار وسائل التنبيه وضبط الوقت الحديثة وقبل انتشار مكبرات الصوت وتعذر وصول صوت المؤذن للمنازل البعيدة عن المساجد ، يذهبون للمسجد فرادى ومجموعات وكل واحد منهم يحمل في جيبه شيئا يفطر عليه حتى وإن كان غير صائم ، وما يحملونه معهم في جيوبهم عادة ما يكون تمرا أو قطعة حلقوم أو بعض الأشياء التي أعدتها الأم وأعطتها له ملفوفة في ورقة ، وما أن يرتفع صوت الأذان حتى ينطلقون جري ” مربعة ” في اتجاه بيوتهم لكي يخبروا أمهاتهم أن ” تيمتشوا ادنت ” أي أن المغرب قد أذن ، أما الآباء فإنهم يبقون في المسجد لأداء الصلاة مع الجماعة .

بعد انتهاء الرجال من أداء صلاة المغرب في المسجد تتجمع كل الأسرة حول مائدة الإفطار ، والتي تتكون من التمر والحليب أو اللبن والشوربة مع الوجبة الأساسية والتي عادة ما تتكون من الكسكسي أو من الأرز أو المكرونة أو البازين وجميعها باللحم أو القديد أو القرقوش ( ايكركوشن ) وذلك حسب اﻻستطاعة والرغبة ، وبعد تناول وجبة الإفطار يأتي دور الشاي أو القهوة أو الكاكاو حيث لا تخلو مائدة من موائد الإفطار من بعض هذه المشروبات الساخنه أو جميعها ، ومع تناول الشاي يتم تناول المشروبات الباردة والفواكه . بعد الانتهاء من تناول وجبة الإفطار يذهب الرجال للمسجد لأداء صلاة التراويح ( لقيام ) بعدها هناك من يبقى في بيته لتلاوة القرآن والعمل على ختمه أكثر من مرة خلال الشهر الكريم ، وهناك من يخرج للسهر مع أصدقائه ، وكانت أغلب السهريات في السابق وفي غياب وسائل الترفيه المتوفرة حالياً كان الساهرون يقضون أغلب أوقات السهر في متابعة برامج الراديو وفي قراءة القصص التاريخية وكتب العبادات والمواعظ والإرشادات الدينية ، وهناك من يتسلى بلعب الورق ” الكارطة ” أما سهريات النساء فكانت تتم بالتناوب كل ليلة في بيت إحداهن ، وما يميزها عن سهريات الرجال هو مشاركة الأطفال فيها حيث يتعلمون من خلالها العديد من العادات والتقاليد التي ترسخ فيهم قيم الانتماء لثقافتهم والتمسك بهويتهم .

تمارس النساء الالعاب النسائية ورواية القصص والالغاز مع المدائح والاذكار

يتم في هذه الجلسات لعب بعض الألعاب النسائية مثل “الخميسة” كما يتم فيها رواية القصص والحكايات الشعبية ” تينفاس ” ومسابقات الأحاجي والألغاز ” تيملوين” مع بعض المدائح والأذكار والابتهالات ” لمديح ” وقد اشتهرت بعض النساء من كبيرات السن في إدارة هذه السهرات يتميزن بالمهارة في رواية الحكايات الشعبية وحفظ الألغاز والأحاجي والمدائح والأذكار التي رددتها أمهاتهم وجداتهم أمامهن ذات يوم وانتقلت إليهم شفهيا وتعلموها بالممارسة واحتفظوا بها بعناد رغم تحديات الزمن قبل أن تختفي كما اختفت الكثير من المفردات الثقافية المنبعثة من رحم الهوية وذلك نتيجة المنافسة الشرسة وغير المتكافئة للثقافات الوافدة إلينا من كل مكان .

عادة ما يبدأ السهر بعد الانتهاء من صلاة التروايح وينتهي قبل موعد السحور ، يلتف الجميع حول العالة والكانون” الموقد ” لتناول الشاي بأدواره الثلاثة ، والدور الثالث أو الطاسة الثالثة غالبا ما تكون باللوز أو الكاكاوية ” الفول السوداني” مع الحلويات المصنوعة في البيوت وبعض ما تبقى من وجبة الإفطار أو ما أعد خصيصا للسهر ، جميع السهريات الرجالية منها والنسائية كانت لا تخلو من روح المرح والبساطة والنكات والقفشات وكانت تتم في أجواء حميمية دافئة وفي ظل الاحترام المتبادل وحفظ قدر كل شخص ومكانته ، وهكذا تستمر أيام رمضان ولياليه إلى أن ينتهي ويمر كلمح البصر ويحل بعده عيد الفطر الذي هو أيضا له عاداته وتقاليده الخاصة به .

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :