كتب :: السفير جمعه إبراهيم عامر
خلال فترة الحرب الباردة وما صاحبها من سياسة التكتلات فى الشرق والغرب جعل من الصعب على الأمم المتحدة بل من المستحيل عليها فى حالات كثيرة أن تضطلع بدورها حسبما توخاه ميثاقها لتكون إطاراً نبيلا للتعاون بين الأمم ، وبعد توقف مايوصف بالهياج الجنوني الذي ساد في تلك الفترة رأت الدول الأعضاء في الهيئة أن الفرصة أصبحت سانحة لوقفة جادة لتقييم مسيرة الأمم المتحدة والبحث عن السبيل الأفضل والأقدر لتمكينها من تحقيق الأهداف التي أنشئت من أجلها ، وتركزت الأنظار على إصلاح مجلس الأمن الذي كان قد شكل على أساس تفاهمات وتحالفات مابعد نهاية الحرب العالمية الثانية . لذلك بدأت منذ أكثر من عقدين من الزمن المشاورات والمفاوضات لتوسيع عضوية المجلس وخلال هذه المدة دأبت الجمعية العامة خلال دورتها السنوية على إجراء مناقشة معمقه بهدف بلورة موقف يتحقق فيه الإجماع حول مسألتين ، الأولى: تحسين أساليب عمل المجلس ليكون منصفاً فى إجراءاته وإحلال الشفافية فى عملية صنع واتخاذ القرار فيه ، وليكون فاعلاً في التصدي للأعمال الوحشية المهددة للسلام العالمي كالإبادة الجماعية. والثانية: توسيع عضوية المجلس ليعكس تكوينه عدد أعضاء الأمم المتحدة الذين وافقوا على أن يعمل المجلس نائباً عنهم في قيامه بواجباته التي تفرضها عليه التبعات الرئيسية في أمر حفظ السلم والأمن الدوليين . تحقق شيء من التقدم بصدد تحسين طرق عمل المجلس ، وبرز توآفق على توسيع عضويته في الفئتين الدائمة وغير الدائمة ، لكن تباينت مواقف الدول والمجموعات حول العدد الإضافي للفئتين والدول التي تعطى لها العضوية الدائمة ، الولايات المتحدة الأمريكية ودول أخرى جلها من الغرب ترى منح العضوية الدائمة لكل من اليابان وألمانيا لأن لهما من الإمكانيات مايجعلهما قادرتين على تحمل أعباء هذه العضوية ، وفي حالة القبول بهذا التوجه يصبح عدد الأعضاء الدائمين سبعة ، الخمسة الحاليون وهم الصين وبريطانيا ، وفرنسا ، والاتحاد الروسي ، والولايات المتحدة ، زائد ألمانيا واليابان . لجأت ألمانيا واليابان إلى وسائل مختلفة للوصول إلى مبتغاهما بما في ذلك الضغوط السياسية والإغراءات الاقتصادية ، لكن غالبية أعضاء الأمم المتحدة وفي مقدمتهم مجموعة الدول النامية رفضت هذا الطرح لاعتقادها أن القبول به خطأ فادح من شأنه أن يجعل المجلس ناديا للدول الغنية والكبيرة وقناعة هذه الدول ـ الموصوفة بالعالم الثالت ـ هي أن المطلوب ليس مجرد إدخال ترميمات تجميلية على هيكل مجلس الأمن وإنما إعادة تشكيل عضويته على أسس جديدة تراعي التغيرات الدولية ، وهذه حقيقة.
تغير العالم جذريا منذ إنشاء الأمم المتحدة عام 1945 ، انتهت الحرب الباردة بين القطبين الدوليين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي الذي انهار فيما بعد وزالت معه ماكان يعرف بمنظومة الدول الاشتراكية ، توحدت ألمانيا الشرقيه وألمانيا الغربية وأصبحتا دولة واحدة ، دخلت الهند والباكستان نادي الدول النووية ، نفظت اليابان غبار هزيمتها في الحرب العالمية الثانية وبرزت ضمن أحد عمالقة الاقتصاد العالمي ، تراجع أسلوب الخيار العسكري لحل المنازعات بين الدول وأصبحت القوة الاقتصادية والتقدم العلمي هي المقاييس لتحديد قوة الدول وتأثيرها السياسي والاقتصادي في مجمل العلاقات الدولية. تغيرت الخارطة السياسية في العالم عما كانت عليه بعد الحرب الكونية الثانية ازداد عدد الدول المستقلة في أفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية وأصبحت تشكل ثلثي أعضاء الهيئة الدولية البالغ عددهم الآن (194) دولة فزاد هذا الوضع قوة تأثيرها في عملية اتخاذ القرار في مجمع الأمم ، وعليه هل يعقل أن تتجاهل الدول الكبرى في توجهها نحو زيادة العضوية في مجلس الأمن هذه الحقائق ؟ وهل من المنطقي غض النظر عن مطالب شعوب الدول النامية التي تشكل الغالبية الساحقة بين سكان الكرة الأرضية ؟ أوليس من التجني غلق الآذان أمام سماع نداءات هذه الشعوب الداعية إلى إقامة نظام دولي عادل ومنصف يشارك الجميع وعلى قدم المساواة في وضع هياكله وعلى الأخص مجلس الأمن الأداة التنفيذية للأمن الجماعي الدولي . إن معالجة تكوين الهيئة الدولية عامة و إدخال التغييرات على تشكيل مجلس الأمن خاصة لتتوافق مع واقع العالم المعاصر تتطلبان تغييرات شاملة وجوهرية في دور الأمم المتحدة وجهاز سلطة القرار فيها وليس مجرد حلول جزئية بانضمام دولتين إلى قائمة الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن . ثم كيف ينسجم هذا التوجه في ظل الغياب الكامل لدول الجنوب في أفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية ؟ ألا يشكل ذلك خطيئة أخلاقية ومعنوية في النظام العالمي الحالي ؟ نعم إنه سيعكس وضعية غير مقبولة لأن الموافقة عليه تعني هيمنة دول الشمال واحتكارها وتحكمها في سلطة اتخاذ القرار الدولي كما يكرس الاختلالات السياسية والاقتصادية في العالم . وبالتالي فالسؤال المطروح هل نحن على أبواب عصر جديد قائم على مقاييس ذات طابع تمييزى بين دول كبرى وغنية تقود العالم ودول صغيرة وفقيرة مقادة وخاضعة ؟ ثم ألا يعني هذا أنه مجرد إيجاد أداة جديدة موسعة بشكل مخل لإدارة الفوضى العالمية بإسلوب آخر في غياب تمثيل عادل ومنصف للغالبية الساحقة من شعوب العالم في عضوية أهم جهاز في المنتظم الدولي وهو مجلس الأمن .
إن الدعوة لضم دول معينة لنادي الدول دائمة العضوية أثار حفيظة دول الجنوب، والأبعد من ذلك أن المسألة دخلت في صراع محموم بين الدول حتى داخل القارات حينما شكلت ألمانيا واليابان والهند والبرازيل ودول أخرى تحالفات تمارس من خلالها الضغوط السياسية والاقتصادية تمهد الطريق أمامها للفوز بالعضوية الدائمة لكنه توجه ووجه بمعارضة قوية من باكستان نكاية في الهند ، ومن الكوريتين ضد اليابان لأسباب تاريخية ،ومن الأرجنتين ضد البرازيل ، واعترضت إيطاليا على منح العضوية الدائمة لألمانيا مالم يتحصل الإيطاليون على مقعد مماثل . على المستوى الأفريقي اعتمدت القمة الأفريقية في هراري بزمبابوي عام 1997 قراراً طالبت فيه بمنح أفريقيا مقعدين دائمين في مجلس الأمن الموسع وثلاثة مقاعد إضافية في فئة العضوية غير الدائمة ،وأن تكون للعضوين الدائمين نفس الامتيازات التى يتمتع بها الأعضاء الدائمون الحاليون ومن ضمنها لمتياز ” النقض ” وأن تختار دول القارة من يمثلها في العضوية الدائمة ، وقد أكد الأفارقة على هذا الموقف في قمة سرت عام 2005 ، هذا القرار الفضفاض جعل دولا بالقارة تتسارع وتعلن رغبتها في الترشح للعضوية الدائمة ومنها من لجأ إلى أساليب غير مألوفة سواء بالتنسيق مع الدول الكبرى أو إبداء الاستعداد للتنازل عـن ( الفيتو ) في مقابل تأييد هذه الدول ، التصرف الذي يفسر وفي أحسن الحالات بأنه خرق وإضعاف للموقف الأفريقي الموحد . الخلاصة أن عالم اليوم في حاجة إلى صياغة جديدة تنظم العلاقات الدولية وإصلاح للأمم المتحدة كإطار للأمن الجماعي وآلية للتعاون والتفاهم بين الشعوب كبيرها وصغيرها غنيها وفقيرها انطلاقاً من حقيقة أن العالم شهد تغييرات جذرية خلال أكثر من سبعين سنة ، ولا بد أن تضع كل الدول بعين الاعتبار التجارب التي مرت بها الهيئة الدولية خلال هذه السنين والاستفادة منها ، والمقصود هنا البحث عن أفكار بناءة وقابلة للتنفيذ تقررها الدول الأعضاء بحرية وتدافع عنها ، أما الإصلاحات التشكيلية التجميلية فلن تحقق المبتغى وسيبقى عالمنا وهيئته يدوران في حلقة مفرغة ، وفي هذا المقال ليس لي تصورات محددة لما يجب عمله ولكنها تصورات يمكن أن تفيد فى اتجاه العملية الهادفة إلى إصلاح مجلس الأمن الدولي ، وفي هذا الصدد فإن قناعاتي أن العضوية في مجلس الأمن ( الحكومة العالمية ) يجب أن تكون عادلة ومتوازنة وتستجيب للمطالب المشروعة لدول الجنوب ، وأن يطلق العنان لولادة نظام دولي قائم على أسس واقعية بحيث تجد فيه كل شعوب العالم فرصاً واعدة للتطلع إلى الأمام والتفاؤل بالمستقبل من خلال مشاركتها الفعلية في هذا النظام بشكل يأخذ مصالحها وتطلعاتها بعين الاعتبار ووضعها أمام مسؤولياتها الإقليمية والدولية .
لقد استهل ميثاق الأمم المتحدة بعبارة ” نحن شعوب الأمم المتحدة ، فكيف يستقيم هذا مع شعوب أفريقيا التي لاتمثل في العضوية الدائمة على نحو عادل وتبقى القارة الوحيدة بين القارات التي لاتمثل في العضوية الدائمة ، والحالة نفسها تنطبق على شعوب أمريكا الجنوبية التي لاتمثل هي الأخرى في العضوية الدائمة ، وعلى قارة آسيا التي بها أكثر شعوب العالم ومن حقها أن يكون لها تمثيل عادل في فئتي العضوية بمجلس الأمن ، وإذا لم يستجب لهذه المطالب فالمؤكد أن الشكل المرغوب فيه للمجلس سيظل هدفاً بعيد المنال وسيبقى المجلس في وضعه الحالي مشكوك في تمثيله لأعضاء الأمم المتحدة التي يفترض أنه يعمل نيابة عنها ، وسيبقى النظام الدولي للأمن الجماعي برمّته في يد جهاز في هيئة حكومة تسيطر عليها أقلية من الدول تتمتع فيها بسلطات مطلقة . للحديث بقيه.