القرية .. القرية !!!

القرية .. القرية !!!

سالم أبوظهير 

القرية بالمعنى المتعارف عليه أصبحت (تقريبا)، مجرد مكان يصعب تخيله بدقة كافية ،مكان فقدناه يحمل زمان مضي وأنتهى واختفى ، وتحول لحلم يراودنا في منامنا وصحونا.

هذه القرية التي اختفت ، كانت موجودة بشكل فعلي، لكنها لم تصمد بشكل كاف ، أمام رياح التغيير العاتية وماحملته من تيارات الإنفتاح الوافد بمغريات الإستهلاك ،فخرج منه أهله ومتساكنيه ، حين تركوها  ليسكنوا المدينة.

أختفت القرية حين انسلخ القرويون عن قرويتهم ، ( وماعاد في الإمكان ) ، مقابلة أهلها البسطاء الذين تغلب الطيبة على سحناتهم ووجوههم ، فقد انقطعت الصلة تماما بين القرويين وقريتهم ، وصار الحنين للقرية الضائعة بكل تفاصيلها ، يعادل تماما الحنين لأيام الطفولة . ليتحول هذا الحنين الحزين لخسارة موجعة سببها اختفاء ملامح القرية الجميلة عندنا. فأختفى حاضر القرية ، ونست ماضيها القريب ، وتملكها وسيطر عليها الخوف من مستقبل مجهول قادم.

والمشكلة الحقيقية ليست في تحول القرية وأصحاب القرية  للمدينة ، لكنها في الواقع مايمثله هذا التحول عند البعض منهم متمثلاً بانسلاخه من قرويته وماتحمله من قيم نبيلة ومعان سامية. فكانت الخسارة كبيرة بإختفاءها ، وبتغيروجهها النبيل لمسخ بالقوة القاهرة، وبدأت الخسارة مع بداية زحف بريق التمدن وماحمله اليها ، فلا تمكنت من ان تتحول لمدينة حقيقية ، ولا استطاعت ان تبقى قرية وادعة هادئة كما كانت .فخسر القرويون الحقيقيون وخاصة كبارالسن منهم قريتهم ، وماعندهم الان، الا الحنين لتلك الأجواء ومافيها من هدوءه وصفاء وراحة بال.

كانت القرية لمن لايعرفها من أبناء هذا الجيل المتمدن ، رغم نذرة بعض الخدمات الأساسية فيها (في بعض الاحيان) مقارنة بالمدينة ، المكان الأمثل الصحي للعيش في هدوء وراحة، وقناعة واطمئنان، مكان يعرف كل الموجودين فيه بعضهم بعضاً ، مكان تعيش فيه ببساطة متناهية لاتكلف فيها.

فقدنا قريتنا بكل أسف ، وفقدنا معها نعناعها وزهورها وأعشابها البرية ، فقدنا خبز القرية المخبوز في البيت ، ونسينا رأئحة تينها وطعم تفاحها وخوخها وزيت زيتونها وليمونها ، خسرنا خيلها وحميرها وقمحها وشعيرها ، خسرنا عسلها وبصلها ، وماؤها وحليبها ، وخسارتنا كبيرة في جمالها وجلالها وبهاءها وصفاءها ونقاءها ، وروعة اشراقة صباحها، وجمال عتمة ليلها ،وسطوع قمرها ، وبريق نجومها ، ورائحة ترابها، وفواح هوائها ، وشدة زرقة سمائها.

 فقدنا سماع صياح الديكة فيها ، وفقدنا تغريد طيورها وثغاء خرافها وحتى نباح كلابها . فقدنا لوحة جميلة من رسمنا ، لكن كنا لانشعر بقيمتها الا بعد أن فقدناها ، ولم نلمس تناسقها وانسجامها ألا بعد أن خسرناها، والأدهى والمحزن والأمر، أننا هربنا منها رغماً عنها أو برضاها، لمدنية زائفة لالون ولاطعم ولارائحة فيها ألا رائحة ال…

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :