شُـؤُون دَوْلِـيّـة مَـجْـلِـسُ الأمْنِ الدّوْلِـيّ ـ إِصْـلَاح أَمْ تَـرْمِـيـم؟ (2)

شُـؤُون دَوْلِـيّـة مَـجْـلِـسُ الأمْنِ الدّوْلِـيّ ـ إِصْـلَاح أَمْ تَـرْمِـيـم؟ (2)

 كتب :: السفير :: جمعه إبراهيم عامر رابطة الدبلوماسيين الليبيين

في الجزء الأول من هذا المقال تناولت المسألة المتعلقة بزيادة أعضاء مجلس الأمن الدولي الدائمين وغير الدائمين ، واستعرضت المواقف المتباينة لأعضاء الأمم المتحدة حول الزيادة في فئة الأعضاء الدائمين واستخلصت من هذه العملية التي طال أمدها أنه لايوجد توافق عام بين أعضاء الأمم المتحدة على زيادة العدد في الفئتين . في هذا الجزء سأتناول مسألة من أكثر المسائل إثارة للخلاف والجدل وهي عملية اتخاذ القرار في المجلس وعلى وجه الخصوص الامتياز الممنوح للدول دائمة العضوية والذي يجيز لها إبطال مشروع أي قرار مضموني باستعمالها مايعرف امتياز النقض ( الفيتو ) . خلال المفاوضات بشأن صياغة ميثاق الأمم المتحدة عقد اجتماع بمدينة ” يالطا ” بمنطقة القرم ضم الرئيس الأمريكي روزفلت ، ورئيس الاتحاد السوفييتي ستالين ، ورئيس الحكومة البريطانية تشرشل ، هناك ناقش الرؤساء الثلاثة مسألة التصويت في مجلس الأمن أحد الأجهزة الرئيسية للهيئة ، وتم الاتفاق على ترتيب يقضي أن تكون أصوات الدول دائمة العضوية في المجلس متفقة عند اعتماد أيّ قرار يتعلق بالمسائل الجوهرية وأن اعتراض أيّ منها يعني إبطالاً لمشروع القرار المعروض . لاتوجد كلمة ( فيتو ) في مواد ميثاق الأمم المتحدة ، والمرجح أنها أخذت من الممارسة الأمريكية التي تجيز للرئيس استخدام ما اصطلح على تسميته بالفيتو لنقض أي قانون يرد إليه من الكونجرس . في ” يالطا ” تم الاتفاق على أن شرط الإجماع لاينطبق على المسائل الإجرائية ـ اعتماد جدول الأعمال مثلاً ـ ولاعلى أيّ مسألة تناقش في إطار الفصل السادس من الميثاق وتكون دولة أو أكثر من الدول دائمة العضوية طرفاً فيها . في مدينة سان فرانسيسكو بالغرب الأمريكي حيث جرت المفاوضات على الصيغة النهائية للميثاق اعترضت الكثير من الدول وخاصة النامية منها على ماتم الاتفاق عليه في مدينة ” يالطا ” ورأت أن الصيغة المطروحة أعطت لدول معينة امتيازات مبالغ فيها ونسفت بذلك مبدأ المساواة بين الدول .

ما أصبح يعرف بالدول دائمة العضوية رفضت مادفعت به الدول الأخرى ولتهدئة مخاوفها أصدرت إعلاناً أكدت فيه على أنها ستراعي مصالح الدول الصغيرة وطموحاتها المشروعة والتزمت بأنها لن تستخدم امتياز النقض إلا في أضيق الحدود ولن تستعمله ضد عدد من القضايا منها مثلاً قبول أعضاء جدد في الأمم المتحدة وأن تصويت أي دولة عضو دائم بالامتناع لايعني نقضاً لمشروع قرار ، ماحدث بعد المصادقة على الميثاق ، ورغم القرارات المتتالية للجمعية العامة للأمم المتحدة التي تدعو الدول دائمة العضوية أن تبذل من الجهد مايضمن ألا يؤدي استعمال الفيتو إلى شلّ أعمال مجلس الأمن ، إلا أن هذه الدول لم تلتزم بما تعهدت به ، استعملته ضد أي مسألة تتعارض مع مصالحها وعرقلت باستخدامه أو التهديد باستعماله جهود المجلس في معالجة قضايا عديدة خاصة خلال الصراع بين أقطاب الكتلتين الشرقية والغربية ، كما استخدم ضد طلب دول مستقلة للانضمام لعضوية الأمم المتحدة وبذلك خرق المعارضون مبدأ عالمية الهيئة . بعد انتهاء الحرب الباردة والانفراج في العلاقات الدولية والولوج في عملية إصلاح مجلس الأمن جاء ( الفيتو ) في مقدمة المسائل المثارة ، تبنّت دول عدم الانحياز ومعها دول أخرى موقفاً يوجز في أن على الدول دائمة العضوية أن تدرك أن امتياز النقض لايمكن أن يظل أبدياً ويجب إلغاؤه لتنافيه مع مبدأ الديمقراطية والمساواة وعفا عليه الزمن لأن أغلب أعضاء الأمم المتحدة حالياً لم تكن ممثلة في الجمعية العامة عام 1945 ولم يكن لها رأي فى الامتيازات التي منحت آنذاك لخمس دول ، كما أن الفيتو استعمل في أغلب الحالات لخدمة المصالح الوطنية الضيقة لهذه الدول لا من أجل المحافظة على السلم والأمن الدوليين . ونبهت دول الحركة إلى خطورة لجوء الدول دائمة العضوية إلى نوع آخر عرف بالفيتو المتستر أيّ التلويح باستخدامه عند التفاوض على مشاريع القرارات إذا ماتضمنت فقرات لاتتفق مع توجهاتها ومصالحها .

إن إلغاء امتياز النقض الذي تتمناه غالبية الدول أمر يستحيل تحقيقه على الأقل في المنظور القريب لأن المسألة تتعلق بتعديل الميثاق الذي ينص على أن أي تعديلات تدخل عليه تسري على جميع أعضاء الأمم المتحدة إذا صدرت بموافقة أعضاء الجمعية العامة وصدّق عليها ثلثا أعضاء الأمم المتحدة ومن بينهم جميع اعضاء مجلس الأمن الدائمين وبالطبع فإن الدول الخمس لن توافق على إلغاء امتيازات تمكنها من الهيمنة على جهاز أقل مايقال عنه تحكمه في سلطة القرار الدولى . إن النظر إلى الموضوع بتجرد والابتعاد عن المطالب التي لاتتسم بالواقعية يجب أن يكون الفصل الحكم في هذه المسألة بالغة الحساسية ، وأعترف بأنه ليست لدي أفكار محددة ولكن أتفق مع الأفكار التي عبّرت عنها الدول على مستويات مختلفة وسلٍط عليها الضوء سياسيون وقانونيون وصحفيون من باب القناعة بأنها يمكن أن تكون أساساً في التعامل مع مسألة امتياز النقض بداية من الحدّ من استعماله وهو أمر ممكن إذا انصاعت له الدول دائمة العضوية أمام ضغوط غالبية أعضاء المنتظم الدولي ، والمعروض من المقترحات أولا ـ أن ينطبق امتياز النقض على مشاريع القرارات بموجب الفصل السابع من الميثاق ، واتخاذ القرار في إطار هذا الفصل يجب ألا يحول التصويت السلبي لعضو دائم في المجلس دون اعتماد القرار. ثانياً ـ يستوجب وجود ما لايقل عن صوتيْن سلبييْن من عضويْن دائميْن لمنع اتخاذ قرار حصل على الأغلبية المطلوبة . ثالثاً ـ لا ينطبق امتياز النقض على القرارات الإجرائية وعلى القرارات التي تعتمد تحت الفصل السادس من الميثاق . رابعاً ـ أن يستحدث مجلس الأمن ممارسة بأن تصويت عضو دائم بالسلب إذا كان طرفاً في النزاع المعروض لا يشكل تصويته نقضاً لمشروع القرار . خامساً ـ أن تقر الجمعية العامة توصيات تحدد فيها المجالات التي يمكن أن يطبق فيها امتياز النقض وأين يكون نافذا وأن يصرح الأعضاء الدائمون فردياً وجماعيا بأنهم ملتزمون بعدم استخدام الامتياز على النحو الذي تقرره الجمعية العامة .

بإيجاز هناك إحساس يراود الكثير من المتابعين وهو أن الدول دائمة العضوية ليست على استعداد للتنازل عن الامتيازات التي تحصلت عليها منذ مايزيد على سبعة عقود من الزمن بل إنها ليست متحمسة أصلاً لأي إصلاح لمجلس الأمن يمس هذه الامتيازات ، لكن هذا التعنت لن يثبط همم أغلب أعضاء الأمم المتحدة المتمسكة بتحقيق مطالب شعوبها التي أنشئت الهيئة من أجلها ، ولا يصح أن تنصاع أمام ضغوط الدول الكبرى التي لايهمها إلا المحافظة على نفوذها وامتيازاتها ولا تبالي بنغمة الديمقراطية التي ترددها وتعرقل تطبيقها في أكبر منظمة دولية في العالم . في أحد كتاباته سجل الدكتور بطرس غالي الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة فقال ، إن موقف الدول دائمة العضوية يتسم في جانب منه بازدواجية المعايير وإلا بماذا يفسر التناقض الصارخ بين دعوتها لنشر الديمقراطية على المستوى الوطني ووجود نظام غير ديمقراطي على المستوى الدولي ؟ انتهى .

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :