صديق والدي

صديق والدي

محمد عبدالرحمن شحاتة

كانت ليلةً ماطرة؛ حينما رنَّ جرسُ البابِ معلنًا عن قدومِ ضيف، نظرتُ إلى أبي الجالسِ أمامَ التلفازِ؛ بينما كان ينظرُ إليَّ؛ فنحنُ لم نعتد على زيارةِ أحدٍ لنا، خاصة في وقتٍ متأخرٍ وليلةٍ ماطرةٍ كهذه.

قال أبي وهو يوقِفُ صوتَ التلفاز:

_من ياترى جاء إلينا في وقتٍ كهذا؟!

أمعنتُ التفكيرَ قليلًا؛ وقلت:

_ليس لنا أحد؛ فلا أعرفُ من القادم.

عاودَ رنينُ الجرسِ مرةً أخرى؛ مما اضطرّني أن أذهب إلى الباب؛ ثمَّ سألتُ من بالخارج قائلًا:

_مَن؟!

فجاءني صوتٌ من خارج الباب يقول:

_افتَح يا “ياسين”؛ أنا عمّكَ “داود”، صديق والدك الذي كان مسافرًا.

اندفعَ أبي نحو الباب؛ ليفتحهُ على عجلٍ؛ ثمَّ احتضنَ صديقه وطلبَ منه الدخول، بينما كنت أقفُ لا أصدّق ما أرى!

جلسُ بجوارِ أبي يتحدثُ إليه، لا أعرفُ لماذا لم يقشعرّ بدنُ أبي، فأنا تتملّكني رجفةٌ مخيفة، ولا أدري كيفَ يطيقُ أبي النظرَ إلى ذلكَ المسخِ الجالس بجواره، كأنّه لا يرى رأسه التي تشبه رأسَ الكبش، فوقَ جسدٍ يرتدي بدلةً حديثةً، كنتُ في دهشةٍ؛ لم يبرح ذهني سؤالٌ وحيد، كيفَ يكون هذا المسخ هو “داود” صديق أبي؟!

حتى انتهى حديثهما؛ ولم أستطع أن أتفوَّه بكلمةٍ واحدة، ربما منعتني تلك الصدمة التي استقبلتها، وفي نهاية زيارته قال لأبي:

_هل تذكر منذ سنواتٍ؛ يومَ أعطيتني صورةً من جوازِ سفرك؛ كي أجد لك فرصة عمل هناك؟!

فقال أبي:

_أذكر.

_كن على استعدادٍ، سوفَ تسافرُ معي قريبًا؛ أوراقك اكتملت.

ثم غادرنا؛ تاركًا أبي في سعادةٍ لم أعهدها عليه، وفي الصباح، قرَّرت أن أسافرَ إلى بلدة “داود”، كان لابدَّ أن أجد تفسيرًا لما حدث.

وهناكَ؛ وجدتُ شادرَ عزاءٍ أمام البيت، استقبلني ابن “داود” الأكبر، وهو يقول:

_اعذرني، نسيت أن أخبركم بوفاة والدي؛ لقد جاء الخبر كالصاعقة

نظرتُ إليه وقلتُ:

_البقاء لله؛ متى حدث هذا؟

كنت على وشكِ أن أخبره أنه كان في زيارتنا ليلةَ أمس؛ لكنّه أسرع في إجابتي قائلًا:

_منذ ثلاثةِ أيام؛ والعزاء لازالَ قائمًا.

أدّيتُ واجبَ العزاءِ في صمت، وها أنذا أقصُّ عليكم ماحدث؛ بينما أنا في عزاء والدي الآن، الذي لا أعرفُ هل لحقَ بالفعل بصديقه “داود”؟ أم أخذهُ ذلك المسخ الذي جاء إلينا من حيثُ لا ندري!

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :