اعداد :- خديجة حسن
أتدري ما هي مراقبة الله تعالى؟
قال ابن المبارك رحمه الله لرجل: «راقب الله تعالى» فسأله الرجل عن تفسيرها، فقال: «كن أبدًا كأنك ترى الله عزَّ وجلَّ».
وقال ابن القيم رحمه الله: «المراقبة دوام علم العبد وتيقنه باطلاع الحق سبحانه وتعالى على ظاهره وباطنه».
وقيل: «المراقبة مراعاة القلب لملاحظة الحق مع كل خطرة وخطوة».
أخي المسلم: تلك هي المراقبة كما عرَّفها العلماء العارفون.. ومعنى المراقبة يعقله كل قلب فهمًا.. ولكن قليل تلك القلوب التي تعقله عملاً.
إنَّ تذكُّر الرَّقابة الإلهية من دلائل التوفيق التي إذا وُفِّق إليها عبد كان ذلك علامة لفلاحه.. وسعادته.
وقد قسَّم العارفون المراقبة إلى عدَّة أقسام، وإليك تقسيم الحافظ ابن رجب رحمه الله والذي قسَّم المراقبة إلى مقامين.
قال ابن رجب رحمه الله:-
«أحدهما: مقام الإخلاص، وهو أن يعمل العبد على استحضار مشاهدة الله إياه، واطلاعه عليه، وقُرْبه منه، فإذا استحضر العبد هذا في عمله، وعمل عليه، فهو مخلص لله، لأنَّ استحضاره ذلك في عمله يمنعه من الالتفات إلى غير الله، وإرادته بالعمل.
والثاني: مقام المشاهدة، وهو أن يعم العبد على مقتضى مشاهدته لله تعالى بقلبه، وهو أن يتنوَّر القلب بالإيمان، وتنفذ البصيرة في العرفان حتى يصير الغيب كالعيان. وهذا هو حقيقة مقام الإحسان المشار إليه في حديث جبريل u، ويتفاوت أهل هذا المقام فيه بحسب قوة نفوذ البصائر».
أخي المسلم: هل وقفت مع نفسك يومًا؛ فسألتها:
أين هي من مراقبة الله تعالى؟ قليلٌ أولئك الذين وقفوا هذه الوقفة مع أنفسهم.. وسألوها.. وحاسبوها في خلواتها.
وأما الأكثرون فقد غفلوا عن المحاسبة.. وأعطوا النَّفس مُناها في عدم التشديد عليها..
أرأيت لو قيل لك: إنك مراقب من قِبَل الحاكم؛ كيف سيكون حالك؟!
لا شكَّ أنَّك ستحتاط لنفسك، وستبتعد عن كل موطن يكون سببًا في مساءلتك.
ولكنَّ الكثيرين تجدهم لا يخفى عليهم أنهم مراقبون ممن يعلم السرَّ وأخفى.. تبارك وتعالى. ومع هذا تجده لا يلتفت إلى هذه الرَّقابة!
وهذه الغفلة هي حال الكثيرين من أولئك الذين لم يستشعروا رقابة الله تعالى!
ولعظم مرتبة المراقبة؛ فإنَّ الله تعالى بعث لنبيه r أمين وحيه جبريل u؛ لتذكيره بشرف هذه المرتبة.
ففي حديث جبريل u الطويل، عندنا سأل النبي r عدة مسائل، ومنها: قال: «يا رسول الله ما الإحسان؟ قال: أن تخشى الله كأنك تراه، فإنك إن لا تكن تراه، فإنه يراك» [رواه البخاري ومسلم/ واللفظ لمسلم].
قال الحافظ ابن رجب: «يشير إلى أن العبد يعبد الله على هذه الصفة، وهي استحضار قُرْبه، وأنه بين يديه كأنَّه يراه، وذلك يوجب الخشية والخوف والهيبة والتعظيم…».
أخي المسلم: إنَّ من راقب الله تعالى في أفعاله وأقواله؛ كان من أهل الإحسان.. وأهل الإحسان هم الذين قال الله تعالى عنهم: }لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ{ [يونس: 26].
قال الحافظ ابن رجب: «وقد ثبت في صحيح مسلم عن النبي r تفسير الزيادة بالنظر إلى وجه الله عزَّ وجلَّ في الجنة، وهذا مناسب لجعله جزاء لأهل الإحسان، لأن الإحسان هو أن يعبد المؤمن ربه في الدنيا على وجه الحضور والمراقبة، كأنَّه يراه بقلبه، وينظر إليه في حال عبادته، فكان جزاء ذلك؛ النظر إلى الله عيانًا في الآخرة».
أخي المسلم: في يوم خرج عمر بن الخطاب t إلى مكة، فنزل في بعض الطريق، فانحدر عليه راع من الجبل، فقال له: يا راعٍ، بعني شاة من هذه الغنم؟
فقال: إني مملوك.
فقال: قلْ لسيدك أكلها الذئب.
قال الراعي: فأين الله؟!
فبكى عمر، ثم غدا إلى المملوك، فاشتراه من مولاه وأعتقه.
وقال: أعتقتك في الدنيا هذه الكلمة، وأرجو أن تعتقلك في الآخرة!
أخي المسلم: إذا تأملت هذه القصة، وجدت أن مراقبة الله تعالى، تثمر عن ثمار يانعة؛ من خوفٍ لله تعالى، وصدق، وإخلاصٍ، وأمانةً.
كل تلك الخصال السامية؛ تجدها في أولئك الذين جعلوا المراقبة من بالهم..
وهي صفات عزيزة نادرة؛ كندرة هذه الصفة: (صفة المراقبة).
………………………………………………………………………………………………………………….
الصدقة
إن الصدقة؛ خير وبركة؛ فإنك كلما أخرجت شيئًا لله تعالى، عوضك الله خيرًا منه، مع ما ادخره لك من الحسنات والثواب العظيم..
ولتعلم أخي؛ أنك لكي تكون من المتصدقين؛ لا يشترط أن تكون كثير المال؛ بل إن كل ما جادت به يداك فهو صدقة، وإن لقمة واحدة تطمعها لجائع.. بل إن النبي r أخبر أن خير الصدقة صدقة رجل قليل المال!
عن أبي هريرة t أنه قال: يا رسول الله أيُّ الصَّدقة أفضل؟ قال: «جُهدُ المُقلِّ، وابدأ بمن تَعُول» [رواه أبو داود ].
وقال رسول الله r: «سبق درهم مائة ألف!» قالوا: يا رسول الله وكيف؟! قال: «رجل له درهمان؛ فأخذ أحدهما فتصدَّق به، ورجلٌ له مالٌ كثيرٌ، فأخذ من عُرض ماله مائة ألف، فتصدَّق بها» [رواه النسائي].
فتصدَّق أخي المسلم ولو بأقل القليل.. وارج ثواب الله تعالى.. فإن القليل إذا أخرجته بنية صادقة؛ فهو خير من كثير يخرجه صاحبه بنية ضعيفة..