. د.محمد فتحي عبد العال كاتب وباحث وروائي مصري
كان الظهور الأول لشخصية صلاح الدين الأيوبي ضمن فرقة سليمان الحداد في مارس عام 1893 بدار الأوبرا الخديوية وكان عنوان المسرحية (السلطان صلاح الدين مع ريكاردوس قلب الأسد) تأليف الشيخ نجيب سليمان الحداد !!نعم عزيزي القارىء ابن صاحب الفرقة وتدور أحداث المسرحية في فترة مرض ريتشارد قلب الأسد وحضور صلاح الدين متنكرا لعلاجه ليكتشف مؤامرة المركيز دي منسرات وسرقته لراية ريتشارد حتى يوقع بغريمه وليم حارس الراية ويفوز بالأميرة جوليا أخت ريتشارد وحبيبة وليم والتي تستعطف أخاها دون جدوى للإبقاء على حياة وليم المظلوم وهنا يتدخل صلاح الدين بنخوته العربية وكان لازال متخفيا في ثوب الطبيب ويأخذ وليم جزاءا لعلاجه ريتشارد وتمر الأحداث ويكشف صلاح الدين لريتشارد أنه الطبيب الذي عالجه وأن وليم بريء والمركيز متآمر!!!! المسرحية نشرت عام 1929 تحت اسم (صلاح الدين الأيوبي) وعلى الرغم من التأثر الواضح في هذه المسرحية برواية الطلسم للكاتب الإنجليزي السير (والتر سكوت) والتي تدور في فلك نفس الأحداث تقريبا مع زيادة طفيفة أن صلاح الدين عالج ريتشارد بالطلسم والذي ظل وسيلة علاجية للمجانين ومرضى النزيف حتى أوقفته الكنيسة لكونه سحرا وكعادة الشرقيين في عدم نسبة الفضل لأصحابه وهي من الخصال التي تجمعنا جميعا وكأنها جين مستأسد في دمائنا فقد قطع الشيخ نجيب الطريق أمام فرضية الاقتباس في إهداء الرواية لخاله الشيخ إبراهيم اليازجي بقوله هذه أول رواية تمثيلية وضعتها من عند نفسي غير مستند على التعريب فيها ) . ظل النص الذي كتبه الشيخ نجيب حداد هو المعتمد والسائد لدى الفرق المسرحية في مصر وفي البلدان العربية أيضا ففي العراق مثلا تحدثنا جريدة العراق في عددها 500 في 12 كانون الثاني لعام 1922 عن قيام “التلامذة اليهود” بتمثيل رواية (صلاح الدين وريكاردوس قلب الأسد) على مسرح الرويال سينما كما شاركتها الشهرة رواية فرح انطون :(صلاح الدين ومملكة أورشليم ) والتي عرضت بقصر عابدين عام 1942 حيث قام بدور صلاح الدين جورج أبيض بك وحسين رياض بدور الناسك برنت وعبد العزيز خليل بدور اياز. لذلك عزيزي القارىء لو تقدمنا بالزمن سويا لعام 1963 مع عرض فيلم الناصر صلاح الدين فلا تندهش من مصطلحات وأحداث في غير سياقها الزمني مثل : “سلطان العرب” و”أورشليم” ولقاء ريتشارد بصلاح الدين وعلاج صلاح الدين لريتشارد وفرجينيا جميلة الجميلات وكل هذا العبث بالتاريخ الموجود بالفيلم فالقصة منذ البداية ولدت مشوهة ومبتورة ولقد كان الكاتب الإنجليزي (السير والتر سكوت) الأب الروحي لهذا التشويه هو الأكثر وضوحا في اعترافه بتنحية الحقائق التاريخية جانبا حينما كتب في مقدمته لرواية الطلسم ” ويُمكننا على الجُملة أن نقول إنَّ أكثر الحوادث المُساقة في القصة التالية هي من خلْق الخيال، وأنَّ الحقيقة، حيثما توجَد؛ لا أثرَ لها إلا في أشخاص الرواية”. المثير أنه حينما كتبت قصة صلاح الدين بمنظور عربي تاريخي صرف وجاد أضيف للشخصية ما ليس فيها وحملت ما ليست أهل له من أفكار ولخدمة أيدولوجيات لا تمت لواقع الشخصية بصلة كالقومية العربية والوحدة العربية والقضية الفلسطينية ويمكن الرجوع لكتابي تأملات بين العلم والدين والحضارة الجزء الأول للمزيد حول هذه الشخصية .نعم للإبداع مكان في العمل التاريخي وتطويعه لخدمة فكرة أو هدف لكن لا ينبغي بأي حال أن يتغول على الحقائق التاريخية ويسقطها. إن للمسرح المدرسي قيمة كبيرة في تشكيل الوعي وبناء العقول إن استند على تاريخ حقيقي وقيم مجتمعية هادفة وبناءة ولنا في مسرحيات عبد الله النديم صاحب مجلة التنكيت والتبكيت ومحمود مراد مدرس المسرح بالمدرسة الخديوية عام 1921 وزكي طليمات رائد المسرح وأول مفتش للتمثيل بوزارة المعارف عام 1936 القدوة الحسنة والمثل الصالح