ضعف مشاركة النساء في الانتخابات البلدية: بين التحديات الاجتماعية والمعيقات السياسية.

ضعف مشاركة النساء في الانتخابات البلدية: بين التحديات الاجتماعية والمعيقات السياسية.

تقرير : منى توكا.

 على الرغم من أن القوانين تتيح للمرأة فرصة الترشح للمقاعد الفردية في الانتخابات البلدية، إلا أن نسبة مشاركتها لا تزال ضعيفة مقارنة بالرجال. يرجع ذلك إلى عدة عوامل، منها الاجتماعية والثقافية، بالإضافة إلى غياب الدعم السياسي والاقتصادي الذي تحتاجه المرأة لخوض الانتخابات. ويبدو أن التحديات لا تقتصر على العادات والتقاليد، بل تمتد إلى العقبات القانونية، وغياب الوعي المجتمعي، فضلًا عن العنف الانتخابي الذي تواجهه بعض النساء. في هذا التقرير، نستعرض آراء عدد من النساء الناشطات والمرشحات حول هذه الظاهرة، ونسلط الضوء على أبرز المعيقات التي تواجه المرأة في العملية الانتخابية.

العامل الاجتماعي وتأثير البيئة الثقافية.

تؤكد خديجة أبوبكر أن العامل الاجتماعي هو العائق الأساسي أمام ترشح النساء في الانتخابات الفردية، حيث أوضحت أن البيئة المحافظة التي تنتمي إليها تؤثر بشكل مباشر على فرص مشاركتها، قائلة:”رغم أن القوانين تتيح للمرأة فرصًا كبيرة لخوض الانتخابات، إلا أن العادات والتقاليد لا تزال تشكل حاجزًا أقوى من القوانين الرسمية. في بعض المجتمعات، لا يزال ينظر إلى المرأة التي تخوض المجال العام، وخصوصًا السياسة، بعين الريبة أو عدم القبول. فالأعراف الاجتماعية تضع قيودًا على ظهور المرأة في الفضاء العام واتخاذها قرارات مستقلة. قد تحظى المرأة بدعم أسرتها في بعض الحالات، لكن هذا الدعم غالبًا ما يكون محدودًا أو مشروطًا بعدم الاصطدام بالعادات والتقاليد.”

من جانبها، تتفق زهرة موسى، الصحفية وسفيرة التوعية الانتخابية، مع هذا الطرح، حيث ترى أن الضغوط العائلية والخوف من نظرة المجتمع السلبية للمرأة المترشحة يعدان من أكبر العوائق أمام مشاركتها في العملية السياسية. وأوضحت ذلك قائلة:”لا تزال العادات والتقاليد في مجتمعاتنا تصنف العمل السياسي على أنه مجال ذكوري وحكر على الرجال فقط، مما يضعف فرص النساء في الترشح. بالإضافة إلى ذلك، تخشى الكثير من النساء من المضايقات الاجتماعية والتنمر الإلكتروني، أو التعرض لانتقادات سلبية من المحيطين بهن، وهو ما يدفع الكثيرات إلى التراجع عن خوض التجربة السياسية.”

وأضافت أن البيئة القانونية، رغم وجود تشريعات داعمة، لا تزال تعاني من فجوات في التطبيق، مؤكدة أن عدم توفير حماية كافية من العنف السياسي يعدّ من الأسباب التي تثني النساء عن خوض التجربة الانتخابية.

البيئة الاجتماعية والثقافية وتأثيرها على قرار النساء بالترشح.

وحول تأثير البيئة الاجتماعية والثقافية على قرار المرأة بالترشح، أكدت موسى أن هذه العوامل تلعب دورًا محوريًا في تحديد مدى استعداد المرأة لدخول المعترك السياسي.

وأشارت إلى أن “بعض الأسر تقدم دعماً قوياً للنساء، بينما يرى البعض الآخر أن الترشح خروج عن العادات والتقاليد”، مضيفة أن الخوف من المضايقات والتنمر الإلكتروني والانتقادات السلبية يؤدي إلى تراجع الكثير من النساء عن خوض التجربة الانتخابية.

القوانين الانتخابية والهياكل السياسية وتأثيرها على فرص النساء المستقلات.

وفيما يتعلق بتأثير القوانين الانتخابية والهياكل السياسية على فرص النساء في الترشح كمستقلات، أوضحت موسى أن عدم وجود حصص (كوتا) للنساء  في المقاعد الفردية يجعل المنافسة أكثر صعوبة.

وأضافت: “النساء المستقلات يواجهن تحديات إضافية بسبب غياب الدعم المؤسسي واعتماد الحملات الانتخابية على التحالفات القبلية التي قد تستثني النساء”، مشددة على أن بعض الهياكل السياسية لا توفر بيئة آمنة للمرأة، مما يحدّ من فرصها في الترشح والفوز.

الحلول المقترحة لتعزيز مشاركة النساء في الانتخابات الفردية.

واقترحت موسى عدة حلول لزيادة تمثيل النساء في الانتخابات البلدية، مؤكدة أن التمكين الاقتصادي يعدّ أحد أبرز الحلول، من خلال توفير دعم مالي مباشر للمرشحات المستقلات من قبل الدولة أو منظمات المجتمع المدني.

كما دعت إلى تعزيز التوعية المجتمعية لكسر الصورة النمطية حول دور المرأة في المجال السياسي، قائلة: “يجب التركيز على نشر الوعي بأهمية مشاركة المرأة في الانتخابات، وإبراز نجاحاتها السياسية لخلق بيئة أكثر تقبلاً لدورها.”

وشددت موسى على أهمية الحماية القانونية، موضحة أن “تشديد القوانين ضد العنف السياسي والتحرش الإلكتروني الذي قد تتعرض له المرشحات أمر ضروري لضمان مشاركة أكثر أمانًا للنساء في العملية الانتخابية.”

أما أمينة واهلي، وهي شرطية، فترى أن المجتمع الليبي لا يزال يحتفظ بنظرة تقليدية تقلل من دور المرأة في صنع القرار السياسي. وتقول:”المرأة تواجه تحديات مضاعفة عند التفكير في الترشح للانتخابات البلدية، فإلى جانب الظروف السياسية والأمنية غير المستقرة، هناك أيضًا نظرة المجتمع التي ترى أن دور المرأة لا يزال محدودًا مقارنة بالرجل. للأسف، لم يتم توفير برامج حقيقية لدعم المرأة سياسيًا، سواء من حيث التمويل، أو التوعية، أو التشجيع المجتمعي، مما يجعل فرص مشاركتها في الانتخابات ضعيفة للغاية.

القوانين والهياكل السياسية وتأثيرها على مشاركة المرأة.

تشير مريم مشمور، الناشطة المدنية وسفيرة التوعية الانتخابية، إلى أن غياب الثقة في العملية الانتخابية يمثل أحد الأسباب الرئيسية لعزوف النساء عن الترشح للمقاعد الفردية، حيث قالت:

هناك اعتقاد سائد بين النساء بأن الترشح الفردي غير مضمون، وأنه لن يصوّت لهن أحد، بعكس الترشح ضمن القوائم، الذي يوفر لهن نوعًا من الدعم الجماعي. بالإضافة إلى ذلك، تعاني الكثير من النساء من نقص التوعية حول حقهن في الترشح كمستقلات، مما يجعلهن ينظرن إلى المقاعد الفردية على أنها مخاطرة غير محسوبة.”

وأضافت مشمور أن البيئة الانتخابية لا تزال غير مهيأة بالكامل لدعم مشاركة النساء، قائلة:”يجب أن يكون هناك إشراف ودعم من مختلف الجهات،

سواء من المجتمع المدني، أو العائلات، أو حتى المؤسسات الرسمية، لإقناع المرأة بأن الانتخابات تمثل مساحة آمنة يمكنها من خلالها الترشح وخدمة مدينتها ووطنها، اعتمادًا على خبراتها وبرامجها.”

كما أكدت على أن بعض النساء اللواتي قررن الترشح، سواء بشكل فردي أو ضمن القوائم، تعرضن لضغوط اجتماعية أجبرتهن على سحب أوراق ترشحهن، مشيرة إلى أن هذه الممارسات تشكل نوعًا من العنف الانتخابي، حيث قالت:

هناك نساء سجلن للترشح بالفعل، لكنهن اضطررن لاحقًا إلى الانسحاب بسبب رفض عائلاتهن، أو بسبب فرض شروط عليهن للانضمام إلى قوائم معينة أو العمل مع شخصيات محددة. وهذا يعكس استمرار العراقيل الاجتماعية التي تواجه المرأة في المجال السياسي، حيث تُقصى أحيانًا لمجرد كونها امرأة.”

فتحية مسعود ناشطة تقول : “للأسف، نحن نشهد تحديات كبيرة تواجه المرأة الليبية عندما يتعلق الأمر بالمشاركة السياسية، ويعود ذلك بشكل رئيسي إلى الثقافة السائدة والموروثات الاجتماعية التي تحصر دور النساء في نطاق ضيق بعيداً عن العمل السياسي. لا يقتصر الأمر فقط على العزوف عن الترشح للمقاعد الفردية في الانتخابات البلدية، بل يمتد ليشمل ضعف الدعم المؤسسي والسياسي للنساء. في كثير من الأحيان، تُعتبر المرأة في ليبيا طرفاً ثانوياً في المشهد السياسي، مما يحد من قدرتها على التأثير في القرار السياسي. الأمر الذي يتطلب تغييرات هيكلية في السياسات الحكومية والمؤسسات السياسية، مع توفير بيئة آمنة ومستقرة تشجع النساء على الترشح والمشاركة الفاعلة في الحياة السياسية.”

جميلة موسى ناشطة مدنية: “نحن نعلم أن المرأة في ليبيا لديها قدرات وإمكانات كبيرة في مختلف المجالات، لكن عندما يتعلق الأمر بالمشاركة السياسية، نجد أن هناك معيقات كبيرة تقف في طريقهن. غياب الدعم الكافي من الأحزاب السياسية، بالإضافة إلى الظروف الأمنية غير المستقرة، يدفع العديد من النساء للتراجع عن فكرة الترشح أو المشاركة في الانتخابات المحلية. أكثر من ذلك، هناك قلة في النماذج السياسية النسائية القوية في ليبيا، مما يجعل النساء يشعرن بعدم وجود من يمثل قضاياهن على الساحة السياسية. إذا كانت هناك برامج سياسية تدعم وتروج للمرأة السياسية، وتوفير فرصا حقيقية لهن في الترشح، فإن ذلك سيسهم في إحداث تحول مهم في تمثيل المرأة في السياسة.”

المعيقات الاقتصادية وتأثيرها على فرص النساء في الترشح.

ترى جميلة موسى أن ضعف الموارد المالية لدى النساء مقارنة بالرجال يمثل أحد أبرز العوائق التي تواجههن في الحملات الانتخابية، حيث أوضحت:

“تمويل الحملات الانتخابية يعد من أكبر التحديات أمام النساء، فغالبًا ما يواجهن صعوبات في تأمين الموارد المالية اللازمة، سواء للدعاية أو لإدارة الحملة. في المقابل، يحصل

الرجال على دعم مالي أكبر، سواء من شبكات التحالفات القبلية أو من الداعمين السياسيين، مما يمنحهم ميزة تنافسية كبيرة.”

أما فاطمة عبدالسلام، الموظفة الحكومية، فترى أن نقص الدعم الإعلامي والمادي للنساء يحد من فرصهن في الترشح، قائلة:”ترشح النساء للمقاعد الفردية في الانتخابات البلدية يتطلب إمكانيات كبيرة، سواء على المستوى المالي أو الإعلامي، وهو ما تفتقر إليه معظم المرشحات. إضافة إلى ذلك، لا توجد سياسات واضحة لدعم النساء في هذا المجال، سواء من قبل الأحزاب السياسية أو الجهات الحكومية، مما يجعل الكثيرات يفضلن الابتعاد عن المنافسة خوفًا من الفشل أو من التبعات الاجتماعية لمشاركتهن في السياسة.”

صباح أبوعلي: خوف المرأة وجهلها القانوني أبرز أسباب عزوفها عن الترشح للانتخابات.

ترى الدكتورة صباح أبوعلي، الصيدلانية والناشطة المجتمعية، أن السبب الرئيسي وراء عزوف النساء عن الترشح للانتخابات البلدية في ليبيا لا يقتصر فقط على المعيقات الخارجية، بل يعود أيضًا إلى مخاوف النساء أنفسهن وجهلهن بالقوانين الانتخابية وآليات العمل السياسي.

وقالت أبوعلي: “الكثير من النساء يترددن في خوض الانتخابات ليس بسبب العوامل الاجتماعية والسياسية فقط، بل لأنهن يفتقرن إلى المعرفة القانونية اللازمة لفهم حقوقهن وكيفية إدارة الحملات الانتخابية”، مشيرة إلى أن غياب الوعي القانوني يشكّل عائقًا أساسيًا أمام مشاركتهن الفاعلة في الحياة السياسية.

وأضافت أن الخوف من الفشل، وعدم الثقة بالقدرة على المنافسة، يجعلان العديد من النساء يعزفن عن الترشح، حتى عندما تكون لديهن فرصة حقيقية للفوز، قائلة: “المرأة نفسها في كثير من الأحيان تُحجم عن اتخاذ خطوة الترشح، إما بسبب مخاوفها من عدم القبول المجتمعي أو لاعتقادها بأنها غير مؤهلة بما يكفي.”

وأكدت أبوعلي أن غياب المبادرات التي تعزز ثقة النساء بأنفسهن يعدّ من الأسباب التي تعيق تقدمهن سياسيًا، مشددة على أهمية إطلاق برامج تثقيفية وتدريبية تسلط الضوء على الجوانب القانونية والإدارية للعملية الانتخابية، مما يسهم في كسر حاجز الخوف والتردد لديهن.

واختتمت حديثها بالقول: “إذا لم تتغير نظرة النساء لأنفسهن، ولم يحصلن على التثقيف السياسي الكافي، فسيظل العزوف عن الترشح قائمًا، مهما كانت البيئة الخارجية داعمة لمشاركتهن.”

ختاما:

يظهر بوضوح أن ضعف مشاركة النساء في الترشح الفردي للانتخابات البلدية في ليبيا ليس مجرد مسألة قانونية أو إجرائية، بل هو نتاج تفاعل معقد بين العوامل الاجتماعية، الثقافية، السياسية، والاقتصادية. وعلى الرغم من أن هناك جهودًا تُبذل لتعزيز دور المرأة في الحياة السياسية، إلا أن الواقع لا يزال يشير إلى وجود تحديات كبيرة تحول دون تحقيق مشاركة حقيقية وفاعلة.

إن تجاوز هذه العقبات يتطلب مقاربة شاملة تتضمن إصلاحات قانونية، ودعمًا ماليًا، وبرامج تدريبية، بالإضافة إلى تغيير في الوعي المجتمعي حول دور المرأة في صنع القرار. كما أن تعزيز الثقة لدى النساء بأنفسهن، وتوفير بيئة انتخابية أكثر أمانًا وعدالة، يعدّان من العوامل الأساسية لزيادة نسبة الترشح والمشاركة الفاعلة في الانتخابات المقبلة.

في نهاية المطاف، لا يمكن الحديث عن ديمقراطية شاملة دون تمثيل عادل للمرأة في مختلف مواقع صنع القرار، ويظل تمكين النساء سياسيًا مسؤولية جماعية تتطلب تظافر جهود الدولة والمجتمع المدني والأسرة، لضمان مشاركة أوسع تعكس التنوع الحقيقي للمجتمع الليبي.

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :