“طرقات مغلقة وأصوات مكتومة” حين تواجه النساء العنف الانتخابي بأبوابٍ لا تُفتح

“طرقات مغلقة وأصوات مكتومة” حين تواجه النساء العنف الانتخابي بأبوابٍ لا تُفتح

  • تقرير : زهرة موسى

أُغلق الباب ، لكن الحلم لم يُغلق

كانت تحمل في يدها مطويات توعية، وفي الأخرى حُلمًا بوطن ينهض من ركام الانقسام، لكن الباب الأول الذي طرقته أُغلق في وجهها. لم يكن ذلك الباب الوحيد.

حميدة الناعم، سفيرة توعية انتخابية من مدينة سبها، لم تكن وحدها في هذه المهمة. إلى جانبها كانت زميلاتها من سفيرات التوعية الانتخابية، وكنّ يعرفن أن ما ينتظرهن في الأحياء ليست مجرد أسئلة انتخابية، بل نظرات شك، عبارات رفض، وأحيانًا ، كلمات جارحة تُصنف كعنف، حتى وإن لم يُدرج رسميًا في القوانين.

“نظرات تشكك، وعبارات تقصي”

“فكونا من دوة الانتخابات”، “مشاركتنا شن بتغير؟”، “الفائزين معروفين بدون ما انشاركوا”… كانت هذه بعض من العبارات التي تلقتها حميدة وهي تحاول أن تشرح أهمية المشاركة في الانتخابات.

تقول حميدة ” المفارقة المؤلمة أن أكثر من واجهنا بالرفض كن نساء شابات، فتيات في العشرينات والثلاثينات من العمر، يُفترض أن يكنّ أكثر وعيًا، أكثر حماسةً للتغيير.

و تعبر بأسى: “كبار السن هم من رحّبوا بنا، قالوا نريد أن تهدأ البلاد، نريد المشاركة. لكن الصغار؟ كان هناك رفض، تنمّر، وحتى اتهام بالخيانة! أحيانًا.”

ذلك الرفض لم يكن مجرد اختلاف في الرأي. كان شكلاً من أشكال العنف الانتخابي، حيث يُقابل الصوت النسائي الساعي للتغيير بالتشكيك والإقصاء.

ورغم أن حميدة وزميلاتها لم يتعرضن للعنف الجسدي في تلك الجولة، إلا أن المضايقات النفسية واللفظية تركت أثرها.

تضيف: “إغلاق الباب في وجهك، والاستهزاء، أو تجاهلك بالكامل، كلها مؤشرات على رفض المشاركة، ورفض وجودنا كسفيرات توعية.”

ما روته حميدة ليس حالة استثنائية. التقرير يرصد شهادات أخرى لناشطات ومترشحات في مدينة سبها، عايشن أنواعًا مختلفة من العنف الانتخابي، في ظل غياب شبه تام للحماية القانونية والدعم المؤسسي.

 حينما تأتي الجراح من الأهل والمقربين

وأوضحت “م.ر”، مترشحة لانتخابات المجلس البلدي بإحدى البلديات، أنها تعرضت لعنف انتخابي منذ أن أعلنت عن رغبتها في الترشح، وقالت:

“أعتقد أن أغلب السيدات عرضة للعنف، خصوصًا اللفظي، بداية من الأسرة والأصدقاء والمقربين، ومن المجتمع بشكل عام، بحيث يتم الاستهزاء بها وبمشاركتها، وكأنها امرأة لا يمكنها أن تقدم شيئًا.”

وأضافت: “بعض المترشحات تتعرض لتشويه السمعة، ونشر أكاذيب عنهن على مواقع التواصل الاجتماعي، بل ونشر صور وكلمات بذيئة. لا يقتصر الأمر على التشكيك في قدراتهن، بل يصل إلى السب والشتم أحيانًا.”

من خلف الشاشات تُشنّ الحروب

وتتابع: “العديد من المترشحات لا يعلمن بأن القانون يحميهن، ويمكنهن مقاضاة كل من يتعرض لهن بسوء. للأسف، بعضهن لا يعرفن أن المفوضية أيضًا تستقبل شكاوى المترشحات حول تعرضهن للعنف الانتخابي بشتى أنواعه.”

وتضيف: “تنقصنا ثقافة الإبلاغ عن هذا النوع من العنف، فبعض النساء يعرفن حقوقهن، لكن لا يجرؤن على التبليغ.”

وتمنت أن تستهدف المترشحات لجلسات حوارية أو تدريبية توضح كل ما يتعلق بالعنف الانتخابي، خاصة الإلكتروني واللفظي.

صوت المرأة من يملكه حقًا؟

تقول “خديجة بدر”، مرشحة للمجلس البلدي: “بالنسبة لانتخابات المجالس البلدية 2025، أراها انتصارًا للمرأة، إذ تمثل المرأة فيها عددًا أكبر من المعتاد. لكن مع ذلك، لا تزال هناك ضغوط تمارس عليها، سواء من النساء أو الرجال.”

وأضافت: “تعرضتُ شخصيًا لتنمر بسبب كوني امرأة، وتلقيت أسئلة تستخف بقدرتي، وكل ذلك يُصنف كعنف انتخابي.”

وتستطرد: “أغلب النساء في الانتخابات أصواتهن تتبع الرجل، سواء كان رب العائلة أو الأخ. رغم أن المرأة تمثل نسبة كبيرة في المجتمع، إلا أن صوتها يوجَّه غالبًا من الرجل.”

وتختم: “أتمنى أن نصل إلى مرحلة من الوعي تكون فيها المرأة أكثر دراية بحقوقها، وتملك الحرية الكاملة في اتخاذ القرار الانتخابي، فالقوانين تضمن لها ذلك، خاصة في الخلوة الانتخابية.”

حماية غائبة ومفوضية تسعى ما استطاعت

تقول ” زينب مصباح، مديرة وحدة دعم المرأة بالمفوضية العليا للانتخابات بالمنطقة الجنوبية،:”نعرف العنف الانتخابي ضد النساء على أنه أي فعل أو تهديد يوجَّه ضدهن أثناء قيامهن بالحملات التوعوية خلال مراحل العملية الانتخابية.”

وتضيف: “له أشكال كثيرة، منها العنف الجسدي، التمييز، العنف النفسي، والأهم – أو الأكثر انتشارًا – العنف الإلكتروني.”

وتؤكد أن الوحدة تعمل على حماية النساء، من خلال التوعية والتدريبات حول سبل الوقاية من العنف، والحث على الإبلاغ عن الانتهاكات.

وتضيف: “نركز أيضًا على رصد الانتهاكات الإلكترونية وتزييف الحقائق، من خلال منصة خاصة للرصد.”

وتشير إلى أن العديد من الشكاوى تصل للوحدة من مترشحات تعرضن لعنف موثق، سواء إلكترونيًا أو اجتماعيًا، وهناك حالات لسفيرات توعية تعرضن لعنف جسدي أثناء توزيع المطويات، وتم توثيق تلك الانتهاكات وإرسالها للجهات المختصة.

الوعي هو السلاح الأول

زينب تضيف: “منصة الرصد حاليًا تتابع بشكل خاص العنف الإلكتروني، وسيتم الإعلان عن الإحصائيات النهائية بعد انتهاء الانتخابات، لتشمل المترشحات، الناخبات، وسفيرات التوعية.”

و أشارت إلى ”  مكتب الإدارة الانتخابية سبها عملنا قبل مدة استطلاع رأي بخصوص المرأة وتعرضها للعنف خلال العملية الانتخابية وكانت هناك نسبة 30% سيدات تعرضن للعنف المجتمعي ونسبة 50% سيدات تعرضن للعنف النفسي ، ومايقارب نسبته 80% لسيدات تعرضن للعنف الالكتروني من خطاب كراهية وتزييف حقائق وتشهير.

من الهامش إلى المركز

تقول ” م ، أ ” ناشطة مدنية  لم تكن المهمة سهلة أبدا . بعض البيوت لم تكن تفتح أبوابها بسهولة، وبعض القلوب كانت موصدة بسبب خيبات متراكمة.  عملنا في ظروف حالكة تعرضن لعنف لفظي و طرد و بعض الرفيقات تعرضن للضرب و كان كل ذلك تطوعيا ،و لكن بالرغم من ذلك  السفيرات  و جل السيدات العاملات في مجال التوعية الانتخابية لم يتراجعن ، لأن كل امرأة اقتنعت بأهمية صوتها كانت تُعادل مدينة كاملة تستعيد نبضها.

اليوم، قد لا تُكتب أسماؤنا في العناوين العريضة، وقد لا تُسلط علينا الأضواء، لكن كنّ هناك ، دائما نسعى  لزراعة الوعي، و محاربة الإقصاء، ونحاول أن نصنع من الهامش مركزًا جديدًا للتغيير.

ختاماً

إن ما تعرضت له النساء المشاركات في الحملات الانتخابية، سواء كنّ سفيرات توعية أو مرشحات أو ناخبات ، لا ينبغي أن يُنظر إليه كحالات فردية، بل كمؤشر على حاجة ملحّة لبناء بيئة انتخابية آمنة وشاملة.

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :