من ذاكرة العمل القضائي.
ذكّرتني بها حادثة الأطفال المقتولين أمس الأول.
كنت ممثلاً للنيابة العامة حينها.. كانت الجريمة متعلقة بقتل رجل لابنته ذات العشر سنوات تقريباً.. بدأ القاضي يتوجيه التهمة إليه.. لكنه تفاجأ بأن المتهم يعترف قبل أن يكمل:
_ نعم.. لقد فعلتها.
لقد قتلت طفلتي.. كانت عائدة من مدرستها.. ضربتها حتى فقدت وعيها.. ثم حاولت إيقاظها.. لكنها لم تتحرك.. توقفت عن التنفس.. اكتشفت أنها قد ماتت.. ارتبكت.. لم أدر ما أفعل.. وضعتها في كيس كبير “شوال”.. ثم وضعتها في حقيبة السيارة وذهبت بها إلى البحر.. وقبل أن أرميها هناك.. وضعت في الكيس حجراً كثيراً كي أتأكد من أنها نزلت إلى القاع.. وعدت وأبلغت الجهات الأمنية بأن طفلتي قد ضاعت.
ثم سكت..
لم يتحدث أحد بعدها للحظات.. الصمت يملأ قاعة المحكمة.. القاضي ينظر في ورقة الاتهام.. الأعين كلها في اتجاه واحد.. وحده المتهم ينظر إلى الأرض.. أحس الكل بطعم البحر في ألسنتهم.. بينما كانوا ينصتون لصوتٍ ما.. صوت حقيقي واضح.. لا أحد يعرف من أين يأتي.. ولم يجرؤ أحد على التساؤل عنه.. لكنه يشبه تماماً صوت طفلةٍ عائدة من المدرسة وتضحك للريح.














