عام الجلوه

عام الجلوه

كتب :: عابد الفيتوري

.. اوائل اربعينات القرن الماضي .. وقد اقدم المستعمر الايطالي على اجلاء اهل واحة الفقها وحشرهم في براح مقفر بمنطقة ” ام العبيد ” .. 20 كم .. شمال الزيغن .. جوار قلعة عسكرية ايطالية اقيمت طرف بئر ماء ارتوازي .. حيث تتوافر عشب العقول .. ومنعوا عليهم الاتصال بأحد .. لمدة عام ونصف .. كنت تهمتهم مساعدة ( المتمردين ) المجاهدين .. لقد تعرضوا خلال رحلتهم لمسافة 155 كم لأشد انواع البطش والحرمان ، وخلال اقامتهم طوال تلك الفترة .. وفي محاولة لتحرى تفاصيل تلك المحنة التي اهملها المهتمين بتاريخ ليبيا الحديث .. يفيدنا احد ابناء الزيغن الذين عاصروا الحقبة ، انه كان حديث سن ، وكانوا قد علموا بتعرض اهل الفقها للتجويع المتعمد ، وبلغهم وفاة البعض منهم ، ما اضطرهم للتسلل ليلا .. يتنقلون باختفاء خلف ” الوشك ” اشجار النخيل الممتدة ارضا .. بغية ايصال ما يمكن من التمر ودقيق السويق .

المهندس عليوه يحي ابوبكر احد ابناء الواحة .. يشبه تلك المحنة بمعتقل العقيله الشهير .. تضاف الى ملاحم جهاد الليبيين .. وينقل لنا رواية احد الذين ذاقوا ويلاتها : الشيخ محمد علي بن احمد بن يحي .. والذي يتوافق سرده لأحداث تلك الفترة العصيبة وروايات اخرون كانوا اطفالا حينها .. منهم :الحاج حوماني بن امحمد بن حوماني .. الحاج زيدان بن علي بن كيلاني .. السيد عمر بن الفقي محمد بن عمر .. حيث كانت اعمارهم جميعا انذاك بين التاسعة والثانية عشر .

يروي الحاج محمد ان السبب في ترحيلهم له علاقة بتهمة دعم المجاهدين ، وحدث التهجير تزامن مع هجوم سرية من المجاهدين بقيادة عبدالجليل سيف النصر علي مدينة مرزق .. فقد وجد الايطاليين اظرف لعتاد مصدره دول الحلفاء بنواحي الواحة ، ومعلومات عن تواجد لسرايا المجاهدين بمنطقة الهاروج المحاذية للواحة .

وفي أوائل شهر محرم 1360 هجري أتخذ المستعمر قرارا ترحيلهم علي ثلاث دفعات ، سيرا على الاقدام ، وعلي ظهور الابل والحمير ، وقد استغرقت رحلتهم مدة 5 ايام .. وكم كانت شاقة ومضنية ، فمنهم الشيخ المسن ، والمرأة المسنة ، والمرأة الحامل ، والطفل الرضيع ، تاركين خلفهم زرعهم وأملاكهم وديارهم .. ومنهم من توفي اثناء الرحلة .. ونساء وضعت حملها .. وعند وصولهم موقع المعتقل تركوا بالبراح ليتدبروا امرهم .. وقد تمكنوا بجهودهم الذاتية من لملمة اعواد اشجار الاثل ، وجريد وسعف النخيل لتشييد مأوى لعائلاتهم .

وقد اضطروا الى اكل عشب العقول لمقاومة الجوع .. وبقوا في ذلك المعتقل يواجهون صعوبات المعيشة وضراوة الطقس القاري المتطرف .. بعدما نفقت ابلهم وأغنامهم ، وقد داهمتهم الامراض ونالت الطفيليات من اجسادهم .

كانت الحراسة مشددة .. ومن وقت لأخر يتم اعتقال من يبدي امتعاضه من سوء الاحوال داخل القلعة .. وحتى التجوال في حدود المكان لهتا وراء الحشائش البرية حول المعتقل لم يكن مسموحا به .. وان حدث تحت المراقبة الصارمة .

لم يكتفي المستعمر بتعذيبهم وتجويعهم ، بل وأمعن في امتهانهم من خلال تكليفهم بأعمال تنظيف القلعة ، ورصف الطرق ، وجلب المياه ، دون مقابل .

بعد عام ونصف من المعاناة .. بدأ زحف دول المحور قادما من الجنوب ، وبدأت مفارز حراسة الجنود الايطاليون بالمغادرة اثر توالي الهزائم .. وقد اضرموا النار في مخازن الاسلحة والعتاد .. ومع فرارهم .. كانت الفرصة للرحيل الى واحة الزيغن القريبة .. . وقام شيخ البلدة انذاك .. عليوة بن حميد بن قنانة .. بتوزيعهم علي العائلات وتيسير سبل استضافتهم .. ولقد وجدوا من اهلها ترحاب وحسن الكرم .. ومع بداية يناير 1943 .. بعدما سيطر الحلفاء على فزان بالكامل .. عادوا الى الواحة التي هجروها قبل عام ونصف .. وقد صارت اشبه بأطلال خربة .

يذكر الشيخ محمد بعض من تعرضوا للضرب والتعذيب المبرح والاعتقال .. ومن لا تزال تحتفظ الذاكرة بصورهم .. الحاج الغالي بن زيدان بن ابراهيم بن هودان ، وابنه علي الغالي رحمهم الله .. ومن توفي بالمعتقل .. علي بن محمد بن الكيلاني .. ابوبكر علي صورو .. زوجة المرحوم زيدان بن زويد رحمهم الله جميعا .. والطفلين صالح امحمد الغالي وافطيمة امحمد الغالي .. ومن ولد اثناء الترحال والمسير نحو ام العبيد .. محمد بن ابوبكر بن علي صورو .. اطال الله في عمره .

 

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :