- صابر رشدي
هأنت، تمضي وحيدا في الطرقات، كشبح يتوارى من الخجل وهو يخترق المدى، طاويا المسافات، لاتدري أسماء الدروب، ولاتنتبه إلى الوقت، ليلك مثل نهارك، سرك بينك وبين الله، لاتعرف غيره، هو الواحد، الأحد.
تمضي في الفلوات بسيطا ومتواريا. أجدك يوما على أعتاب ولي، مستندا إلى جداره، مستغرقا في غيبوبة ووجد، تستعير ملامح ملاك كان يعبر بجوارك، ألمحك مبتسما، سيماؤك تسفر عن رضا لانهائي، ولاتكون أنت أنت. أراك في المدن البعيدة، متوكئا على عصاك، تمشي متباطأ، لايشاغلك شيء، لم أشاهد كسرة خبز بين أصابعك، ولم أرك تسأل الناس. كنت أراقبك أحيانا، أحاول الوصول إليك، علني أدرك السر، لكنك شعرت بي، وقفتني، وقلت مترفقا:
– ماذا تريد ياواصلي!
كدت يومها أقع صريعا، مغشيا على، فهذا لقب عائلتي، واسم جدي الأكبر، ننادى به في قريتنا، وبين أقاربنا.
يا أنت: كيف تحتمل البرد، كيف تحتمل القيظ، أين تهرب من المطر والسيول. أين تتوارى عن الأشياء، أين؟
كيف تمضي لامباليا، غير معني بأن هناك بشرا، وحروبا، وعالما متخما بالقسوة والشر؟
يا أنت، يا أنا، كلانا صنع من الغيم، وتوارى خلف التاريخ، والمعنى، خلف الإشارات، وقوانين السر.