عندما تكيل الكرة بمكيالين

عندما تكيل الكرة بمكيالين

صلاح إبراهيم

الذي يعلم الناس الخير ولا يعمله بمنزلة مثل من بيده سراج يضيء لغيره… قالها أفلاطون في ذلك الزمن العابر و أعادها الليبيون في هذا العهد الغابر ، عهد المتناقضات و المزايدات على حساب تعذيب الذات والتباهي بحل الأزمات..

للأسف هي جينات كبرت في داخلنا و نمت مع مرور السنوات نتدافع لتقديم المساعدات نمد يد العون في غرب و شرق البلاد وهنا لانقصد أرضنا التي تحوي في باطنها الخيرات بل إننا نحفظ هذا القول كما يحفظ العابد سيرة الكتاب “بلاد العُرب أوطاني .. وكل العرب إخواني”.. نقف جنب الثائرين و نتسابق لنصرة المظلومين و إن تطلب الأمر أن ندفع أموالنا و أولادنا عن طيب خاطر ونحن مرحبون ، هم هكذا الليبيون كومة من العاطفة و مزيج من الشهامة و الإخلاص لأخوة العروبة و الدين ..

بدأنا نتعافى و نستنشق غبار البناء و الإعمار و تقلص صوت الرصاص و أصبحنا نستمع لأصوات معدات البناء وإن كانت على استحياء ، وعلى القرب من حدودنا الجنوبية هناك في أرض وادي النيل بلد أبوجلابية وتوب ، وسروال ومركوب ، وجبة وسديري ، وسيف وسكين وهم في غفلة من أمرهم انقض عليهم المتربصون وأشعلوا نار الفتنة بين الأخوين ، لا تسألوني عن أصدق المتقاتلين فالاثنان ساهموا في نشر الذعر و تشريد أهل المكان .

هذا ما استجد في الأوطان .. عفواً لم أذكر لكم فلسطين فقصفها و تهجيرها بدأ منذ مطلع الزمان وهي اعتادت ألا تنام في سلام ..

في خضم الحروب و الصراعات و تعالي أصوات الغارات ظهر صوت القوة الخفية تلك القوة التي تفرض إرادتها على الملايين و تقودهم و كأنهم مكبلون تقطع بهم المسافات وتخلطهم بين القارات إنها قوة كرة القدم.

نفتخر كوننا ليبيون اسم اقترن بدعم المحتاجين و مساندة الإخوة المظلومين ، لا تعتقد بأننا نستخدم في ذلك المال أو نكتفي بالخطابات .

نُسخر كل ما نملك من إمكانيات وإن تطلب الأمر نقضي على أنفسنا و نرحب بالهلاك .

اتحاد كرة القدم يصدر بيانا ينص في صلبه على أننا مع قضايا الإخوة متضامنون و الكرة في بلدنا لهم فيها ما لنا و أكثر بقليل.. فمن هم أهلنا سواء كانوا من السودان أو فلسطين لهم صفة الليبيين يمارسون الكرة و هم محليون قرار كلنا له مصفقون و مؤيدون ولكن هل هناك لهم تنظيم يحدد سقف العقود المبرمة و آلية تسديد الضرائب ؟ ليس حسداً او إذلالا بل هو من باب التوجه نحو النظام و التماشي مع من هم حولنا من الأقران ، قيداً هم محليون و مادياً أجانب مغتربون فكيف يعقل هذا الجنون؟!!

أتظنون بأن هذا هو الجنون انتظروا فأنتم مخطؤون أنصتوا جيداً لما هو أشد من الجنون ، يقال بأن الغباء أشد من الجنون ومانحن نفعله تعدى الجنون وفاق الغباء عشرات المواهب المحلية المتناثرة بيننا والمكبلة بتلك النظرية.

نظرية تأصيل العنصرية بحجة المحافظة على الهوية وكأن تلك الدول الغنية التي انتهجت سياسة الدمج ومنح الجنسية فشلت في تحقيق الإنجازات و تنازلت عن القضية ، تتسابق الدول لحجز المواهب ومنحهم كافة الامتيازات وعلى رأسها الأوراق الثبوتية ونحن نجتهد في التخلي عنهم و مناداتهم بأصحاب “الأرقام الإدارية”.

ما يقارب 17 ألف عائلة في خانة الأرقام الإدارية لا يملكون أي حقوق مدنية و لا يحق لهم المشاركة في المحافل الانتخابية ، مكتفون ببعض الامتيازات الهامشية و محرومون من جُل الإجراءات الاعتيادية كالوظائف و المنح الدراسية ، لا ذنب لهم إلا أنهم هاجروا في حقبة زمنية واختاروا طواعية العودة إلى الوطن في فترة ما بعد ترسيم الحدود و صناعة الحواجز الوهمية ، هنا في المنطقة الجنوبية لدينا المئات من المواهب الواعدة في كرة القدم وغيرها من رياضات أخرى يمارسون نشاطاتهم بصفة غير رسمية و يحرمون من تمثيل الأندية في البطولات النظامية بعد ضغوطات أهلية استهدى اتحادنا ومنحهم مقاعد محلية لايتجاوز عددها الاثنان.

أليس هؤلاء الأحق بما منح لأصحاب الجنسية الفلسطينية و السودانية؟ !!

منتخبات عالمية تشارك وتنافس وقائمة لاعبيها مجنسة و زاخرة بالمواهب العالمية ، ألمانيا التي عرفت بإصرارها على المحافظة على الهوية الألمانية و التسويق إلى رؤيتها غير السوية بأنها أعرق الأجناس على سطح الكرة الأرضية اليوم تضم في صفوفها لاعبين من مختلف القارات بما فيها الأفريقية ، الأمثلة كثيرة و الإنجازات التي تحققت بفضل هذه الخطوة كبيرة ، افتحوا الأبواب للمواهب المحلية التي صنفت بسبب الحقبة الاستعمارية على أنها دخيلة وظلمت بحملها للأرقام الإدارية.

اعملوا بالخير فينا و اكتفوا  ، فما يقال فينا من ثناء و مديح لن يغير تاريخ منتخباتنا ولن يعطينا البطولات.

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :