- إعداد- عبدالله محمد
ما أكثر ما يشكو الآباء من عقوق الأبناء … ولكن من يرفع شكوى الأبناء من عقوق الآباء؟ إنه لتناقض عجيب أن يتلقن الأبناء البر كلمات وشعارات… وهم يرون مشاهد الإهانة ليل نهار حقوق الأبناء على الآباء كثيرة والقرآن الكريم والسنة النبوية مليئان بالحث عليها. هي ظاهرة قديمة، غير أنها تأخذ صورا وأشكالا شتى. ففيما يطالب كل الآباء أبناءهم بأن يبروهم ويعاملوهم بالحسنى، وتنطلق دعاوى العلماء والشيوخ والدعاة محذرة الأبناء من عقوق آبائهم، لا يلتفت أحد من هؤلاء جميعا إلى قضية حقوق الأبناء على آبائهم. بينما يصرخ العديد من الأبناء شاكين منددين بعقوق آبائهم لهم. كثيرا ما سمعنا أو قرأنا أو استنكرنا عقوق الأبناء لآبائهم أو سوء معاملتهم أو تنكرهم لهم أو قيامهم بفعل مسيء بحقهم يرفضه الدين والمجتمع إلا أنه نادرا جدا أن تطرّق أحد أو ناقش أو طرح أو تناول موضوع عقوق الآباء أو بمعنى أصح ظلم الوالدين لأبنائهم أو التسبب بإيذائهم ماديا أو معنويا ، ولا نعلم السبب في تجاهل كثير من الناس لهذا الأمر! بل وقد تمادى البعض لتعزيز فكرة أن الوالدين لمجرد أنهما والدان فلهما على الأبناء حقوقا مهما فعلا أو لم يفعلا وبغض النظر عن التزامهما بالقيام بواجبهما على أكمل وجه أم لا! رغم أنه في الإسلام للابن حق على أبيه كما للأب حق الرعاية والتقدير والاحترام… لقد جعل الآباء آية (ولا تقل لهما أف ولا تنهرهما) سيفا مصلطاً على الأبناء يرهبونهم به ويؤذونهم بحجة أنهما والدان. عجبا هل تحول الدين إلى سلاح يمارس القوي فيه سلطاته على الضعيف؟ صحيح نحن لا نملك الحق في محاسبة أهلنا مهما فعلوا وليس ذلك هو ما نهدف إليه بل نرجو لو يضع الأهل سلوكهم ومعاملتهم لأبنائهم تحت المجهر ويراقبون مدى التزامهم بأداء الدور المرجو منهم ويحاسبون هم أنفسهم. ترى هل يعي جميع الآباء أن لأبنائهم حقا عليهم؟! الوالدان هما من يعهد إليهما بتربية أبنائهما وبالتالي يعتبران مسؤولان بنسبة كبيرة عن تصرفات أبنائهما ولكن الأبناء لا يختارون آباءهم ولا أهلهم ولا يملكون تربيتهم أو تغييرهم أو تصحيح توجهاتهم الخاطئة وبالتالي فإن مشقة العيش مع والدين أو أحدهما يسيء لأبنائه لهي أصعب بكثير من تحمل العيش مع ابن عاق… فكم من أب ظلم أبناءه أو قصر باحتياجاتهم أو مارس عليهم أسلوب القمع والدتكتاتورية في التربية دون أن يحاسب نفسه بما فعل أو يتقي الله بهم؟ وكم من أم أضاعت مستقبل أبنائها بتهورها واستهتارها؟ ما أكثر ما يشكو الآباء من عقوق الأبناء!. ولكن من يرفع شكوى الأبناء من عقوق الآباء؟! هل من معتبر قبل وقوع الجناية.. أو مستدرك قبل فوات الأوان..؟! إنه لتناقض عجيب أن يتلقن الأبناءُ البرَّ كلمات وشعارات.. وهم يرون مشاهد الإهانة وسوء الخلق ليل نهار! فمن أين يأتي البر المنشود؟! إنها سلسلة ذات حلقات.. بالسلب أو بالإيجاب.. تتوارثها أجيال عقب أجيال.. وفق سنة لا تتخلف (الجزاء من جنس العمل).. كما في الأثر: «بروا آباءكم تبركم أبناؤكم». فمن ورث البر كابراً عن كابر.. ورّثه لمن بعده.. وورثه هو «قرة عين» تهنأ بها حياته وتسعد بها أيامه ويضمن النجاة في الآخرة. فكما أن للوالد حقاً على ولده، فإن للولد حقاً على والده، ولو أن كليهما عرف حق صاحبه وأدّاه لازداد خيرهما وذهب عنهما ما يسوؤهما، وعمتهما رحمة الله في الدنيا والآخرة، وهذا ما حثنا عليه ديننا الحنيف. وعقوق الآباء لأبنائهم ظاهرة يتجاهلها كثير من الآباء رغم أنها خطيرة جداً… فنجد أن بعض الآباء يكذب أمام ابنه الصغير وهو لا يبالي، والبعض الآخر لا يهتم بابنه إلا في المأكل والمشرب، ولا يسأل ابنه هل صلى في جماعة، أم كم حفظ من كتاب الله، ومن هم أصدقاؤه، والبعض الآخر يتشاجر مع زوجته أمام ابنهما. وهذا كله عقوق للأبناء. جاء رجل إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه يشكو ولده فأرسل عمر رضي الله عنه إلى الولد وقال له: أما تتقي الله في والدك الشيخ الكبير فحقه على ولده كذا وكذا فقال الولد أليس لي حق عليه؟ قال: نعم وعليه أن يحسن اسمه ويختار أمه ويعلمه القرآن. فقال لم يفعل يا أمير المؤمنين فقد سماني جعلها أي جعراناً (حشرة) وأمي امرأة زنجية كانت أمَةً لرجل مجوسي ولم يعلمني من القرآن شيئاً. فنظر عمر إلى الوالد وقال له: أجئت تشكو عقوق ولدك وقد عققته قبل أن يعقك؟ إليك عني.