من طرابلس الى عمان

من طرابلس الى عمان

  • د :: سالم الهمالي

من بين كل العواصم العربية اجد في مدينة عمان وجها للمقارنة مع العاصمة الليبية طرابلس، لارتباطهما في حقيقة نشوء نظام حكم جديد، ملكي بإشراف ادارة انجليزية في العصر الحديث، بالإضافة الى كثير من الامور التي وجدت فيها تشابها.تاريخيا، لكلا المدينتان تاريخ قديم قبل الميلاد، وان كانت طرابلس بلا ادنى شك اكثر بروزًا على مدى حقبه، اذ تبوأت مركز الصدارة عند الحضارات القديمة وخلال فترات حكم الاتراك وفرسان القديس يوحنا والطليان، حتى بدأ تكوين الدولة الليبية الحديثة تحت اسم المملكة الليبية. فيما يختلف الامر لدى عمان، فما قبل اعلان المملكة الاردنية الهاشمية يمكن المرور عليه مرور الكرام.تعلق في ذهني مصطلح حي الأكواخ، الذي كان معروفا في طرابلس، اذ أنشأت الدولة عمارات في ذلك المكان نقلت اليها سكانه، وبذلك لا وجود فعلي لتلك الأكواخ في مدينة طرابلس، وان وجب التحفظ على هذه الجملة …هذا ما دعاني في احد زياراتي لعمان ان اطلب من سائق التاكسي ان يجول بي في المدينة، اجمل احيائها وكذلك المخيمات … تلك التي ارتبطت في ذهني بالقضية الفلسطينية، وأحداث (١٩٦٧، ١٩٧٠) النكسة وايلول الأسود.هذا يدعوني ان اصف عمان، مدينة تحيط بها الصحراء من كل جانب، بل في منقع بين الجبال الحجرية، صعود وهبوط ومنعرجات ومنحنيات، تكاد تقول انها اسقطت من السماء، خصوصا انها تفتقر للمياة بشكل كبير … لن اقول ان اللون الاخضر معدوم فيها، لكن كل ورقة تحتاج خرطوم يسقيها، والا فمصيرها اليبس خلال ايام ان لم اقل ساعات. هذا لا يخفي جمال المدينة، طرق واسعة يسمونها (دوار)، ومنها عدة دوارات (الاول، الثاني، .. ، الخامس)، كما نقول في طرابلس السريع (الاول، الثاني، البرازيلي)!لا داعي للكتابة عن النظافة، يكفي ان اقول انك لن ترى القمامة حتى في البراميل، فما بالك بالاكداس المكدسة على الارصفة وبين العمارات في العاصمة الأبدية.الطبيعية الجبلية لعمان تجعل من شق الطرق وشبكات المجاري امر صعب للغاية، اذ لا يمكن مقارنة ذلك بشبكة المجاري في العاصمة المسطحة طرابلس، حيث قلما تجد او تسمع عن (الآبار السوداء)، وهو مصطلح ليبي يعني (بيارة).

بعد مضي وقت سألت سائق التاكسي: متى نصل المخيمات ؟في مخيلتي انها خيام مرقعة، قيطون مشرك وأناس فقراء يظهر على وجوههم وملابسهم ..لكن اجابة السائق فاجئتني: لِنا ساعة بين هالمخيمات !!بين مصدق ومكذب، ما اراه افضل من العمارات التي استحدثت مكان حي الأكواخ … يا الهي !!… لا يمكن ان يكون كلامه صحيح ؟ شوارع واسعة، اوسع من شوارع بعض احياء طرابلس (لن اذكر اسماء، الكل يعرف وربي يعرف)، فيها كهرباء (٢٤ ساعة)، ولا تسئل عن الماء، ارى أثرها على الأشجار.كيف استطاعت الأردن الفقيرة في (النقد المادي) ان يبني عاصمة يسكنها اربعة ملايين، جميلة، نظيفة، في أقسى جغرافية على وجه الارض ؟وكيف استطاعت ليبيا، ان تحول عاصمة تاريخية، كان فيها الغاز بشبكة تحت الارض، واجمل شوارعها ما انشيء قبل اعلان المملكة الليبية، ولا يوجد فيها كورنيش حقيقي بالرغم من انها ترقد منذ الأزل بموازاة الساحل ومياه المتوسط ورماله الجميلة ؟!كيف يمكن ان تكون مدينة منبسطة، على شاطئ البحر، تحيط بها ارض زراعية (٢٠٠) كم الى شرقها ومثلها غربها، والغاز بالطوابير للحصول على اسطوانة، تحملها على ظهرك للدور السابع، لان الكهرباء مقطوعة والمصعد عاطل من عام … ؟!كيف يمكن لدولة تعيش على هبات وإعانات ان تكون عاصمة (درة جمال)، ودولة تدخلها المليارات من الدولارات لا تستطيع ان تنشيء دورة مياة (بيت راحة) في اي مكان في عاصمتها الأبدية ؟!هل نستغرب الآن عندما نرى سكان العاصمة طرابلس يذهبون الى عمان للعلاج، او ان مطار عمان افضل مئة مرة من براكة طرابلس!!متى ندرك ان الداء (فينا)، وليس مؤامرة من الجن الازرق ولا المبريالية ولا الشياطين الحمر … نحن من ندمر بلادنا، نضيع ثروتنا، نخرب العمران ونهجر المواطنين.عمان يا سادة لا تبعد عن فلسطين باكثر من (٨٠) كيلومتر، حيث إسرائيل والعدو والمقاومة، بقينا لعقود نصدق اننا نحاربهم، وفِي الحقيقة كنّا ندمر بلادنا وأجيالنا، فلا تحررت فلسطين ولا بقيت ليبيا.متى نستيقظ من الأوهام ونصدق الواقع المرير ؟!

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :