تقرير :: زهرة موسى
ما فتئت سبها تزهر بملامح الحياة وعودة الأمن في شوارعها ، حتى عكّرت الأزمات صفْوها من جديد، فطفحت أزمة نقص غاز الطهو في مستودعاتها الخاصة والعامة ، مشعلةً بذلك أسعار الغاز في السوق السوداء التي أثقلت كاهل المواطن البائس ، الذي أنهكته الأزمات المتوالية إثر بعضها البعض ،تاركة أمامه أمرّ الخيارات ألا وهو الشراء من الأسواق السوداء ، أو التحايل بإتيان حلول بديلة للتعامل مع هذه الأزمة .
- فسانيا كانت حاضرة عبر هذا التقرير لرصد أهم ملامح و تداعيات هذه الأزمة في الشارع السبهاوي :
التقينا في استطلاع رأي للمواطنين حول أزمة نقص غاز الطهو بالمواطنة” مريم محمد ” التي قالت : عانينا من نقص غاز الطهو طيلة الأيام الأربعة الماضية ، وهي أزمة عامة عانت منها المدينة منذ أسابيع ، ولقد استخدمنا ” الفيرنيلو ” في الطبخ وإعداد الطعام الذي يحتاج الكثير من الوقت باستخدام هذا النوع من المواقد الكهربائية التي لا توفر إمكانية طهو أكثر من نوعيْ طعام فقط ، وبعد أربعة أيام من المعاناة استطعنا تعبئة إسطونة غاز من السوق السوداء بتكلفة غالية الثمن !
وأضافت في تعجب : ” كوني مواطنة أستغرب من موقف المسؤولين بمستودع سبها النفطي، فمن المفترض أن يتم توفير الغاز للمواطنين بأي وسيلة ، و عدم السماح بخلق أزمة الغاز في السوق ، إلا أن سوء إدارتهم أدت إلى تفاقم المشكلة ، فهموم المواطن آخر اهتمامات تلك الفئة .
- اشْتِعَالُ أسْعَارِ غَازِ الطّهْوِ فِي السّوقِ السّوْدَاءِ.
بينما سرد المواطن ” أبوبكر محمد ما يحدث قائلاً : ” إن أزمة نقص الغاز ليست ظاهرة جديدة في مدينة سبها ، فلقد كنا نعاني من شح غاز الطهو على فترات متقطعة ، ومما زاد حدة الأزمة ارتفاع أسعار الغاز في السوق السوداء، ونحن كمواطنين لا نشجع وجودها ولكن هذه السوق أحياناً هي الحل الوحيد أمام المواطن المنكوب ، خاصة عندما تعجز مستودعات الدولة عن توفير الغاز السائل ، فمن الطبيعي البحث عن بدائل خارجها مهما كلف الثمن . وأضاف ” منذ عدة أيام ارتفعت فجأة أسعار إسطوانات غاز الطهو إلى ما يقارب 100 دينار ، فكيف للمواطن البائس أن يوفر هذا المبلغ لتعبئة إسطوانة الغاز لأسرته؟
- في هذه المدينة التي لا تصل السيولة المالية لمصارفها إلا بعد مضي عدة أشهر !
وتابع ” منذ يومين أخبرني أحد الجيران بأن مستودعا في الحي الذي أقطنه قد جلب إسطوانات غاز، وسيتم البيع بسعر المستودعات العامة ” 5 دينار ” ، وقد ذهبت إلى هناك منذ الساعة السابعة صباحا ، ووقفت في طابور طويل للرجال، بينما كانت هناك طوابير أخرى للنساء والشباب ،ورغم ازدحام المكان وبرودة الطقس ، بقينا هناك بلا وجبة طعام إفطار أو غداء حتى الساعة السادسة مساء ، لأعود بعد هذا الانتظار المؤمل خالي اليدين إلى المنزل ، فشدة اكتظاظ الناس وعدد الإسطوانات لم تغطِّ حاجة المواطنين .
- مَنْ خَبّأ الفَحْمَ الأسْوَدَ لِلْأيّامِ السّوْدَاءِ؟ !
وتذكر المواطن أبوبكر محمد حواراته مع بعض الأشخاص الذين تعرف عليهم أثناء تواجده في طابور الانتظار الطويل ، وما أخبروه به من أنهم ظلوا يطهون الطعام منذ ما يقارب الأسبوع على الفحم ، والحطب ، فحمد الله كثيرا لأن حظه أسعفه بصديق أعاره إسطوانة الغاز .
و أكدت المواطنة ” أم زينب ” لم يكن أمامنا سوى البحث عن حلول مؤقتة لتجاوز الأزمة ، بعدما استنفذت الإسطونة الصغيرة للطهو في بضعة أيام ، فلم يكن لي خيار سوى الطهو على الفحم ، لقد عدنا للأساليب البدائية في إشعال النار لنتجاوز هذه الأيام الصعبة ، ولا يخفى على أحد مضار هذا النوع من الاحتراق ، فالطهو على الفحم يصدر الكثير من الدخان ، الذي زاد من معاناتي الصحية ، فأنا مصابة بالتهاب ” الجيوب الأنفية” وبعد مشقة استطاع زوجي توفير إسطوانة الغاز عبر توصية صديق له يقطن بمنطقة ” براك الشاطئ ” وأتمنى من المسؤولين المختصين البحث عن حلول سريعة لهذه الأزمة قبل تفاقمها .
- مَنْ أثْرَى السّوقَ السّوْدَاءَ بِالْغَازِ وَأفْرَغَ المُسْتَوْدَعَاتِ؟!
وتحكي ” أم محمد ما حدث : ” منذ ما يقارب الأسبوعين انتهت إسطوانة الغاز ، حينها كانت أسعار الغاز في السوق السوداء مناسبة بعض الشيء ، فبعد بقائي ليومين بلا غاز اضطررت لشرائه من السوق السوداء ب” 50″ دينارا ، ولكن فجأة ارتفعت الأسعار بشكل جنوني وبلغت تكلفة تعبئة إسطوانة الغاز 100 دينار و أكثر ، علاوةً على عدم توفر الغاز في السوق السوداء .
وذكر ” أسامة يوسف إبراهيم ” رئيس ائتلاف شباب سبها : ” يمر الجنوب بشكل عام وخاصة مدينة سبها بأزمة نقص غاز الطهو ، وكنا قد تناقشنا خلال اجتماع عقد بالمجلس البلدي حول أسباب و تبعات الأزمة لنكتشف أن المشكلة الحقيقية تكمن في رأس الهرم ، فأصحاب التشاركيات يقولون إن المستودع لم يزودهم بالغاز ، وفي حال تزويدنا به لا يكون التوزيع منصفاً ، وحسب مانقله عن إداريي المستودع بأن طرابلس ومصراته لم تقم بتزويدهم بالغاز ، وللأسف الشديد فالوحيد المتضرر من هذه الصراعات والمبررات هو المواطن الذي ليس هناك مسؤولون يشعرون بمعاناته اليومية حسب ما التمسته . وقد تقرر في نهاية الاجتماع أن تكون عمليات التوزيع عن طريق مستودعات الدولة ، حيث يضمن المواطن حقه ،أما التوزيع عبر التشاركيات الخاصة فقد ساهم في زيادة حدة الأزمة . واسترسل ” أستغرب جدا ممن يطالبون بدعم السوق السوداء ، و يعتبرونها حلاً و يدافعون عن وجودها ،وهذا الأمر غير مقبول ، فإن تم إفساح المجال للسوق السوداء الآن كخيار من خيارات حل الأزمة ، كيف سيتم إيقافها و السيطرة عليها مستقبلا
- ؟ تُجّارُ السّوقِ السّوْدَاءِ نُهّابُ مُسْتَوْدَعَاتِ الْغَازِ العَامّة !
أشار ” فرج خالد ” صاحب موزع للغاز: ” تعتبر هذه الأزمة مفتعلة من الشركات النفطية ، و ساعد في تفاقمها تلاعب أصحاب الموزعات، فقد يملك صاحب المستودع أكثر من موزع ، ويقوم ببيع نصف كمية الغاز للمواطن ، و باقي الكميات تباع في السوق السوداء بأسعار باهظة بحجة تغطية التكلفة المادية للشحن والعمالة وإيجار مكان المستودع ،و شاحنة نقل الإسطوانات ” وغيرها ، والبيع بالسعر المتعارف عليه بالمستودع ” 5 دنانير ” لا يغطي كل التكاليف .
- مما يضطر صاحب المستودع للبيع في السوق السوداء حتى يكسب ماديا .
وهذا لا ينفي وجود أشخاص ذوي وطنية من أصحاب المستودعات ، فبالرغم من الخسارة المادية أحياناً ، وعدم استرداد حتى رأس المال ، إلا أننا لم نبع الغاز للمواطن إلا عن طريق المستودع وبالسعر المتعارف عليه .
وأوضح ” لايصلنا من حصة الجنوب في الغاز إلا ما يقارب 5 % فقط ، بدءًا من إدارة الغاز إلى التوزيع ، والحل الوحيد لهذه الأزمة هو مطالبة عميدي البلديات ومديري المستودعات بأن تكون حصة الجنوب من الغاز والوقود كاملة كحصص المنطقة الشرقية والغربية ، كما عليهم العمل على تأمين وصولها إلى المستودعات وتوزيعها ، لأن أكثر من نصف الشاحنات تنهب في الطريق قبل وصولها للجنوب . وأبدى فرج خالد تعاونه لحل الأزمة بقوله ” إن كان هناك مسعى حقيقياً لحل أزمة الغاز في المنطقة الجنوبية فأنا جاهز للتبرع بمقر موزعي حتى تحل الأزمة بشكل نهائي ، ومستعد للتبرع بمبلغ مادي عن طريق الصك المصدق للمساعدة في حل هذه الأزمة ، وهذا جل ما أستطيع تقديمه .
- السّوقُ السّوْدَاءُ لِلْغَازِ ظَاهِرَةٌ رِبْحِيّةٌ سَتَخْتَفِي تِلْقَائِياً !
أعر ب ” محمد عمر ” صاحب موزع غاز ” أن أحد أسباب أزمة الغاز حاليا هو نقص الغاز السائل في المستودع ، فإذا تم توفيره ستحل الأزمة ، و أنا أرى أن السوق السوداء حل للمواطن ، لأن هذا السوق حاليا هي الوحيدة القادرة على توفير الغاز ، ففي العام 2018 توقفت الشركة العامة عن إمداد الغاز ، وكانت السوق السوداء حاضرة وهي المغذي الوحيد للمدينة بغاز الطهو ، ويعود ارتفاع أسعار الغاز في السوق السوداء لإقفال الجهات الأمنية للسوق الموازية ، فما الضرر في فتح المجال أمام السوق السوداء للعمل، مما يخلق نوعا من التنافس بينها و بين المستودعات مما يقود إلى انخفاض الأسعار مجدداً ، و في النهاية إذا تم توفير الغاز في المستودعات بشكل دائم ستنتهي الأزمة و سيتم القضاء على الأسواق السوداء تلقائيا .
- هَلْ سَيَصْدِرُ الْقَرَارُ لِمُسْتَوْدَعِ رَأسِ المِنْقَارِ لِحَلّ أزْمَةِ الغَازِ فِي الجَنُوبِ ؟
بيّن ” صقر أبوالقاسم بشير “صاحب مستودع غاز” السبب الرئيسي هو التحجيم من حصة المنطقة الجنوبية من غاز الطهو ، من قبل مستودع مصراتة . ونحن بصفتنا أصحاب مستودعات خاطبنا الجهات المعنية ،فمستودع سبها النفطي ليس لديه القدرة على مخاطبة “شركة البريقة النفطية ، أو مستودع مصراتة ” لأن المنطقة الجنوبية ضعيفة إداريا” . وتابع ” آخر شحنة غاز وصلت المستودع كانت منذ ما يقارب الشهر والنصف ،ويصلنا مانسبته 10% من حصة المنطقة الجنوبية للغاز ، أما 90% الباقية فهي توزع منذ خروجها من مستودع مصراتة ، مرورا ببني وليد وصولا إلى الحدود الليبية التونسية وعودتها إلى الجنوب وتهرب إلى النيجر وتشاد ، والحصيلة وصول أقل من 10% للمواطن ، كل هذا يحدث بسبب الفساد الإداري ، فمستودع مصراتة النفطي هو عبارة عن مخزن ضخم تصله شهريا ثلاث بواخر محملة بغاز الطهو موزعة على ” برقة و فزان ، و طرابلس ” وبسبب مشاكل تأمين الطريق ، وصعوبة وصول إمددات الغاز للجنوب قد تصل الشحنة الواحدة إلى الجنوب بعد 6 أشهر ، وخلال هذا الوقت تكون قد وصلت 6 بواخر أخرى لمستودع مصراتة ، والجنوب يكابد ليتلقّف 10% من الشحنة الأولى للغاز ، فأين باقي الحصص ؟! وأفاد ” أن المسؤولين عن هذا الملف ” من مدير إدارة الجنوبية مستودع سبها ، عميدي البلديات ، الرقابة الإدارية ،و مجلس النواب ، ليس لهم أي دور يذكر في حل الأزمة ، كما أن مستودع رأس المنقار أعلن عن استعداده التام لاستقبال حصة الجنوب ، وتوصيلها مباشرة إلى المنطقة الجنوبية ، ولكن هذا يحتاج إلى قرار من مصطفى صنع الله رئيس مجلس إدارة المؤسسة الوطنية للنفط .
و استرسل موضحاً آلية توزيع الغاز من المستودع : ” عند وصول شحنة الغاز ، نقوم ببيع الإسطوانة الواحدة ب 5 دنانير ، ونستعين بوجود مختار المحلة ، بحيث يحصل كل مواطن حامل لكتيب العائلة على إسطوانة واحدة، لضمان التوزيع العادل بين المواطنين . الخَيّالِي يَدْعَمُ السّوقَ المُوَازِيَة لِلْغَازِ كَحَلّ بَدِيلٍ لِلْأزْمَةِ !
قال ” حامد رافع الخيالي ” عميد بلدية سبها ” لقد اجتمعنا لوضع إستراتيجية يتم عبرها إيصال غاز الطهو للمواطنين ، حالياً وصلت كمية بسيطة جدا من الغاز، لذا تم الاتفاق مع أصحاب المستودعات على الذهاب إلى طرابلس ومصراتة وتعبئة الغاز من هناك . وأضاف : نحن لم نكن نتوقع ارتفاع أسعار الغاز بهذا الشكل في السوق ،وحدوث أزمة كهذه في هذا الوقت ، ونتمنى من شركة البريقة النفطية دعمنا.
وأضاف موضحاً : لازلنا نبذل قصارى جهدنا من أجل حل أزمة الغاز خلال الفترة القادمة ، فمن الصعب توفير الغاز من المستودعات العامة ، لأنه محاصر ، لذا لجأنا للحلول البديلة ، بإعطاء السوق الموازية إذنا للبيع بشكل مؤقت ،وذلك بتحديد أسعار مناسبة للمواطنين ، لأننا إذا قمنا بإيقاف السوق الموازية ، و الغاز غير متوفر في المستودع العام فما الذي سيحل بالمواطنين ؟ .. سنحاول في المقام الأول توفير الغاز في المستودع العام و إن لم نستطع يبقى خيار الحل البديل . وأشار ” مصدر مسؤول إلى أنه ” ليس هناك ما يقال بحصص الجنوب وغيره ، فالباخرة عندما تصل إلى الميناء تحمل على متنها عدة ملايين من حجوم الغاز، و يتم توزيعها بتحويل ” 4 مليون حجم إلى سبها ” مثلا ، ولو كانت هذه الحصص بالمطالبة لكان أهل أوباري أول المطالبين بحصتهم من الحصة الإجمالية للجنوب ، ولكن الحصة المخصصة للجنوب لا تصل لأن الطريق غير مؤمنة ، و السماسرة هم من يدفعون لتأمين الطريق . ويذكر أن ” قوات الجيش الليبي عند دخوله لمدينة سبها قد صادر إ سطونات غاز الطهو ، مما ساعد في زيادة حدة الأزمة التي لم تنفرج حتى الآن .