- عفاف عبدالمحسن
شمس كل يوم تتشبث بموعد الإشراق .. فلمَ لا تتشبث الروح بفكرة الوطن دون تخمين بماذا لو كان الوطن ليس أرضا؟ صماء ..هكذا يعتقد البعض أنها صماء.. ماذا لو كانت السماء لا تغطينا، ولا تمنحنا ماء نقيا نورا مبهرا، وآخر كالثريات الخافتة في مساءات العشاق تؤنسهم .. وتدل المرتحلة في العتمة على درب تسكنه وردية القمر فيهتدي وجهته رافعا رأسه حين يصل مبتغاه مناديا شكرا يا مؤنسي القمر بفضلك لم أضيّع الطريق .. أو هامسا ما أروعك يا بدر لم تتركني تائها في عتمتيّ مساري وإيساري بهوى ضيعني، أأستمتع فيك وأنفر منك مفارقات متذبذبا؟ . يا تلافيفي ودثاري لن أقتنع يوما أنك بكل ما فيك لي ولهم ولنا مجرد وثن أصم أبكم لن أجزم وأنا المتغزل في عينيك الخضراوين تارة، السوداوين أخرى، والعسلية بلون الشهد ثالثة أنك لا تبصر .. مجرد وثن !! يا للتعبير المجحف، يا للجملة القاسية في حقك، وكأنك بعد كل منحك فكرة خاطئة تترصدنا أينما هربنا منك .. تعد أنفاسنا تراقب خطوَنا تعيدنا لأحضانك ولو عنوة، فقط لتعلمنا أننا من دونك مجرد أسماء تنتمي للاشيء تكتب على وريقات رسمية ثم تقذف الريح نثارها فتذوي ونذوي كأننا شيئا لم نكن . نتصور أننا ننتمي فقط للسماء روحا تهيم في الميتتين الصغرى فتعود، والكبرى فتستقر في برزخها، حتى يحين البعث، وننسى يا لوطن أنك تستحلبنا من ماء وطين تحتاجك أجسادنا حتما حين تغادرها الروح فنحفر فيك عميقا بمناجلنا وفؤوسنا ونرهق باطن بسيطتك تتحلل في مسام ترابك تلك الأجساد التي وطأتك بخيلائها لتعود إليك … هل فكرنا أن تشبثنا بك يعني أننا من أصلاب جدود وجدود وجدود، رفاتهم سكنت باطنك فسكنت فينا تعويذة لافكاك من طلسمها .. أسمينا ذاك السحر انتماءً .. وحققناه فيك شعارات نستنبطها من أعماقنا، سنمنحك يالوطن عطاء بعطاء .. سنرويك بدمنا وعرقنا .. سنكتب في حبك قصائدنا . الوطن هو المكان الأول الذي ترى عيناك سهوله وجباله وربيعه وأشجاره وأول ما تنفست رئتاك نسيم هواه وأول مكان تخبأت بين أحجاره لعبت في طرقاته وبين مبانيه فلم تشعر بقامتها الأطول من قامتك بكثير بل حلمت أن تطالها يوما أو تبني شبيهة لها لك ولأسرتك فكيف لا يشدك الحنين إليه مكانك الأثير بذكرياتك فيه حتى الحزينة ترويك من شجن المحبة والسلو بين أحضان من أحبوك، والجميلة تتزاحم صورها لتمنحك أملا بفعل آخر يشبه إلى حد ما ما كان ولكن بصيغة أعمق وأقوى وأحن وأقوى باسطا نور قلبك شعاعا من نور سيأتي باكرا هكذا ما قررت له ولك . ” كلما تنفست نسيمك .. أدركت أن الغد يأتي باكرا “.