سلمى مسعود
في زمنٍ بات فيه الصمت موقفًا، والتخاذل سياسة، والاستنكار سقفًا للهمم، تعود غزة من جديد إلى واجهة الألم الإنساني والخذلان العالمي. مدينة تتلقى الضربات لا كأهداف عسكرية، بل ككائنٍ بشري يتنفس بالمقاومة ويصرخ بالحق. قصفٌ ينهال على الأجساد قبل أن تستقر على الأرض مرة أخرى في مشهدٍ تقشعر له الأرواح، بينما ينادي مؤذنٌ باكٍ: “انقطع العون من أهل الأرض، لم يبقَ إلا أنت يا الله”.
في هذه اللحظات العصيبة، أصدر الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين فتوى تاريخية تقضي بوجوب الجهاد المسلح في فلسطين، مشددًا على ضرورة الحصار الكامل للاحتلال برًّا وبحرًا وجوًّا، والدعوة إلى تدخل عسكري فوري من قبل الدول الإسلامية. فتوى ليست مجرد بيان ديني، بل صرخة في وجه العالم الصامت، وموقف أخلاقي من مؤسسة دينية تجاه شعب يُذبح تحت كاميرات العالم.
رئيس الاتحاد، الدكتور علي القرة داغي، نشر نص الفتوى مفصلاً، داعيًا إلى دعم المقاومة الفلسطينية عسكريًا وماليًا وسياسيًا، وهو موقف يوازي دعوة حـ.مـ ـاس للأمة وأحرار العالم لتصعيد أشكال التضامن، ورفض مشاريع التهجير والتوطين، وتأكيد أن المقاومة هي السبيل الوحيد لاستعادة الحقوق.
غزة تُباد، والعالم يوثّق.
مع حلول الذكرى الـ49 ليوم الأرض، لا نجد أمامنا سوى دماء تُسكب، وبيوت تُهدم، وأحلام تُمحى، بينما “أكثر أمة عرفت الظلم”، كما وصفها الفلسطينيون، تكتفي بالتفرج. تلك التغريدة الموجعة التي كتبها كثير من الشباب الفلسطيني: “ساعات قليلة وستُمحى غزة… لن تجدونا إلا في الجنة”، ليست شعارًا، بل تصريح وداع من أناس أوفياء للحياة رغم طغيان الموت.
في خضم هذا المشهد، نستحضر حديث النبي ﷺ:
“أمتي أمة مرحومة، ليس عليها عذاب في الآخرة، عذابها في الدنيا: الفتن، والزلازل، والقتل“.
حديثٌ يُشبه غزة، ويجعلنا نتساءل: كم من العذاب يلزم لتكون أمةٌ من المرحومين؟
ليست حربًا على غزة، بل حرب على المعنى.
ما يحدث ليس مجرد حملة عسكرية، بل محاولة لإبادة التاريخ والجغرافيا والهوية والحق. إنها مواجهة مفتوحة بين القيم وبين الجشع، بين الإنسان وبين آلة الموت، بين ذاكرة الأرض وبين نسيان العالم. والمقاومة في فلسطين ليست فقط بالسلاح، بل بالثبات، بالبقاء، بالصوت، بالصورة، بالحلم الذي لا ينكسر.
أليس من المخجل أن تتحول دعوة المقاومة والدفاع عن الأرض إلى “فتوى جريئة”، وكأن نصرة المظلوم باتت استثناءً؟ أين الضمير العربي؟ أين قرارات القمم؟ أين صوت الشارع؟
أمام كل هذا، لا نملك إلا أن نكتب، ونصرخ، ونوثّق. عسى أن يجد الأمل طريقه في الزحام، وعسى أن تكون هذه الكلمات مدماكًا في جدار العدالة القادم لا محالة.