إستطلاع : بية فتحي
غزة ورفح تحت الأضواء الغائبة
عامر تواتي : مواقف الحقوقيين، وخاصة العرب، تثير الشكوك وتدعو للخجل.
–عائشة عداس : من يلتزم الصمت أمام قتل الأطفال فقد سقط أخلاقيًا قبل أن يسقط مهنيًا.
–الدفاع عن حقوق الإنسان لا يجب أن يكون انتقائيًا.
تتواصل الحرب الشرسة على غزة ورفح، حيث تتعرض المجتمعات الفلسطينية لأبشع أنواع الإبادة والجرائم الإنسانية. في ظل هذه الأوضاع المأساوية، يبقى صمت العديد من الدول العربية مثيرًا للدهشة والاستنكار، حيث نادراً ما تُسمع أصوات حقوقية تدافع عن حقوق الشعب الفلسطيني، في الوقت الذي يُفترض أن تتعالى فيه الأصوات للدفاع عن حقوق الإنسان، نجد أن العديد من الحقوقيين، لم يتحدثوا إلا قليلاً عن هذه المجازر ، الغالبية العظمى تظل صامتة أمام هذه المجازر. هل فقدت الشعوب العربية قدرتها على التعاطف مع القضايا الإنسانية؟ أم أن هناك أسبابًا أخرى وراء هذا الصمت المطبق؟

المدونة إيناس المجالي ، تعبر عما يحدث في غزة اليوم، فتقول: هو وصمة عار في جبين الإنسانية، وتشير إلى أن العدوان المستمر والحصار الخانق، يضاف إليهما الصمت الدولي والتخاذل العربي المخزي، يشكلان مشهدًا مأساويًا لم يسبق له مثيل في التاريخ الحديث.
وتؤكد المجالي أن الشعب الأعزل يُمنع من الغذاء والدواء، بينما يُقصف بلا رحمة و لا تصل أي مساعدات إنسانية كافية، قد تُنقذ الأرواح، ولا يوجد موقف عربي موحد يردع هذه المجازر.
“غزة ورفح، تواجهان حرب الإبادة في ظل غياب الصوت الحقوقي والحراك الشعبي “.
وتنتقد” المجالي” جمعيات حقوق الإنسان التي تكتفي بالصمت، بل تساوي بين الجلاد والضحية، مما يزيد من الألم ، كما تسأل عن غياب الحراك الشعبي، مستنكرة عدم وجود مظاهرات تهز العروش، متسائلة إن كانت الشعوب قد مُنعت من التحرك خوفًا أو أن القلوب قد ماتت.
” فريد إبراهيم” ناشط مدني من السودان ، يطرح سؤالًا مؤلمًا حول مبادئ حقوق الإنسان، حيث يتساءل عن غياب الضمير العربي أمام العدوان الهمجي الذي يستهدف غزة وأهلها بلا رحمة.
” هل العدل لدى الغرب يُمنح وفق مصالحهم وأهوائهم؟ “

ويؤكد إبراهيم ، أن الأصوات التي تدعي الإنسانية في العالم الغربي تتلاشى عندما يتعلق الأمر بمعاناة شعب يسحق تحت القصف والحصار.
ويتساءل إبراهيم إن كان الظلم واحدًا، أم أن العدل يُمنح وفق مقاييس انتقائية تخضع للمصالح والأهواء.
أما المدون “طارق الرفاعي ” كتب عبر صفحته على فيسبوك متسائلًا عن دور الغرب فيما يحدث. ويعتبر أن من أكبر عمليات غسيل المخ التي تعرض لها المجتمع هو تصديق أن الغرب يتمتع بأخلاق ومبادئ وحقوق إنسان.
ويشير إلى أن تلك المبادئ ليست سوى أدوات تُستخدم لخدمة المصالح، مؤكدا أن المجتمع الغربي يتسم بالنفعية ، حيث تُعتبر القيم مجرد استثناءات مقبولة.
وزعم الرفاعي ، كيف يدمر الغرب دولًا ويفني شعوبًا، ثم يتشدق بحقوق الإنسان؟، مشيرًا إلى أن الحضارة الغربية ليست أخلاقية، حتى وإن بدت كذلك.
مستنكرا صمت العالم عن صرخات الأطفال وأنقاض البيوت.
رافضا ، بأن يُجزأ العدل وتقاس الإنسانية بمعايير مزدوجة كما هو الحال الآن.
علي السالم” يرى أن الحكومات العربية تتحمل جزءًا كبيرًا من المسؤولية عن المجازر التي تُرتكب في غزة، حيث يتهمها بالتطبيع مع الاحتلال دون استتناء.
ويشير إلى أن الحقوقيين، الذين يتحدثون بصوت عالٍ عند أي انتهاك ، يبدون صامتين تمامًا تجاه ما يحدث من إبادة جماعية في فلسطين. ويقول: “لو قُتلت قطة لفعّلوا الهاشتاقات وصدّعوا رؤوسنا بأين الرفق بالحيوان! لكن مجازر غزة لا تحرك لهم ساكنًا.”

كما ينتقد السالم الشعوب العربية التي ترفض حتى مقاطعة المنتجات الداعمة للعدوان، متناسية أن كل دينار يُنفق على هذه المنتجات يُستخدم في قتل الفلسطينيين.
“سارة القذافي ” ، تدعو إلى ضرورة مقاطعة المنتجات الداعمة للاحتلال بشكل قطعي، مؤكدة أن هذه الخطوة ليست مجرد خيار بل واجب إنساني.
وتقول: “يجب علينا أن نتحرك بشكل جاد ونقاطع كل منتج يساهم في دعم العدوان على غزة ، مشيرة إلى أن كل عملية شراء تُعتبر دعمًا مباشرًا للمجازر التي تُرتكب يوميًا.”
وتضيف أن المقاطعة ليست مجرد وسيلة للاحتجاج، بل هي أداة فعالة تُظهر تضامننا مع الشعب الفلسطيني.
وتشدد على أهمية توعية المجتمعات العربية بأهمية هذه المقاطعة، معتبرة أن تغيير السلوك الاستهلاكي قد يُحدث فارقًا حقيقيًا في دعم حقوق الإنسان.
وتختم بالقول: “لنكن صوتًا لمن لا صوت لهم، ولنجعل من مقاطعتنا سلاحًا ضد الظلم.”
الدكتور عامر تواتي ، استشاري طب بالمركز الطبي في سبها، يشير إلى أن الموقف العالمي تجاه ما يحدث في غزة ليس موحدًا، بل تحكمه عوامل متعددة.
ويوضح أن الولايات المتحدة تقف بشكل كامل خلف ما تقوم به قوات الاحتلال ، عسكريًا واقتصاديًا وسياسيًا، ولا تتردد في استخدام الفيتو ضد أي إدانة، مهما كانت بسيطة.
ويضيف تواتي، أما الدول العربية فهي تتباين في مواقفها ، فبعضها يدين علنًا، بينما تتسم دول أخرى، خاصة المُطبّعة منها بالدعوة إلى التهدئة دون أن تجرؤ على إدانة الاحتلال.

كما يلفت الانتباه إلى انقسام الاتحاد الأوروبي، حيث يدعم بعض أعضائه حق العدوان في الدفاع عن نفسه، مما يُعد تأييدًا غير مباشر لما يقوم به من اعتداءات. وفي المقابل، هناك أصوات في دول أخرى تدين الغزو ، أما دول الجنوب، أو ما يُعرف بالعالم الثالث، عادة ما تكون مناصرة للشعب الفلسطيني، مثل جنوب أفريقيا وفنزويلا، بينما نجد آخرين مترددين أو خجولين في إدانة الجرائم.
ونوه أن الشعوب الغربية تُظهر تضامنًا أكبر مع الفلسطينيين ورفضًا لأعمال الاحتلال مقارنةً بالشعوب العربية.
مؤكدا على أن مواقف الحقوقيين، وخاصة العرب، تثير الشكوك وتدعو للخجل، بل تصل إلى حد العار.
عائشة مسعود عداس” تعبّر عن خيبة أمل عميقة تجاه دور دول العالم، وبالأخص الدول العربية، في مواجهة الانتهاكات التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني في غزة ورفح.
وتقول: “نرى تقاعسًا واضحًا وصمتًا مريبًا في وجه مجازر تُرتكب على مرأى ومسمع العالم وتقصير لا يمكن تبريره، سواء على المستوى السياسي أو الإنساني، حيث تغلب المصالح والمجاملات على حساب الدم الفلسطيني.”
وتشير عداس إلى أن ما يثير الحزن أكثر هو صمت الكثير من الحقوقيين، رغم فداحة الجرائم المرتكبة. وتؤكد أن “الدفاع عن حقوق الإنسان لا يجب أن يكون انتقائيًا ، مشيرة إلى أن صمتهم في هذا الوقت العصيب يُعتبر خيانة حقيقية للمبادئ التي يرفعون شعاراتها ليلًا ونهارًا.”

مؤكدة أن من يلتزم الصمت أمام قتل الأطفال وتجويع المدنيين وتهجير الأبرياء، فقد سقط أخلاقيًا قبل أن يسقط مهنيًا.”
ويُعبّر “محمود السوكني” عن استيائه من مواقف دول العالم، بما في ذلك الدول العربية، حيث تحكمها مصالح تحدد مواقفها السياسية وتوجهها حسب ما تقتضيه الظروف.
ويشر إلى أنه ، في ظل المواجهة الحالية التي فرضتها المقاومة، ومع النتائج المؤلمة التي نتجت عنها، ظهرت بعض الأصوات المسؤولة التي تندد بوحشية العصابات الصهيونية وما تقترفه من آثام تفوق كل تصور، مما يعكس شجاعة تحتاج إلى الإشادة، رغم المخاطر المحتملة.
ويضيف السوكني ، أن بعض الحكومات قد تجاوزت المعتاد ونددت أيضًا بالكيان المحتل وداعميه، مثل الرئيس الكولومبي الذي قطع علاقاته مع المحمية الغربية تضامنًا مع الشعب الفلسطيني، وهو ما لم تتمكن الدول العربية من القيام به.
ويعتبر السوكني أنه من العار ربط المصالح السياسية للحكومات العربية بموقفها المخزي من القضية الفلسطينية، زاعما أن مواقف الساسة العرب لا تعكس ضمير الوطن العربي.
مشيرًا إلى أن مبادئ حقوق الإنسان لا تتحقق مع من لا يستحقون ذلك ، ويؤكد أن الوضع الكارثي الذي تعيشه الأراضي المحتلة، وخاصة في غزة، يحتاج إلى أكثر من مجرد حقوقي يدافع عن الضحايا، لكنه يحتاج إلى بندقية توجه رصاصها إلى صدر العدو، نحتاج صاروخاً يهد معاقل الصهاينة ، نريد طوفاناً آخر وثالثاً ورابعاً حتى نحرر الأراضي المقدسة ، قائلا: لسنا في حاجة إلى حقوقي يندد ، لكننا في أمسّ الحاجة لفدائي يستشهد.
وتقول الصحفية سلمى مسعود إن المجتمع الدولي عمومًا، والعربي خصوصًا، لم يرتقِ إلى مستوى الحدث في مواجهة الانتهاكات التي يتعرض لها الفلسطينيون. وتشير إلى أن أداء المجتمع الدولي اتسم بالعجز والتواطؤ، مما يُمثل قمة الانهيار الأخلاقي والإنساني.
مؤكدة أن ما يحدث اليوم في غزة ورفح ليس مجرد نزاع عسكري، بل هو إبادة جماعية ممنهجة تُرتكب بحق شعب أعزل يُقصف ويُحاصر ويُجَوَّع ، والعالم يقف متفرجًا أمام أبشع الجرائم الإنسانية دون أن يتحرك لوقفها بمواقف حقيقية، بل حضور فاضح للصمت والتبرير والتقاعس ، متجاهلين الحقائق.
ووصفت مسعود الدول الغربية الكبرى، التي ترفع شعارات حقوق الإنسان، لممارستها ازدواجية مخزية في المعايير فهي تُدين العدوان في أي مكان آخر، لكن حين يتعلق الأمر بفلسطين، تلوذ بالصمت أو تقدم المبررات، وكأن الدم الفلسطيني لا يستحق الإنصاف أو التعاطف.
أما بالنسبة للدول العربية، فتقول إن معظمها يقف موقفًا باهتًا لا يليق بكرامة الأمة ولا بحرارة القضية. تُشير إلى أن بيانات الإدانة لا تتجاوز الحبر الذي كُتبت به، وأن عبارات القلق العميق أصبحت عنوانًا للضعف والعجز بدلاً من المسؤولية والالتزام.
وتؤكد مسعود أن هناك تقصيرًا واضحًا، بل وتواطؤًا في بعض الأحيان، يعود إلى الخضوع للضغوط الدولية والخوف من فقدان المصالح ، وتعتبر أن ما يجري اختبار حقيقي لمصداقية الشعارات ولمبادئ حقوق الإنسان التي يدّعي الجميع الدفاع عنها.
تردف بالقول إن المطلوب ليس فقط الدعم الإنساني، بل يجب أن يكون هناك موقف سياسي واضح وتحرك قانوني عاجل ومقاطعة اقتصادية فاعلة، بالإضافة إلى دور إعلامي صادق يفضح الجرائم بدلاً من تغطيتها.
من جهته أعرب الناشط السياسي “عمر أبوسعدة” عن ضرورة إدراك المفهوم السائد عند الشعوب والمجتمعات الحرة في العالم في تصنيف الاحتلال الصهيوني للأراضي الفلسطينية بجبروته وبطشه ووحشيته.
ويؤكد أن هذه القضية تؤرق مضاجع من له ضمير حي وإنسانية في هذا العالم ، مشيرا إلى أن الحكومات العربية تتعامل مع هذه القضية منفردة ودون تضامن أو تنسيق فيما بينها، مما يُظهر ضعفًا في المواجهة للضغط على الكيان الصهيوني المحتل.

ويقول أبوسعدة إن هذا الضعف لن يتغير إلا في حال خلق رؤية عربية موحدة تجاه القضية الفلسطينية ، وعلى الرغم من أن البعض قد يرى أن هذا الاحتمال بعيدٌ، إلا أنه يعتقد أنه ليس مستحيلاً. ويُشير إلى أن قصور الحقوقيين العرب في المحافل والمحاكم العدلية الدولية، والصمت المخزي تجاه القضية الفلسطينية، هو جزء لا يتجزأ من الوضع والمشهد العربي العام.
ويعتبر الكاتب أحمد قرين أن مصطلح “الانتهاكات” هو تعبير خفيف جداً أمام ما يحدث من إبادة جماعية ومجزرة بشرية متكاملة الأركان وسط صمت مُخزٍ وعجزٍ فاضح، بل تواطؤ من الجميع دون استثناء.
ويُشير قرين إلى أن الجميع يقف متفرجًا أمام وحشية غير مسبوقة تمارسها آلة تدمير هوجاء تعمل وفق أحدث التقنيات بعنف ليس له غاية سوى العنف ذاته.
ويقول إن البشر منذ نشأتهم الأولى تعارفوا على ممارسة العنف كوسيلة لفض المنازعات، لكن أن يصير العنف لأجل العنف، فهذا انحراف أخلاقي مروع.
ويضيف قرين أن التقصير موجود من الجميع، وأن بعض الأشخاص قد يشعرون بنقص واضح في وسائل الضغط لإيقاف المجازر المتتالية، بينما يشعر البعض الآخر باللامبالاة تجاه ما يحدث.
أما بالنسبة لدور الحقوقيين، فيقول قرين: إنه أثبتت الأحداث أن الكلام المنمق عن حقوق الإنسان هو محض كلام بلا وزن في معادلة القوة ، ومع ذلك، لا يمكن إنكار موقف الكثير من المنظمات والأفراد حول العالم الذين يرفضون الممارسات الوحشية. لكنه يُشير إلى أن العالم إجمالاً يعيش حالة من الفصام الحاد، حيث يردد شعارات لا يملك سواها، ليغسل بها ضميره ويخلي مسؤوليته من هذه الجرائم.
وبحسب اعتقاده يقول إن الجميع خونة ومنافقون، وإنه على العالم كله أن يراجع مجموعة قيمه ومبادئه، فقد سقطت جميعها أمام هذا الامتحان العسير الذي فشل الجميع في تجاوزه ، مشيرا إلى أن النتيجة النهائية هي أن كوكب الأرض لم ينجح أحد في جميع المواد.
ومن جهته أصدر ” الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ” فتوى تؤكد على وجوب الجهاد المسلح ضد الاحتلال في فلسطين، داعياً إلى حصار شامل للاحتلال براً وبحراً وجواً. وشدد الاتحاد على أهمية التدخل العسكري الفوري من قبل الدول الإسلامية لدعم المقاومة الفلسطينية.
وأكد الاتحاد أن الجهاد بالسلاح ضد الاحتلال يُعتبر واجبًا شرعيًا على كل مسلم قادر، مشيرًا إلى ضرورة دعم المقاومة الفلسطينية في جميع المجالات، بما في ذلك العسكرية، والمالية، والسياسية، والحقوقية، كواجب شرعي لا يُمكن التهاون فيه.

كما جدد الاتحاد تحريمه القاطع لأي شكل من أشكال التطبيع مع الاحتلال، بما في ذلك تزويده بالبترول أو الغاز الطبيعي، مؤكدًا على أهمية الوحدة الإسلامية في مواجهة الاحتلال.
ما يحدث في غزة يفوق التصور ، فقد قُصف أكثر من 600 موقع في يوم واحد، ولم يُحصر عدد الشهداء بعد، مما يجعل الحصيلة الدقيقة مجهولة، فقد تم استهداف المدارس التي تأوي النازحين.
رفح، التي كانت مملوءة بالناس والفرح، أصبحت تحت الركام ، الشوارع التي كانت تضج بالحياة وتحمل الضحكات، قد تحولت إلى رماد وأنقاض. ومع ذلك، لا يزال الشعب الفلسطيني صامدًا، وإرادته لا تنكسر، والشعوب العربية في حالة من الصمت، وكأن لا حياة لمن تنادي.