صالح حصن
(2 من 3) “إيلاف قُريش” وطريق الحرير
عام 2013 اطلقت الصين مُبادرة”الطريق و الحزام ” التي قامت على نسق “طريق الحرير التاريخي القديم”، وتهدف لربط الصين بالشرق الأوسط وأوروبا وإفريقيا، و يتوقع أن تستثمر فيها ما بين 6 إلى 8 تريـليون دولار على إنشاء البنى التحتية التي ستشمل تعبيد طرق و موانئ بحرية ومد سكك حديدية وإنشاء مراكز صيانة وخدمات على طول الطريق العابر لـقرابة 90 دولة. وبالمقابل تزعمت أميركا مع الدول الصناعية ال7 مُبادرة “طريق الهند” كمشروع منافس بتوقيع تفاهم يتضمن إنشاء ممر اقتصادي يربط الهند بأوروبا عبر الشرق الأوسط، بقيمة مُقدرة 600 مليار دولار، وقد وقعت التفاهم معهم جميع دول أوروبا الإستعمارية والسعودية والإمارات. يتكون “طريق الهند” من ممرين هما الممر الشرقي ويربط الهند بالخليج العربي، والممر الشمالي ليربط دول الخليج بأوروبا، وسيحتوي سكك حديدية وموانئ وخطوط نقل الغاز والكهرباء وكابلات نقل البيانات. أما إسرائيل فتقول أنها ستكون طرفاً رئيسيا مهماً بعد اكتماله!! وقد احتفى الصهيوني الإسرائيلي “نتنياهو” بالمشروع واعتبره تغييراً لملامح المنطقة. فما معني ذلك؟. سؤال ليس سهلاً جوابه لكن “البَعرة تدل على البعير”.
واضح أن لكلا المشروعين الاقتصاديين أبعاداً “جيوسياسية”عميقة وبعيدة الأثر، من شأنها تغيير حياة البشر أضعاف مُضاعفة عن ما نتج عن طريق الحرير التاريخية من تلاقح حضارات الشعوب و توحيد معتقداتها وسلوكها فكل من المشروعين سيمر بحوالي 4.4 مليار من البشر، ما جعل الصهيونية ترى أنها أحق بحصد نتائج هذه المشاريع العملاقة. أما مصادر تمويل المشروعين و رسم مسارهما فهو موضوع العصر الرئيسي والمحرك الحالي للسياسة والصراعات و مُشعل نيران الفِتَن و الحروب في العالم وما الحرب على “غزة” إلا شرارة أولى لإشعالها.
لا تغيب أميركا وأوروبا عن أي حروب وفتن في العالم و خاصة في الشرق الأوسط ومن المسلم به أن أميركا هي الشريك الأمني المُهيمن في إفريقيا والخليج العربي لكنها لا ُتخفي قلقها من توسع نفوذ الصين الاقتصادي فيهما خاصةً بعدما بدت لها مؤشرات تسترعي الانتباه منها مثلاً انضمام السعودية والإمارات مؤخراً لتجمع “بريكس” الاقتصادي بزعامة الصين مع دعم روسي والتجمع غير الخاضع لنفوذها المُباشر كما و أن هاتين الدولتين الغنيتين جداً عضوان بارزان في مبادرة الصين “الطريق والحزام” إضافة لتطور النمو الكبير لشراكاتهما التجارية مع الصين فخلال الفترة 2022- 2023 صارت الصين ثاني أكبر شريك للسعودية ووصل حجم التجارة الثنائية بينهما إلى 52.75 مليار دولار. ولأن أميركا وأوروبا غير مكترثتين بانتاج المصنوعات غير الحربية ما جعلهما لا تنافسا الصين فلا بد إذن من إيجاد مُنافس تجاري مناسب للصين في المنطقة لا يؤدي تمركزه في الشرق الأوسط لإقلاق أو تقويض المصالح الأميركية فيها، وليس غير “الهند” دولة مؤهلة لذلك خاصةً وقد ارتفعت شراكتها التجارية مع السعودية لرابع أكبر شريك وازداد تبادلها التجاري مع الإمارات خلال ذات الفترة 2022- 2023 إلى 85 مليار دولار فأصبحت الشريك الثالث معها وثاني أكبر وجهة تصدير لها. إذن يجب خلق تجمع يلم أميركا و أوروبا و الهند و دول الخليج ويحرم الصين من التسلل للشرق ا لأوسط خاصة إذا ما نجحت الصين في إنشاء طريق الحرير الجديد (مشروع الطريق و الحِزام). فكانت مبادرتهم المُنافسة المسماة ( طريق الهند) من أجل كسب السبق.
عقبات هامة رافقت بداية المشروعين.
التمويل كان العقبة الرئيسية أمام كلا المشروعين سواء الصيني أو الأمريكي، فالمحسوب هو أن تتكفل الدول التي يمر عليها أي من الطريقين بتمويل البُنى التحتية التي تُقام على أرضها عن طريق إقراضها المال من الدول الغنية ثم تسدده على دفعات، لكن واقع الحال لم يتماشى مع ذلك المحسوب. فوفقاً لوزارة الخارجية الصينية، أن الصين قدمت خلال عقد واحد قروضاً، لحوالي 150 دولة، بقيمة تريليون دولار كاستثمارات ومنح وتمويل لمشروعات وبذلك صارت الصين، لأول مرة، أكبر دائن رسمي في العالم . لكن كثير من الدول النامية عجزت عن سداد ديونها، وباتت الصين تخشى على تلك الديون من الضياع، كذلك لاحت عراقيل للمبادرة الأميركية، فبرغم ما تقدمه الدول الغربية من وعود وما تثيره من تخويف الدول الفقيرة من المارد الصيني فإن الدول الغربية الغنية لم تدفع إلا القليل من الأموال التي وعدت بها وقامت برصدها في ميزانياتها للمشروع. ويقول خُبراء غربيون ” إذا كان الغرب راغباً حقاً في منافسة الصين فيما يتصل بالاستثمارات الخارجية في البلدان الأكثر فقراً، فيتعين عليه أن يحول خطاباته الجوفاء إلى واقع ملموس”.
حروب يتم إشعالها لرسم خرط جديدة لمنطقة الشرق الأوسط وهي بوادر لهذين المشروعين و”غزة” كما يبدو هي الشرارة الأولى فلماذا غزة دون غيرها؟ هذا ما سنتناوله في المقال القادم (3 من 3).