- منصور عمر الدالي
الطبيعة التي نعيش في أحضانها وتُحيط بنا في هذا الكون الفسيح تُشكل حياتنا وتُكسبنا سمات وصفات مميزة , وتُهيأ لنا بيئة ملائمة نمارس فيها حياتنا بهدوء وسلام , ونحن ندرك أن الطبيعة تتحكم فيها نواميس لا نستطيع في الغالب إلا الاستسلام لها , ومع هذة الحقيقة الدامغة فالإنسان هو المخلوق الوحيد الذي يمتلك فضول المعرفة , ولديه من العناد ما يجعله لا يستسلم وينقاد بسهولة , حتى ولو كان في هذا الانقياد مصلحته بل سلامته من التهلكة , فحب التأمل والقدرة على الفهم والتحليل , ونزعة السيادة الكامنة في الإنسان وحب السيطرة على مجريات الأمور , تُوجد نوعاً من الصدام بينه وبين الطبيعة , تجعله يزيد من سرعة الركض لإثبات الذات , مع الأخذ في الاعتبار أن السعي وراء معرفة أسرار الطبيعة وترويضها لا يتوفر في كل الظروف لوجود العديد من الظواهر يكتنفها الغموض وتلفها “الميتافيزيقيا” والتعامل الخاطئ معها أشبه بفك لغم جاهز للانفجار , ورغم المجازفة والمخاطرة فالإنسان دائم التطلع إلى الكشف عن الأسرار بدافع من حب المعرفة الجامح لديه , وفي بعض الأحيان يؤدي به الغرور إلى التدخل الخاطئ بغرض إخضاع الظواهر الطبيعية إخضاعاً كلياً لسيطرة العقل البشري , ولكنها أي ـ الطبيعة ـ خُلقت وفق قوانينها وتسير بمقتض ناموسها الإلهي وتدخل الإنسان عنوة في شؤونها بقصد الظفر بنتائج ومكاسب معينة دون التفكير في العواقب بمثابة تعدي على نظامها مما يُؤدي إلى حالة من الاستفزاز والتحدي لجبروتها , ينتج عنه رد فعل عنيف يظهر في شكل آفات قاتلة تحصد أرواح الآلاف من البشر , وأمراض خطيرة تنتشر , لتُعبر الطبيعة عن سخطها وعدم رضاها على تمرد الإنسان على فطرتها السليمة وعلى التلوث والفساد المستشريين والذي يتركه الإنسان من حوله والتلاعب بقوانين الطبيعة وبالهندسة الوراثية للمخلوقات صغيرها وكبيرها , والحروب البيولوجية من تخليق للفيروسات الشيطانية الفتاكة , وعمليات الإنتاج غير الطبيعية بغية الكسب السريع على حساب سلامة البيئة وصحة الإنسان , كاستخدام المبيدات الحشرية بشكل مفرط ومخصبات النباتات والأسمدة الكيماوية المهلكة للتربة , واستعمال مواد التضخيم غير الطبيعي للثمار , وحتى جسم الإنسان نفسه لم يسلم من الحقن بمواد مضخمة للأعضاء كمادة “السليكون” وإنتاج أعلاف ضارة لأنها ضد طبيعة ما تتغذى عليه الحيوانات فطرياً , فأصبحت الطيور والأبقار والأغنام تتغذى على اللحوم من بقايا الدواجن والأسماك والمواد الكيماوية بدلاً من تناولها للحبوب والأعشاب , والكثير من البشر حادوا أيضاً عن الفطرة الصحيحة في الأكل وأصبحوا يتناولون ما يضرهم ويجلب لهم الآفات والأسقام المميتة , ناهيك عن الأبخرة السامة المنتشرة في كل مكان والتي وصلت إلى طبقات الجو العليا , كذلك الإشعاعات الذرية فهي ثالثة الأثافي حيث تنطلق من التجارب المنتشرة في بلدان كثيرة من أمصار العالم وتلوث الخضروات واللحوم التي نأكلها وأحياناً تلج مباشرة في أجسادنا منبعثة من باطن الأرض نتيجة طمر النفايات النووية فيها فانتشرت أمراض مهلكة بيننا كالسرطان وفقدان المناعة الطبيعية والتشوهات الخلقية والإجهاض وغيرها كثير من الأمراض الفتاكة , وكذلك تسببنا في إصابة الحيوانات البريئة بأوبئة خطيرة كجنون البقر وأنفلونزا الطيور وأتلفنا طبقة الأوزون وزادت درجة حرارة الأرض وبدأ يرتفع منسوب مياه البحار والمحيطات مما يهدد بابتلاع مدن وقرى ساحلية واختفاءها نهائياً من على الخارطة , كل ذلك نتيجة الممارسات المضادة للطبيعة والمناقضة لها , فيظهر غضبها في صورة طفرات مرعبة تحير الباب البشر وتريهم عنفوانها وتعلن لهم بأن الله خلقها على الفطرة السليمة ولم تُخلق للخضوع كمطية يُلهى بها بشذوذ , وما فيروس “كورونا” إلا برهان ودرس واضح للبشرية . قال تعالى : “ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون” سورة الروم آية 14 . ورغم ذلك يظل الإنسان هو المخلوق الوحيد على ظهر الأرض الذي يدخل في صراع مع الطبيعة من اجل التحكم في ظواهرها . فهل ينجح في ذلك أم هو مجرد سباحة ضد تيار جارف من تيارات الطبيعة المهلكة ؟