فاصلة بين نهرين

فاصلة بين نهرين

غفران طحان

 كانت سعادةُ أمّي كبيرة عندما عرفت بأنّها قد أنجبت بنتاً، على الرغم من تأكيد الطبيبة لها بأنّها سترزق بصبي، وقد أفرغت سعادتها بألعاب وملابس وهدايا لي، ولكنّ سعادتها الحقيقيّة كانت تظهر بشكل كبير مع شعري، فقد ولدتُ كما كانت تتمنى، بشعرٍ أسود حريريّ، استطاعت أن تزيّنه بوردة منذ شهري الأوّل!

أبدعت أمّي خلال سني عمري الأولى في اختراع تسريحات شعري، أذكر كيف كنت أجلس كأميرةٍ على كرسيٍّ زهريٍّ أحضره لي والدي في عيد ميلادي السادس، وأنا أحمل صولجاناً من الحلوى أو المثلجات، أو دميةً جديدة، أو قصّة شيّقة، وأترك لها شعري؛ وأنا متحمسة لإشعال الغيرة في عيون بنات الحيّ والمدرسة.

تسريحة ذيل الحصان هي المفضلة لديّ على بساطتها، تشعرني بأنّي حرّةً مندفعةً، أمتلك ذيل الحصان، فأقلّد صوته وأصهل عالياً، أحرّك رأسي جيئة وذهاباً باستمرار لأسترجع الشعور الذي يترافق مع صوتي، فأنال تأنيب المعلّمة على حركتي المستمرة.

أمّي كانت تفضل تسريحة الجدائل، تلك التي تبدأ من أوّل الغرّة، وتنتهي بعقدةٍ في الطرف الأخير من شعري، كنت أشعر معها بأنني مربوطة، لكنّ أمّي كانت تطمئن على نظافة شعري بهذه التسريحة، فإن حان موعد فكّ الجدائل، ينهمر شعري كنهر متماوج، أدور فيه البيت كلّه سعيدةً ضاحكة، ومتناسيّةً الألم الذي كان يشدّني.

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :