(فسانيا/مصطفى المغربي)
لتقييم الأوضاع الإنسانية الصعبة في المناطق المتضررة من الإعصار والفيضانات، نظمت جولة ميدانية لفرق الرصد والتقصي بالمجلس الوطني للحريات العامة وحقوق الإنسان، لمدة تزيد عن عشرة أيام منذ اليوم الأول للأزمة في مناطق: درنة، وسوسة، والبيضاء، وشحات، والبياضة، والوردية، والمخيلي.
هدفت الجولة إلى الرصد والتقصي عن احتياجات الإنسان بعد الكارثة، ومنع حدوث أي نوع من الانتهاكات لحقوق الإنسان، والتصدي لها في مثل هذه الظروف الصعبة على عدة مستويات، والوقوف على تداعيات الكارثة الصحية والبيئية والاقتصادية والنفسية والاجتماعية.”
ويقول محمد الزناتي أحد أعضاء هذه الفرق:” الكوارث الطبيعية تحمل تحديات كبرى وآلامًا لا حصر لها للإنسان والمجتمع، بفعل ما تخلفه من أضرار على مستوى الأرواح البشرية والعمران، لذلك هي فاجعة تفجع كل من أصابته، ومدينة درنة وعدة مناطق وقرى حلت فيها الفاجعة والكارثة، فإضافة لما حل بها كانت كل الطرق المؤدية لها مقطوعة والصالح منها وعرة، والوصول إلى أماكن آمنة للناجين النازحين أضاف معاناة أخرى، ناهيك عن أن النزوح إلى المناطق الآمنة من الأساس تنقصها التنمية، وبالتالي الاحتياجات الأساسية تزداد، وكل يوم تتضح الكارثة أكثر في ظل تزايد عدد الضحايا والكشف عن أرقام كل يوم، إضافة للأوضاع الاقتصادية التي تزداد سوء بسبب الكارثة .
محمد الزناتي
وأضاف:” لهذا كنا كفرق رصد وتقصي بالمجلس الوطني للحريات العامة وحقوق نقف على كل كبيرة وصغيرة، حتى نضمن توفر كل ما يلزم الناجين والمساعدة في حمايتهم وحماية حقوقهم، وابراز المبادرات للحفاظ على الحق في الصحة والتعليم وغيرها من الحقوق الأساسية، التي يجب أن يتم التركيز عليها في المستقبل، فمع استمرار جهود الإغاثة وتخفيف الضرر، لابد من تظافر الجهود من أجل العودة الآمنة للمدارس، والتجهيز المرافق الصحية، وإصلاح الطرق والجسور لتهيئة بيئة آمنة لحياة ملائمة”.
وتابع :”فالمدن القريبة من درنة، كسوسة وبالرغم من نكبتها هي الأخرى، وشحات والبيضاء ستتحمل عبء ما ترتب عن الكارثة بدرنة، فمن الطبيعي حيث أن كل من كان في درنة سيتجه نحو الصحة والتعليم والسكن، فلابد من الدولة والحكومة إعداد خطط وبرامج لاستيعابهم مع معاناتهم من أضرار لحقت بهم اصلاً .
بينما نوه عضو الفريق أسامة عبد الله الوتوات إلى الأضرار البيئية التي خلفتها الفيضانات والسيول، موضحاً “الوتوات” أن منطقة البياضة والتي تبعد عن مدينة بنغازي نحو 180 كم شرقاً، وحوالي 30 كم غرب مدينة البيضاء، وهي بعيدة عن مدينة درنة وما حل بها ولم يسقط بها ضحايا، إلا أنها منطقة تعتبر دمرت ولم تعد بيئة صالحة للسكن والمستشفى القروي بها تعرض دوره الأرضي بالكامل للسيول ودخول الطين واتلفت جميع الأجهزة والأدوية الطبية ، كما أن خزانات الوقود تعرضت للتخريب مما أدى إلى كميات كبيرة من الوقود ذهبت واختلطت مع مياه الشرب .
وأضاف “الوتوات” وليس بعيداً عن البياضة وعلى طريق الجبل الأخضر نحو مدينة البيضاء، تعرضت قرية الوردية للتدمير بالكامل حيث سقط فيها ما لايقل عن 24 ضحية عثر حتى لحظة تواجدنا فيها على 6 جثث وجميعها تم انتشالها بطرق بدائية بمعية أهالي المنطقة دون مساعدة أحد ولم تصلها أي فرق الانقاذ، وهناك مناطق أخرى بحاجة إلى مساعدات إنسانية كمنطقة (وادي الحجال) و(جرجر أمه) وهي حتى للحظة تواجدنا محاصرة ولا يمكن الوصول إليها إلا سيراً على الأقدام لمسافة لا تقل عن خمسة كليو مترات.
وفي منطقة (المخيلي) جنوب درنة 130 كم شرق بنغازي 263 كم، توجهنا إليها بعد حصار نحو خمسة أيام، وهي منطقة كل منازلها تضررت، ومرافقها تدمرت، مستشفى المخيلي أصبح خارج الخدمة وغارق في الوحل والطين، كل عائلاتها يعيشون في منزلين فقط، سقط فيها 6 ضحايا، وأيضاًمناطق “قندولة” و”تاكنس” لحقت بها الأضرار، إضافة للبيضاء وشحات، وبالعودة لمدينة سوسة التي كانت محاصرة لثلاثة أيام حيث الطرق الرئيسية المؤدية لها جرفتها السيول وسقط فيها آلاف الضحايا، والأمواج تلفظ في الجثث، ومعظم منازلها لم تعد صالحة للسكن، والقبور جرفتها التربة والطين والوحل، ثم مناطق (راس الهلال) و(لثروم) غرب مدينة سوسة شرق درنة، إلى مدينة درنة التي يعلم الجميع ما حل بها.
ونتيجة لما تقدم حذر “الوتوات” من كارثة بيئية قادمة لا محالة، فلهذا كانت فرقنا بالمجلس ركزت على ما بعد الكارثة، وقال في هذا الصدد:
تم إعداد تقرير مستعجل فصلنا فيه الأضرار البيئية بسبب مخلفات الكارثة من تلوث مياه الشرب نتيجة اختلاط مياه الشرب بمياه الصرف الصحي ومواد نفطية، والآفات النباتية وتفشي الأمراض الحيوانية وتسربات المواد الكيماوية من المستشفيات وغيرها، والتكاثر السريع للطحالب، لوضع خطة عاجلة لتلافي كل ذلك، وأوضحنا في التقرير عمليات انتشال الجثث ورفع الأنقاض في ظل ظروف صعبة، إضافة لتقييم احتياجات النازحين وسكان درنة وغيرها من المناطق المنكوبة .
من جانبه أوضح رئيس فرق المجلس الموفدة للرصد والتقصي بالمنطقة الشرقية أحمد دياب: أن هذه المهمة للفريق ضمن المهام الأساسية المنشئ من أجلها المجلس الوطني للحريات العامة وحقوق الإنسان، وبناء على تعليمات المكلف بتسيير اعمال المجلس عبدالمولى أبونتيشة، وعلى الفور توجهت فرق عمل من المجلس إلي المناطق المتضررة بمدن المنطقة الشرقية، مبيناً أن هذه الفرق تضم مختصين في التقصي والرصد واستقبال الشكاوى، ومتابعة الأوضاع البيئية، والاعلام، بهدف زيارة الأماكن المتضررة من الإعصار والفيضانات والسيول، ولقاء المواطنين والاستماع إليهم، ومعرفة وتوثيق حاجاتهم الانسانية والصحية والاجتماعية، والتنسيق مع الأجهزة المعنية لتوفير أماكن للإيواء المتضررين من الإعصار، وإعداد موقف يتضمن الوضع الحقيقي للإضرار الإنسانية، وإعداد تقرير يعرض على الجهات التنفيذية للقيام بواجباتها حيال التخفيف من الاضرار الإنسانية الناجمة عن هذه الكارثة الطبيعية .
أحمد دياب
وأشار ذياب إلى لقاء فريق الرصد والتقصي الموفد من قبل رئاسة المجلس، لتقييم الأوضاع الانسانية الصعبة بالمناطق المتضررة بمدير إدارة المنطقة الشرقية بالمجلس ورؤساء الأقسام والوحدات بالمنطقة، حيث وضعت إدارة المنطقة الشرقية بالمجلس في صورة ما تم إنجازه خلال جولة الفريق في المناطق المنكوبة.
وأوضح ذياب جهود فرق المجلس بالمنطقة الشرقية في متابعة ومساعدة لجان الإغاثة وفرق الإنقاذ، وتحديد احتياجات وأولويات المناطق المتضررة من السيول خلال الفترة المقبلة، مؤكداً ذياب أنه تم الاتفاق على إنشاء شبكة للرصد والتقصي موحدة بكافة المناطق التابعة للمجلس، إضافة لذلك تم تحديد آلية تواصل مستمرة مع الإدارة العامة بالمجلس، بهدف تجميع البيانات الإحصائية الدقيقة، على ما يتم رصده من تداعيات لهذه الكارثة على الانسان والبيئة والمحيط بمدينة درنة والمناطق الأخرى بالجبل الأخضر.
وأشار ذياب للقاء الذي تم بمدير عام مركز بنغازي الطبي “د. فتحية العريبي” مع فريق الرصد والتقصي بالمجلس الوطني للحريات العامة وحقوق الإنسان، حيث وجهت بضرورة توفير وتسليم معدات الحماية الشخصية، من بدل الوقاية، والكمامات، ومواد التعقيم، والإسعافات الأولية لفريق الرصد والتقصي بالمجلس الوطني للحريات العامة وحقوق الإنسان.
واختتم ذياب بالشكر والتقدير لكل من ساهم وساعد فريق والتقصي بالمجلس الوطني للحريات العامة وحقوق الانسان لتسهيل مهمته، من الهلال الأحمر الليبي وادارة المنطقة الشرقية، ومركز بنغازي الطبي، ووزارة الداخلية وخاصة السيد “الصديق القمودي”، والسيد “عبد الحكيم العربي” .
هذا وكان ضرب إعصار دانيال فجر الاثنين الحادي عشر من سبتمبر الجاري، السواحل الشرقية لليبيا، وبالتحديد مدن بنغازي والمرج، وقرى البياضة والوردية، وقندولة، والمخيلي، ومدن البيضاء، وشحات، وسوسة، بالإضافة إلى مدينة درنة التي كانت أكثر المدن تضرراً جراء هذا الإعصار، مخلفاً قتلى تجاوزا 11 ألفا و300 قتيل، إضافة إلى 10آلاف و100 مفقود وآلاف النازحين حتى تاريخ نشر المقالة.
وهي تعتبر كارثة طبيعية وإنسانية لأول مرة بهذا الحجم في ليبيا ، فاقت كل التقديرات حيث أصابت مدن الشرق الليبي بعد أن غمرتها مياه الفيضانات ودمرت أحياء بأكملها، كما جرفت المياه آلافا لا حصر لها من السكان إلى البحر .