- حاورها :: سالم البرغوثي
نائمة على بحر من الأحلام والرؤى .كل ما فيها إنساني بشراسة .تسابق الزمن في تحقيق الأحلام وشيء من المستحيل .هي أشبه بسيدة لم تولد بعد .هي الأم هي الإنسان هي القوة هي بنت البلد هي سفيرة بلا سفارة هي المعنى الحقيقي للعاطفة الإنسانية في أسمى معانيها. فريدة الحجاجي كشجرة السنديان صلابة واخضرار دائم وكنبتة الصبار التي تستخدمها الطيور كملجأ من الأعداء وكشجرة الأرز في المقاومة وكطائر الفينيق رمزاً للتجدد ولدت فريدة الحجاجي في طرابلس . والدها الشيخ الأزهري المرحوم المهدي الحجاجي خريج دار العلوم بجامعة الملك فؤاد في أواخر الأربعينيات. درست الابتدائية والإعدادية والثانوية في مدارس طرابلس وكانت متفوقة في دراستها وشاركت في المناشط الفنية والثقافية والرياضية مما كان له الأثر في تكوين شخصيتها . التحقت بجامعة روما لدراسة الصيدلة ولكنها في السنة الدراسية الأخيرة أدركت أن ميولها يشدها للأعمال الحرة وللأنشطة الثقافية قامت بعد تخرجها بتأسيس شركة في روما لتقديم الخدمات المساندة للشركات الإيطالية التي تعمل مع الدول العربية وخلال عملها قامت بتحضير رسالة الماجستير في التسويق ومهارات التواصل .

نَشَأْتُ فِي أحْضَانِ الثّقَافَة الإسْلَامِيّة فِي أسْرَةٍ جَمَعَتْ بَيْنَ الأصَالَةِ وَالمُعَاصَرَةِ فِي آنٍ
قامت مع آخرين بتأسيس الجالية العربية في إيطاليا وتولت بمبادرة منها في التعريف بالفنون الإسلامية في المدارس الأجنبية بروما وتنظيم رحلات للطلاب للمسجد الكبير في روما وشرح وتوضيح مبادئ الدين الإسلامي . عادت إلى ليبيا للمشاركة في التغيير وذلك بإدخال مصادر دخل أخرى بجانب النفط فقامت في 2013 بتأسيس شركة في مجال الاستثمار السياحي لإيمانها بأن ليبيا تملك إمكانيات هائلة لتكون بلداً سياحياً من الطراز الأول لكن عدم استقرار الأوضاع جعل أحلامها تبقى مجرد حبر على ورق .
كثيرة هي أحلام فريدة الحجاجي وقائمة أعمالها تطول ولا يسعنا أن نعددها جميعا في الوقت الحاضر، بجانب عملها كمحاضرة متعاونة مع بعض الجامعات الإيطالية ، تقوم بتخصيص معظم وقتها للأعمال التطوعية حيث انضمت إلى أكبر المنظمات في روما والتي يتركز نشاطها في تعليم النساء المهاجرات من بلدان العالم الثالث اللغة الإيطالية وتقريبهن من الثقافة والفنون الإيطالية ودمج أبناء الجيل الثاني من المهاجرين في حياة المجتمع الإيطالي بطريقة فعالة مساهمةً منها في غرس مفهوم التعايش السلمي بعد تزايد مظاهر العنصرية تجاه المهاجرين.
الغَرْبِيّونَ يُدْرِكُونَ تَمَاماً أنّهُ لَوْ لَمْ يَأتِ هَذَا الدّينُ بِالْقِيَمِ السّامِيَة، لِمَ آمن بِه أكْثَرُ مِنْ مِلْيَارِ إنْسَانٍ؟
من خلال اطلاعي على سيرتك الذاتية .أجد تأثيرا كبيرا للثقافة الإسلامية في تربيتك حتى بعد اندماجك في المجتمع الإيطالي في مراحل مبكرة من عمرك ما سر هذا التأثر ؟ لقد نشأت في أحضان الثقافة الإسلامية في أسرة جمعت بين الأصالة والمعاصرة في آن ، فمن جهة كانت والدتي (رحمها الله) سيدة عميقة التدين وهي التي حرصت أشد الحرص على تربيتنا تربية ليبية أصيلة ومن جهة أخرى تربيت على مبادئ الحداثة التي آمن بها والدي (رحمه الله) إيماناً عميقاً وهو الشيخ الأزهري الذي تتلمذ على يد كبار العلماء والمشائخ في الأزهر الشريف ثم واصل دراسته بدار العلوم بجامعة الملك فـؤاد وتخرّج منها في أواخر الأربعينيات عائداً إلى ليبيا شاباً مثقفاً دينياً وعلمياً ومتفتحاً فكـرياً وداعيـاً لمبادئ الحداثـة والحريـة والتطـور بعد أن عايش فترة الازدهار التي كانت تمر بها مصر في تلك الحقبة الزمنية .. فترة شهدت نمو الحركات السياسية وتطور الحياة الثقافيـة وانتعاش الفنون من سينما وأدب ومسرح وموسيقا وإرساء دعائم التعايش الحضاري بين أهل البلاد من مختلف الملل وبينهم وبين الجاليات المتواجدة فيها .. فتشرّب من كل هذا كما نهل من العلم وكان لذلك أثره الكبير في بلورة أفكاره العصرية التي حرص على تطبيقها في بلده وداخل بيته غير عابئ بالانتقادات والاعتراضات التي جاءته حتى من بعض أفراد عائلته .
كُنْتُ أوّلَ سَيّدَةٍ عَرَبِيّةٍ تُؤَسّسُ شَرِكَةً فِي العَاصِمَة الإيطَالِيّة وَتَقُومُ بِتَوَلّي إدَارَتِهَا بِكَفَاءَةٍ وَمِهَنِيّةٍ
لذلك عندما أرسلني والدي إلى إيطاليا للدراسة الجامعية لم أجد صعوبة في التعايش مع المجتمع الإيطالي مع احتفاظي بهويتي الليبية وبثقافتي الإسلامية بل سعيت بكافة الطرق والوسائل إلى التعريف بهذه الثقافة وشرح المبادئ الإنسانية السامية التي جاء بها ديننا الحنيف وإبراز النواحي التي عادةً لا تنال قسطا وافيا من الاهتمام حتى من المسلمين أنفسهم المقيمين في الخارج كالفنون الإسلامية من رسم وعمارة وزخرفة وخط ونحت ، لإيماني بأن الفن بمختلف أجناسه يمثل وسيلة فعالة للتقارب بين الشعوب وللتواصل بين الثقافات فقمت بتنظيم زيارات لطلبة المدارس للمسجد الكبير في روما باعتباره تحفة معمارية من الطراز الإسلامي وعملت على إقامة ورش العمل التي تتناول الفنون الإسلامية وساهمت في إقامة المعارض للخط العربي ، وبالتعاون مع أسر الدبلوماسيين في سفارات الدول الإسلامية قمت بتنظيم لقاءات بحضور الطلبة وعائلاتهم من الإيطاليين والأجانب لهدف شرح وتوضيح مبادئ الدين الإسلامي خصوصاً بعد حادثة بُرجَيْ مانهاتن في نيويورك.
شُعُوبٌ عَدِيدَةٌ قَدْ مَرّتْ بِمَرَاحِلَ تَارِيخِيّة صَعْبَةٍ وَاجْتَازَتْهَا وَنَحْنُ أيْضاً سَنَجْتَازُهَا
من خلال تجربتك في المجتمع الإيطالي الذي هو لا شك جزء من المجتمع الأوروبي هل هناك صعوبة في فهم حقيقة الإسلام وشعائرة وقيمه ؟
عندما تتوفر في مجتمعٍ ما دعائم احترام حقوق الإنسان بما في ذلك حريته في المعتقد الديني أياً كان وحرية ممارسة شعائره وحرية التعبير عن أفكاره بكل الوسائل السلمية كما هو حاصل في المجتمعات الغربية .. لا يمكننا الحديث عن صعوبة فهم الغرب لديننا الحنيف ، فالمسلمون – كغيرهم في هذه الأصقاع – لهم كامل الحرية في ممارسة دينهم بل وحتى الدعوة له بين الناس والقوانين تضمن لهم هذه الحرية الغربيون يدركون تماماً أنه لو لم يأت هذا الدين بالقيم السامية لِمَ آمن به أكثر من مليار إنسان على وجه الأرض ، ولكنهم يجدون صعوبة بالغة في فهم ما يمارسه بعض ممَنْ يدّعون انتمائهم للإسلام وباسمه يقومون بترويع الآمنين بل وحتى قتل إخوانهم في الدين كل ذلك بحجة الدفاع عن الدين نفسه ولفرض تعاليمه حسب فهمهم لها ، ما يراه الغرب في وسائل الإعلام وما يحدث في شوارع بعض مدنه من تفجيرات وإرهاب وبثّ الرعب بين مواطنيه باسم الإسلام يجعله يتساءل عن ماهية العلاقة بين مبادئه وقيَمه وهذه الظواهر السلبية ، يُضاف إلى ذلك “انزواء” الكثير من المهاجرين من الدول الإسلامية وبصفة خاصة من الدول العربية في “غيتّات” منعزلة وعدم اندماجهم في مجتمعات البلدان التي هاجروا إليها مخافة التلاشي فيها وفقدان هويتهم الأصلية ، مما جعل أبناء الجيل الثاني والثالث يعانون صراعاً ثقافياً شديد الوطأة بين ما يُملى عليهم داخل الأسرة وما يتوقع منهم المجتمع خارج أسوار البيت ومما عزز هذه التساؤلات وزاد من الشكوك اشتراك بعض من هؤلاء الشباب الذين وُلِدوا وترعرعوا في الغرب في بعض حوادث الإرهاب وأيضاً في الحروب الدائرة في منطقة الشرق الأوسط وأفغانستان.
يَجِبُ عَلَيْنَا ألَّا نَنْتَظِرَ مَا تُقَدّمُهُ الحُكُومَاتُ بَلْ عَليْنَا أنْ نَبْدَأ مِنْ دَاخِلِ بيُوتِنَا وَفِي مَدَارِسِنَا
من صغري كان لدي طموح لا يعرف الحدود ورغبة في التميز وتولي القيادة” هل تشعر فريدة الحجاجي بأنها بلغت ما تريد ؟ وإذا كانت الإجابة بالنفي إلى أين تريد فريدة الوصول بعد كل هذا العمل ؟
كان ولا يزال طموحاً من أجل التغيير الإيجابي وتميزاً في خوض مجالات جديدة وربما غير مألوفة أما تولي القيادة فهو من أجل توجيه الجهود إلى الاتجاه الذي يخدم الأهداف المرسومة هل حققت طموحاتي ؟
أقول : نعم ولكن ليس كلها من الناحية العملية أعتبر نفسي قد حققت طموحي فبالإضافة إلى نجاح الشركة ونموها المستمر تحت إدارتي كنت أول سيدة عربية تؤسس شركة في العاصمة الإيطالية وتقوم بتولي إدارتها بكفاءة ومهنية فقضيتُ بذلك على الصورة النمطية السلبية للمرأة المسلمة وقدمتُ نموذجاً حيّاً على مقدرتها خوض مجال الأعمال حتى في الغرب والنجاح فيه .. ومن عدد أربعة زبائن فقط يوم افتتاح الشركة وصل عدد الشركات التي تعاملنا معها طوال مدة إدارتي التي استمرت ثلاثة وعشرين عاماً إلى 422 منها شركات كبرى كشركة آجيب وآنسالدو وساليني ،واستخدمت في عملي ثلاث لغات وهي الإيطالية والعربية والإنجليزية . كما قمت بنفسي بتدريب وإعداد طاقم الغرفة التجارية الليبية الإيطالية عندما أعيد تفعيلها مثلتُ الوجه المشرق لليبيا في عدة محافل بدون تكليف أو دعم من أي جهة عامة أو خاصة ، ومنها كلمتي التي ألقيتها مؤخراً في البرلمان الإيطالي حول دور المرأة الليبية في إحلال السلام وحققت أيضاً طموحي في أن أكون عامل تغيير إيجابي في حياة الآخرين فعملت مع الشباب في ليبيا ومع النساء المهاجرات من دول العالم الثالث في الغرب وأيضاً اهتممت بالجيل الثاني من المهاجرين وقمت بتعليمهم كل ما يحتاجونه للاندماج في مجتمعهم الجديد تحاشياً لانعزالهم واضطهادهم وتعتبر صفحتي على الفيسبوك منبراً أطرح فيه الجديد من الأفكار ومكاناً لتبادل الآراء حول العديد من القضايا الثقافية والاجتماعية التي تهم ليبيا بالدرجة الأولى وهناك إقبال متزايد من متتبعي الصفحة على المشاركة في النقاشات الدائرة على الصفحة من خلال سلسلة ويكيبيديا اللهجة الليبية التي أنشر حلقاتها بين الحين والآخر أعمل من جهة على عدم تلاشي مصطلحات لهجتنا الليبية الجميلة والتذكير بها خصوصاً لدى فئة الشباب ومن جهة أخرى أعمل على انتقاد بعض سلوكياتنا اليومية بطريقة بها شيء من الدعابة والفكاهة والهدف هو تسليط الضوء عليها للشروع في تغييرها.
عملت فريدة الحجاجي كمدير تنفيذي في خدمات المساندة للشركات الإيطالية وفي التسويق ومهارات التواصل وتصميم المواد الإعلامية والاستثمار السياحي والأعمال الإنسانية مع المهاجرين . أين وجدت فريدة الحجاجي نفسها بين كل هذه الأعمال ؟ أستطيع القول بأن هناك رابط يجمع بين كل هذه الأعمال والأنشطة التي قمت بها يعكس جانبا مهما من شخصيتي ألا وهو الرغبة في التواصل وإرساء العلاقات مع الآخرين والتفاعل الإيجابي معهم . كل مجال عملت فيه عكس ذلك بصيغة مختلفة ولكنها تعود جميعها لنفس المنبع تقلدتِ منصب المنسق العام لبرنامج الاتحاد الأوروبي الفني الثقافي الممول من الاتحاد الأوروبي والذي عُهد بتنفيذه للمعهد الثقافي الإيطالي بالتعاون مع المعهد الثقافي الفرنسي .
كيف تقيمين تلك التجربة وهل فعلا لدى الأوروبيين رغبة في تحقيق السلام في ليبيا ؟
كانت تجربة ممتازة من عدة جوانب . فالبرنامج كان يشمل أنشطة فنية ثقافية عديدة بمشاركة أوروبية ليبية وقد قمنا فيه بعدة مبادرات ناحجة في بعض المدن الليبية أعطتني الفرصة للالتقاء بالعديد من الفنانين والأدباء والشعراء وأهل الثقافة ، وتيقنت آنذاك بأنني قد تجاوزت سنين الغربة الطويلة وعدت بقوة لأكون عضوا فعّالا في المجتمع الليبي من أجل التغيير حيث عملت مع الشباب الليبي وساعدته على تقديم أفضل ما لديه خلال ورش العمل والندوات والمعارض والأمسيات الموسيقية والشعرية واللقاءات الثقافية وفي احتفالية جميلة قدمت لي جامعة طرابلس شهادة تقدير على مجهوداتي في التعاون معها في هذا المجال أحتفظ بها كإحدى أجمل شهادات التقدير المتعددة التي تحصّلت عليها البرنامج الأوروبي توقف في منتصف عام 2014 بسبب الأحداث في طرابلس وما تلاه من إقفال السفارات ومغادرة طواقمها إلى بلدانهم بالنسبة للشق الثاني من السؤال الدول الأوروبية تبحث دائماً عن تحقيق مصالحها مباشرةً أو بطريق غير مباشر وسياساتها تصب في طريق تحقيق هذه الأهداف .
من مصلحة الدول الأوروبية تحقيق السلام في ليبيا واستقرار الأوضاع بها للقضاء على ظاهرة الهجرة غير الشرعية وتدفق أعداد كبيرة من المهاجرين وما يتبع ذلك من مشاكل تهدد السلم المجتمعي في هذه البلدان بالإضافة إلى الأعباء الاقتصادية الناتجة عن ذلك ولكي لا تصبح ليبيا القريبة من السواحل الأوروبية قاعدة لانطلاق الإرهاب وتصدير المتطرفين وبالطبع لضمان استمرار ضخ البترول والغاز لدولها . ومن المعروف أن الطاقة المستقبلية سوف لن تكون للبترول وإنما للكهرباء الناتج عن استغلال الطاقة الشمسية وقد أثبتت الدراسات أن الصحراء الليبية تُعتبر من أفضل الأماكن التي باستطاعتها مدّ أوروبا بالكهرباء بأرخص الأسعار وهذا يزيد من اهتمام ساستها بالأوضاع في ليبيا أوروبا ترغب في تحقيق السلام والاستقرار في ليبيا والإشكالية حالياً تتمثل في عدم وجود استراتيجية “موحدة” بين هذه الدول وأيضاً التنافس الحاصل بينها للفوز بـمقام “الشريك الأول ” لليبيا.
علاقتك وثيقة بالعمل الإنساني وبمنظمات السلام . هناك تخوف من العمل مع هذه المنظمات التي معظمها له أغراض وأهداف أخرى قد يكون العمل الإنساني آخرها . كيف نستطيع الوثوق في هذه المنظمات التي بدأت تقتحم المجال الليبي ؟ من طبعنا كليبيين عدم الوثوق بسهولة في الآخرين وهذا ليس عيباً في حدّ ذاته . ليبيا حالياً في حاجة إلى شركاء في كل المجالات سواء على الصعيد الإنساني أو غيره ، وحتى يكون اختيارنا سليماً للمنظمات الأجنبية قبل المباشرة في التعامل معها يلزم على منظمات المجتمع المدني الليبية القيام بالتحري اللازم وجمع المعلومات من مصادر موثوقة عن كل منظمة أجنبية تتقدم للعمل في ليبيا والتأكد من ممارستها للأنشطة المعلنة هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى على المنظمات الليبية أن تكون لها أهداف واضحة و ”محددة“ وتعمل بجدية وعلى مستوى يتعادل أو يقترب من مستوى المنظمات الأجنبية ، إذ يحدث أحياناً أن تتوجه هذه الأخيرة إلى ليبيا لتقديم مساعداتها ولا تجد الجهة التي تحسن التعامل معها للاستفادة من الدعم والمشاريع التي تأتي بها .
العمل مع المهاجرات من العالم الثالث في إيطاليا هل كان رغبة لتحقيق هدف أم هو فقط تعاطف إنساني ؟
بدأ كتعاطف إنساني بحت فهناك العديد من المهاجرين والمهاجرات قد وصل إلى هنا عن طريق القوارب القادمة من ليبيا وقد سمعت قصصاً رهيبة عن رحلة الموت هذه التي تبدأ في بلدهم وتنتهي إما على أحد الشواطئ الإيطالية أو في قاع البحر المتوسط ، ثم تحول هذا التعاطف إلى هدف متوسط وبعيد المدى وهو مساعدة هؤلاء النسوة ليس فقط في تعلّم لغة بلاد المهجر وإنما في تقريبهن من الثقافة وطريقة الحياة في الغرب بل وحتى في التعرف على الفنون الإيطالية . وكان انضمامي للسنة الثالثة على التوالي كمتطوعة في إحدى أهم المنظمات العاملة في هذا المجال قد أعطاني الفرصة لمتابعتهن المستمرة ومساعدتهن حتى على المستوى الشخصي والأسري لتسهيل اندماجهن وأطفالهن في المجتمع الجديد . وفي المقابل كان لوجود هؤلاء النسوة في حياتي أثر كبير فقد زودني بقوة ذاتية داخلية هائلة فأصبحتُ ”أستصغر“ مشاكل الحياة التي تقابلني بمقارنتها بالصعوبات الجمّة التي اضطررن لمواجهتها بدون فقدان الأمل أو اليأس والقنوط . هذا بالإضافة إلى كمّ المعلومات التي استقيتها منهن عن الحياة في القرى النائية في البنغلاديش أو في مناطق النزاع في نيجيريا أو في الأحياء المكتظة في الصين أو عن حياة القرويين في أدغال البيرو إنها تجربة إنسانية من أهم وأغنى التجارب التي مررت بها في حياتي.
كيف ينظر المجتمع الإيطالي للمهاجرين من دول العالم الثالث . وهل حقيقة أنه يتم استغلالهم في أعمال غير إنسانية ؟
المجتمع الإيطالي ليس كتلة واحدة متجانسة. هناك العديد من الإيطاليين الذين يدافعون عن حقوق المهاجرين ويسعون إلى إرساء قواعد مجتمع “متعدد الثقافات“ وهناك آخرون يرتابون من وجودهم كما أن بعض الإيطاليين واقع تحت تأثير تيارات سياسية معينة التي تحاول إقناع الناخب بأن الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها إيطاليا ما كانت لتكون لولا وجود المهاجرين من العالم الثالث ، هناك حالات يتم فيها استغلال ظروف هؤلاء المهاجرين لإجبارهم على القيام بأعمال شاقة وهضم حقوقهم أو حتى الزج بهم في أعمال إجرامية ، ولكن لا ننسى أنه – للأسف – حتى في ليبيا هناك مَنْ يستغلهم ويسلبهم ويرمي بهم إلى الموت في البحر كيف نستطيع خلق قواسم مشتركة مع المجتمعات الأوروبية بعد كل هذا التراجع الثقافي الكبير في مجتمعاتنا العربية ؟ المبادئ والقيم السائدة في أوروبا تختلف عما هو موجود حالياً في عدة أرجاء من الوطن العربي .
شَارَكْتُ فِي عَدِيدِ المِهْرَجَانَاتِ وَالمُسَابَقَاتِ الّتِي مِنْ أهَمّهَا التّصْفِيَاتُ نِصْف النّهَائِيّةّ لِكَأسِ العَالَمِ.
فهناك حقوق الإنسان والتي تشمل حرية الفكر والتعبير وحرية الدين والتجمع السلمي والمشاركة في الشؤون العامة والانتخابات وحظر التعذيب وسلب الحرية والمعاملة اللاإنسانية .. وإلى آخره وهي المبادئ التي لا يتم تطبيقها أو احترامها في بلداننا العربية حتى لو سنت فيها القوانين ونصت عليها الأحكام لقد تطلعت الشعوب العربية خصوصاً في بلدان ما يُطلق عليه ”الربيع العربي“ لتحقيق هذه المبادئ وإرساء قواعد الديمقراطية بقوانين ودساتير تحميها ، ولكن تداخلت عوامل كثيرة أدت إلى عرقلة هذه المسيرة ، هذا لا يعني أننا غير قادرين على اللحاق بركب الأمم المتقدمة . شعوب عديدة قد مرّت بمراحل تاريخية صعبة واجتازتها ونحن أيضاً سنجتازها ، فالرغبة لدى فئة الشباب – الذي يكوّن أعلى نسبة من سكان الوطن العربي – قوية للتغيير ولمزيد من الحريات والحقوق يجب علينا ألا ننتظر ما تقدمه الحكومات بل علينا أن نبدأ من داخل بيوتنا وفي مدارسنا بتعليم أبنائنا معنى المواطنة والانتماء للوطن وحقوق وواجبات المواطن ونبذ ثقافة العنف وتعليمهم حرية النقد والتعبير وتبادل الأفكار بدون الدخول في معارك. إن طموح أي مواطن أوروبي لا يختلف عن مثيله في ليبيا أو في أي بلد عربي آخر : العيش بكرامة له ولأسرته في سلام وأمان اقتصادي . إنها رغبات الإنسان في أي مكان وعلينا أن نؤمن أنه بإلامكان تحقيقها حتى في بلداننا.
هل لدى المواطن الأوروبي شعور بأن المجتمعات العربية متخلفة ورافضة للتعايش السلمي ؟
للأسف هذا صحيح ، فالصور والأخبار التي تأتي له من منطقتنا العربية لا تزيد إلا تأكيد هذا الشعور. لقد كان هناك إعجاب كبير وانبهار في أوروبا وفي العالم بما كان يحدث خلال ثورات ما سُمي بالربيع العربي ، وخصوصاً بحماس وشجاعة الشباب الذي ضحى من أجل التغيير. علينا أن نثبت للعالم برغبتنا بأن نكون جزءًا من المجتمع الدولي كشريك وكصديق لبقية شعوبه
علمنا بأن لديكِ هواية غير مألوفة هل بإمكانك أن تحدثينا عنها ؟
نعم إنها هواية ابتكار نكهات جديدة للجيلاتي الإيطالي الأصيل لقد تعلمت كيفية تركيب وإعداد هذا المنتوج التقليدي الإيطالي في كورس مكثف فى إحدى الجامعات الإيطالية المتخصصة خلال إحدى العطلات الصيفية وساعدني في التميز في هذا المجال شغفي بعلم الكيمياء ، شاركت في العديد من المهرجانات والمسابقات التي من أهمها التصفيات نصف النهائية لكأس العالم وتحصلت على العديد من الجوائز وتم نشر ابتكاراتي في وسائل الإعلام الإيطالية والأجنبية منها التلفزيون الإيطالي الرسمي ومجلة أكيلا التي تصدر في أندونيسيا وسنغافورة والصحيفة الاقتصادية الأولى في إيطاليا وهي جريدة فينتي كواترو أورى أغلب النكهات التي ابتكرتها والتي فازت بجوائز كانت مستوحاة من ”التقاء“ الشرق الذي أنتمي إليه مع الغرب الذي عشت فيه.
هل بعد كل هذه السنين من العطاء مشاريع لم تحققها فريدة الحجاجي ؟
نعم . لدي رغبة في وضع برنامج للجيل القادم في ليبيا لترسيخ السلوك الحضاري والواعي والمهذب والإيجابي لديه عن طريق تعليمه القيم المدنية وتذوق الفنون وأهميتها ومبادئ التسامح والتعايش السلمي ونبذ العنف والكراهية والتعصب واعتماد السلوكيات الراقية والعلاقات الاجتماعية السوية والاعتماد على النفس والاطلاع والتواصل مع ثقافات الشعوب الأخرى. السؤال الأخير هل ستعود فريدة الحجاجي يوما إلى موطنها الأصلي لتكمل ما تبقى من سنين العمر بعد عمر طويل طبعا ؟ لقد حملت وطني داخل قلبي في حِلّي وترحالي ولكن هذا لا يكفيني .. أنا أحلم بالعودة وسأعود إلى ليبيا.