قطوف

قطوف

  • مهدي الحمروني

محيي الدين المحجوب
قيمة ثابتة في قصيدة النثر

هادئ مثل صخرة

أبدأُ صباحي بعبوّةٍ ناسفةٍ
تُسلّمني إلى الله.
على ظهرِ موجةٍ
أُرمّمُ الماء.
أُوقظ الأغنية في حَنجرتي
أُنظّفُ أسناني من الكفافِ
اليوميّ.
كأنّني أشلاءُ حياةٍ تُلوّح قبالة مقبرةٍ
أُكابدها بطلوع الرّوح
بوجهٍ غائمٍ لا يُفكّر أن يبتسم
يبس في عروقه الهواء
بحذاءٍ مثقوبٍ يائسٍ
من الذّهاب إلى الإسكافي
ولا يعرف إشارات المرور
بجيوبٍ نسيَتْ
أنْ تربتَ على كتفي
آهلةٍ بالاستغاثات
يوجعني الفراغ المنسيُّ بها
بسيارةٍ صابرةٍ
باحثةٍ عن آخر نفسٍ في الوقود
بقلبٍ سكب عسله
قريبًا من فمها
يجتاحه الصّدأُ والجوعُ
ممنوعٍ من الحبِّ والغناء.
أقفُ أمام مرآةٍ لا تخون
لعلّها تلتقط لي صورة نادرة
أو أمام نافذةٍ
أُكمل لها جملتي
وأتظاهر بأنّي حيٌّ.
ما حدث أنّ أبي
وجدني في علبة تايد
أُواجه مصيري.
يدي في النّار
أريد ماءً
أبحث فيه عن يدي الأخرى.
أيّامي
لا ترأفُ بي من صروف الدّهر
سأتبرّع بها للمقبرة.
صرتُ أخشى من سنّارةٍ
تومض في خيالي
برج العقرب يُسيء معاملتي
فرّ النّومُ من نظّارتي
(النّظارة نسخة أخرى من عيني)
تاركًا مخدّتي يُبلّلها الأرق
عشتُ لأُرثي أصدقاءً
بعضهم يُشبهني
لم أعد أتذكّر أسماءهم.
حين وقفت أمام المرآة
أردتُ أخذ وجهي
لم أرَ فمي
ابتلعه الصّمتُ.
ساعدني يا إلهي
منذ وُلدتُ ويدي مرفوعةٌ إليك
سأُقدّم لك جيوبي الفارغة
وإن لزم الأمر أكتب c .v
لأخرج من وكري وأصنع جناحين
امنحني رأسًا فارغًا من الفلاسفة والأنبياء
أو حبلاً أُلقّنه سورة الفاتحة
ويأخذ بيدي
لا أُريد ليلاً يفقأُ اللّصوص نجومه
ويتسلّلون إلىَّ من ظلمته
أُريدُ نهارًا يُشفي غليلي
لا أحد يلكمُ شمسه
لأقابل الحريّة بوقارٍ
أقرأ لها الطّالع
وأحسدها على خدودها المنفوخة.
أُطلقُ السّؤال جمرةَ نارٍ
تحرق شفتيّ
متى تصطادين المياه يا ابنة فينيقيا؟
فينيقيا يا وكر أجدادي
لا بأس عليك
أنا هادئٌ مثل صخرةٍ
صباحاتي تُداوم على تناول الحليب.
اُختطفتُ من سلّة مهملاتٍ
تُزهرُ فيها المخاوفُ بلا ثياب داخلية
أنتظر أن تقصفني نشرة الأخبار.
غدًا تتحسّن ظروفي
أنشر آمالي في الشّمس
وكفارسٍ مغوارٍ
أُطيحُ بالفقر بين عظامي
أُخرجُ جيوبي في نزهةٍ
بيضاءَ من غير سوءٍ
وتبتهج في القصيدة
قنبلةٌ موقوتةٌ لعلّها الخيال.
حينها..
أُهيء قلبي
طائراتٍ ورقيّةٍ
إلى أحفادي الملائكة.
أيّتها القصيدة
اطلقي سراح الشّاعر
كي يضجّ الهواء في الحديقة.
السّحابة التي ملأتني بالحياة
في نيّتي أن أشكرها
فقد تركت بجانبي شجرة.

أفكّر كرضيع
تنازلت عن حصّتي من الحبّ
لقلبٍ يكفي أنّه يعرفني
يمسح بيده الملائكيّة على رأسي
ويمرّن وجهي
على الابتسام لأغنية
تمطر برضاب الصّباح.

تنازلت عن الجنّة لطفولةٍ
ربّتني على صدرها
كي أصير شاسعًا
وأنبت في قطرة ضوءٍ.

تنازلت للخلوة عن بابٍ
أكلته تجاعيد الأيّام
لا أريده يكبّل خطوي
بفردة حذاء واحدة.

تنازلت عن الشفافية لشاعرٍ
خبّأ أغنيته في صوتها
فابتلّ خياله ببهجة الله.

تنازلت عن الماء لبئرٍ
صمتها الفضيلة
تنزّ من أثداء الحياة.

تنازلت عن رقصة تشعرني بالدّوار
لجلال الدين الرومي
يداه مشرعتان تشيران لي
شمسه نافرة لا تلهيه عن مكاني.

تنازلت عن حديقةٍ
كبرتْ في قميصي
لم تعد تغيض القبح.

تنازلت عن الكراهية
لعبوة ناسفة.

تنازلت عن لساني
لشحّاذ السّكاكين.

تنازلت عن البصر الحديد
لنافخ الكير.

تنازلت للشّارع العام
عن متسوّلٍ أكثر ثراء من مصرف.

تنازلت عن الحياة
لرحم مصابةٍ بالعقم
وأُفكّر كرضيعٍ في هدهدة أمّي.

5/12/2019.

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :