الاسْتِثْمَارَاتُ اللّيبِيّة فِي أفْرِيقْيَا

الاسْتِثْمَارَاتُ اللّيبِيّة فِي أفْرِيقْيَا

(السفير / جمعة ابراهيم) ..

الاسْتِثْمَارَاتُ اللّيبِيّة فِي أفْرِيقْيَا أولت ليبيا اهتماماً خاصا بأفريقيا لأسباب سياسية وأمنية واقتصادية وهي الدولة العربية الوحيدة التي لها تمثيل دبلوماسي على مستوى السفراء في كل دول القارة دون النظر لأية اعتبارات أخرى كالقرب الجغرافي وعدد السكان ووفرة الموارد الطبيعية . ودعما لتواجدها الدبلوماسي أنشأت ليبيا شبكة استثمارات واسعة شملت إنشاء المرافق السياحية والمواصلات والاتصالات السلكية واللاسلكية والاستثمار في قطاع النفط وهكذا جاءت ليبيا في مقدمة المستثمرين في دول القارة ،بدأت بأثيوبيا حيث أسست في عقد الثمانينات من القرن الماضي ثلاث شركات إحداهما للزراعة والأخرى لتكرير السكر والثالثة لقطع وصقل الرخام وتسويقه ، لكن الشركات الثلاث تم حلها وتمت تصفية أصولها وموجوداتها ، كررت ليبيا نشاطها بطريقة أخرى بأن خصصت الدولة ملايين الدينارات للأفراد تشجيعاًً لهم للاستثمار في أفريقيا ، انتشروا في دول القارة بدون ضوابط أو برنامج واضح أو هدف محدد أو ضمانات في الداخل في حالة الفشل ، وغالبيتهم ــ إن لم يكن جميعهم ــ لايعرفون لغة التعامل مع سكان بلد الاستثمار بل إن بعضهم لم يكن في الأصل مقتنعا بالفكرة وكل همه الحصول على جمع المال . فشل البرنامج ولم يبقَ إلا عدد قليل من الأفراد يمارسون أنشطتهم في البلد الذي قرروا الاستثمار فيه دون ارتباط بالجهات المختصة بالداخل. جاءت المحاولة الثالثة أكثر تنظيماً بأن ركزت الدولة نشاطها في مجال إنشاء الفنادق ، وتوزيع المشتقات النفطية والاتصالات ولهذا الغرض أسست مجموعة من الشركات هي الشركة الليبية للاستثمار في أفريقيا وشركة ليبيا للنفط وشركة ” قرين لاب ” للاتصالات السلكية والآسلكية . تركز نشاط الشركة الليبية للاستثمارات الأفريقية ” لايكو ” على تشييد الفنادق وحالياً تمتلك الشركة فنادق معظمها من الدرجة الأولى في كل من تشاد ، وبوركينا فاسو ، والتوجو ، والجابون ،، وفندقين في أوغندا ، وتساهم الشركة فندق مايكل أنجلو بضاحية ” سانتون ” بالقرب من مدينة جوهانسبورج بجنوب أفريقيا ويُعد من أشهر الفنادق في العالم ، كما تساهم في شركة “إنساميل ” التي تمتلك مجموعة من الفنادق في عدد من المدن بجنوب أفريقيا ، وهناك الشركة الليبية الرواندية وتمتلك فندقا سياحيا في العاصمة كيجالي . تمتلك الشركة الليبية للاستثمارات عقارات في تشاد ولها في هذا البلد أنشطة زراعية وصناعية . وتمارس شركة ليبيا للنفط نشاطها في مجال المنتجات النفطية بما في ذلك الزيوت ووقود الطائرات ومحطات توزيع الوقود ، وللشركة مراكز في تشاد ، والسنغال وبوركينا فاسو ، و أثيوبيا ، ونيجيريا ، وفي أوغندا حيث تمارس نشاطها تحت اسم ” تام أويل ” شرق أفريقيا ، وشركة “قرين لاب ” وتعمل في مجال الهاتف النقال والمحمول والريفي ولها مقار في رواندا ، والتوجو وفي أوغندا . وهناك شركة مشتركة بين ليبيا وجنوب أفريقيا تحت اسم ” جيسكو ” تعمل في مجال الكهرباء . كما توجد شركة للنسيج في أوغندا .

إسْتَرَاتِيجِيّةُ التّحَرّكِ اللّيبِي . أفريقيا قارة ضخمة بجغرافيتها المترامية الأطراف ، بسكانها المتنوعة أعراقهم ولغاتهم ودياناتهم وثقافاتهم ، بمناجمها ومعادنها وثرواتها الطبيعية الهائلة ، بموقعها الجيو ــ سياسي الذي جعل منها معبراً للسلع والخدمات بين شرق العالم وغربه ، بسوقها الذي يغذي سكانا سيصل عددهم بعد ثلاثة عقود إلى مايقرب من ملياري نسمة ، لذلك فليس من المتعذر فهم خلفيات التسابق الدولي على أفريقيا ، فإن لم يكن لدولة ما موطئ قدم بنقاط تركز وتمركز هذه الثروات ، فعلى الأقل فتح الطريق أمام شركاتها التجارية الكبرى لتحصل على حصص معتبرة في سوق داخلية يتزايد بصورة متسارعة . وهذا هو الهدف من الإستراتيجية الليبية نحو التحرك في أفريقيا ، فرغم الإخفاقات في عدد من جوانب الاستثمار الليبي فلايجب ترك المجال أمام دول تبعد عن القارة آلاف الأميال تنهب ثرواتها وتستفيد من ثرواتها ، فليبيا أوْلى بذلك من غيرها لاعتبارات جغرافية ودينية وثقافية وماحققته الاستثمارات الليبية في أفريقيا مشجعٌ إلى حد كبير والفرص مازالت متاحة لتنشيط وتطوير ماهو قائم والتنافس مع الدول الأخرى على الإمكانيات المتاحة في القارة، وتعزيز التواجد الليبي في أفريقيا لن يكون سهلاً فأمامه تحديات كثيرة تفرضها الدول والشركات متعددة الجنسيات . هذه الحقائق يجب وضعها في الحسبان والتعامل معها بإرادة سياسية ثابتة ودعم هذه الإرادة بأعمال ملموسة ، وبالتالي فإن المطلوب هو تفعيل الإستراتيجيات الاستثمارية الليبية من حيث تقييمهاوتطويرها مع مقتضيات المراحل المتتالية : أولاً ــ اتباع المعايير المتعارف عليها في مجال الاستثمار الخارجي بحيث لا يتم الولوج فيه لاعتبارات سياسية كالاستجابة لرغبة رئيس دولة أو كبار المسؤولين فيها . ثانيا ـ إجراء تقييم دوري للاستثمارات الليبية في أوجهها المتعددة لإبراز ماحققته من نجاج والاستغناء عن تلك التي ثبت فشلها وعدم جدواها . ثالثا ـ تفادي تكرار التجربة السابقة بصرف مبالغ مالية لمجموعة من الأفراد بهدف الاستثمار في أفريقيا دون أن تكون لهم الخبرة أو الأداة التي يتعاملون بها مع الشركاء ، لأن التجارب السابقة أثبتت أن أغلب المستثمرين ليس لديهم القناعة للذهاب إلى أفريقيا والاستثمار في دولها ففشل أغلبهم وكانت النتيجة ضياع الملايين من الأموال ذهب ماحولوه منها بالنصب على بعضهم والاحتيال على البعض الآخر . رابعا ــ ينبغي أن يتم التعاون في مجال الاستثمار على أساس دراسة الجدوى الاقتصادية وميدانياً إذا تطلب الأمر ، والاستفادة من تجارب الدول الأخرى وتقارير المنظمات الدولية والإقليمية المختصة ،والمفاضلة بين الدول المستهدفة على مقاس الاستقرار الأمني والسياسي وما سيقدم من ضمانات ، ففي غرب أفريقيا يمكن أن يتركز النشاط على مشاريع مشتركة مع السنغال لصيد وتعليب الأسماك ، والتعدين في غانا الغنية بالذهب وإنشاء الفنادق في غانا وكوت ديفوار وهو نشاط ثبتت جدواه ، وفي مالي وبوركينا فاسو وبنين يمكن أن يوجه النشاط لتجميع الفواكه وتعليبها أما في بلد المنشأ أو إقامة مصنع لها بأحد المدن الليبية يراعَى عند اختيارها القرب الجغرافي .

خامسا ــ في وسط القارة هناك إمكانيات كبيرة في قطع وتصنيع الأخشاب في الكونغو الديمقراطية ، وجمهورية الكونغو ، والجابون ، وجمهورية أفريقيا الوسطى ، وفي الجنوب الأفريقي هناك فرصة للنشاط في مجال السياحة في جمهورية جنوب أفريقيا زيمبابوي وموزمبيق ، وفي شرق القارة توجد كينيا وتنزانيا وأوغندا التي بها حدائق مفتوحة تعيش بها حيوانات برية من مختلف الأنواع ،والتركيز على أثيوبيا من خلال الاستثمار في مجال الزراعة والصناعة وبناء الفنادق المتوسطة والممتازة بعاصمتها أديس أبابا لإقامة الوفود المشاركة في المؤتمرات الدولية والإقليمية التي تعقد بالمدينة على مدار السنة . سادسا ـ وضع النشاط الاستثماري الليبي في الخارج تحت إشراف جسم واحد وزارة التعاون الدولي مثلاً بدل تشتته بين أجسام عدة ينقصها في الغالب التنسيق والمواءمة علاوة على تكدس عناصر بشرية بها يمكن الاستفادة منها في مجالات أخرى . سابعا ـ في حالة اتخاذ قرار بتقديم تسهيلات مالية للأفراد للاستثمار يشترط عليهم تقديم الضمانات الكافية مقابل مايخصص لهم من أموال لأن ذلك سيجعلهم حريصين على إنجاح مستثمراتهم . ثامنا ـ مراعاة الدقة في اختيار المسؤولين الميدانيين لاستثمارات الدولة من مديري الشركات والخبراء فالممارسة السابقة أثبتت أن أغلب من كلفوا بهذه المهام لم يكونوا حريصين بالقدر الكافي على إنجاح ما أوفدوا من أجله ، فلم يقدموا المعلومات الدقيقة والتقييم الصادق للمشروعات وغلّبوا المصلحة الشخصية على المصلحة الوطنية، وحدث ذلك في عدة دول حيث فشلت الاستثمارات الليبية في مجالات زراعية وتعدينية بينما نجحت دول أخرى بأن استثمرت أموالها في نفس المجالات ومنها الهند وتركيا والصين على سبيل المثال ، إما لوحدها أو بالمشاركة مع مستثمر آخر ، وهي تجربة يمكن للدولة الليبية الاقتداء بها . أخيراً جدير بالتنويه إلى أنه لم يَغِبْ عن البال الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تمر بها ليبيا في الوقت الحاضر وليس في الإمكان الحديث عن أي استثمارات جديدة ،لكن من المهم النظر إلى الحالة من منظور إستراتيجي هدفه المحافظة على الاستثمارات القائمة بالتنسيق مع الدول المستضيفة، وأن تُجرَى في مُتّسع من الوقت دراسات جدوى لما يمكن الاستثمار فيه عندما تسمح الظروف بذلك .

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :