فزان والسلم المجتمعي

فزان والسلم المجتمعي

  • كتب / عمر علي ابوسعدة

ناشط ومهتم بالشأن الجنوبي يعتقد الكثيرين بمجرد عقد مصالحات قبلية لرتق النسيج الاجتماعي للمكونات العرقية المتناحرة في فزان قد يحقق ذلك السلم المجتمعي ، واعتقد أن هذه الجزئية مهمة لكن سطحية لكل عميق شامل لمفهوم السلم المجتمعي – أن السلام من أرفع القيم في الأديان السماوية وللعرف وللقانون المعاصر المستمد من تجربة الحضارة الانسانية –أن التعريف البسيط السائد يقدم مفهوم السلم هو غياب–الخلاف –العنف-الحرب عن المجتمعات الانسانية، أن السلام يعني غياب كل ما له علاقة بالعنف كالجرائم المنظمة والارهاب والصراعات الدينية والطائفية والمناطقية بين جغرافيا وأخرى لأسباب اقتصادية أو سياسية ، وقد يحدث الصراع داخل الدولة الواحدة وخاصة في قارتنا الافريقية ومحيطنا العربي وتتجسد الظاهرة واضحة في الواقع الليبي المعاصر وغيره. أن السلم يعني الانسجام والاستقرار والهدوء بأعلاء القيم الايجابية المحسوسة والمعنوية كالتنمية والثقافة والمعرفة والوعي وحرية التعبير ، وهذا يفتح الافاق نحو التفكير ويسهل التعامل مع مفهوم السلام بين الدول والجماعات والاسرة ومع المرء وذاته . أن للمجتمعات الانسانية ذاكرة تنقل تاريخهم عبر الزمن من جيل إلى جيل لذلك من الثابت أن يسود الاختلاف ، فالبشر مختلفون في الانتماءات بطبعهم سوى في اعتقادهم الديني المذهبي أو اعراقهم والسنتهم وثقافتهم وحتى موقعهم الاجتماعي . لكن يبقى السؤال المهم كيف ندرك القيم الوازنة لتحقيق السلم المجتمعي في المحيط الذي نتعايش فيه بجنوب ليبيا ( فزان ) لنحول هذا التنوع والاختلاف من ضعف إلى قوة وإضافة حميده للُحُمة الوطنية لاستقرار الوطن – وإذا سلطنا ضوء على الجوانب المظلمة لواقعنا المعاش نجد افتقارنا إلى الركائز الاساسية للسلم المجتمعي القائم على الأركان الثابتة والمختزلة في الحكم الرشيد والعدالة الاجتماعية بمفهومها الشامل ، المتجسد في الدولة الديموقراطية المدنية الحديثة دولة المؤسسات والقانون وحرية الرأي والتعبير الضامنة لاستدامة السلم المجتمعي . أن فزان تعيش حالة العقد الاجتماعي الغير مباشر ( العرف ) وليست الدستور والقانون المنظم للحوكمة السياسية والاقتصادية والامنية والاجتماعية أهم اركان السلم المجتمعي – دون قانون وأمن لا يمكن تحقيق سلم اجتماعي مطلقاً في العالم المواكب – قانون ينفذ كالموت الذي لا يستثنى أحد مهما علت مكانته ليتحقق العدل أرفع قيم الدين والانسانية. من أهم ركائز السلم الاجتماعي التنمية المكانية المستدامة والمتوازنة وعدالة توزيع الخدمات العامة المقدمة من الدولة بين جغرافيا وأخرى داخل القطر الواحد فذلك يحقق مبادئ العدالة الاجتماعية من خلال البعد التنموي ويخفف من حدة النزاعات المطلبية بين المجتمعات ويقلل من العنف والفساد ويعزز من اللُحُمة الوطنية بين أبناء الوطن الواحد ، وإذا احدثنا مقاربات للتنمية المكانية بين أقاليم ليبيا نكتشف بسهولة أن فزان أقل أقاليم الدولة حظاً في التنمية بالرغم من أن فزان تدعم الاقتصاد الوطني الكلي بأكثر من 40% من الناتج القومي ، لكن يبقى منهج التشكيك ووهم التهميش هو السائد في العقل الجنوبي أن الحلول تصنع بالعمل الجاد والمثابرة بعقل ثاقب وبتركيز وإرادة للوصل بأقصر الطرق للأهداف. ومن اركان الاساسية للسلم المجتمعي في عالمنا المعاصر أعلام المواطنة الذي يؤسس إلى ذاكرة العمل المشترك ويعزيز قوة اللُحُمة الوطنية – الاعلام الذي يهتم بهموم المواطنين والتنوع الثقافي والذي لا يوظف كأداة صراع سياسي أو ثقافي أو ديني ويعلي الذات ويصور الأخر بصورة سالبة و ينشر ثقافة الكراهية والبغضاء أخطر مهددات السلم الاجتماعي . وليستقيم لنا الطريق يجب ان نؤمن بان الحقوق تنتزع ولا تعطى صدقة او منة من أحد ، وأعتقد أن أهم الوسائل والآليات تتجسد في أن يضغظ أهل فزان مجتمعين على الجهاز التنفيذي والتشريعي للدولة عبر ممثليهم في التشريع والتنفيذ والبلديات بكل الوسائل القانونية المتاحة كمنظمات المجتمع المدني ومؤسساته في تعبئة الشارع للضغط على مؤسسات الدولة لتحقيق اركان السلم المجتمعي لهم ولغيرهم ، على أن تستمر منظمات المجتمع المدني بثبات ومثابرة في تمليك الوعي والمعرفة لأهل فزان عبر كل الوسائط الإعلامية المتاحة والندوات بالتعريف بحقوقهم في التنمية والأمن والسلم المجتمعي وتحويل هذه الحقوق إلى ثقافة مجتمعية. خلاصة القول أن المشاريع الكبيرة تبدأ بحلم وتنتهي إلى فكرة وإذا توفرت الارادة والجهد اللازمين تتحول إلى واقع وحقيقة .

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :