سليمة محمد بن حمادي.
دودش حب الرمان. المشكلة أنهم يفقهون كل شيء.. ويخطؤون في حقك.. ويشكلون المواقف كيفما يروق لهم.. ويشككون في مشاعرك وأحاسيسك وفق أهوائهم.. وعذرهم (أنهم كبروا) فيتعالون عليك بكل ما أوتوا من قوة وتصبح مفرداتهم الجارحة خناجر تسعى لآخر ما فيك من إحساس، (جاحدون) متناسين فضلك عليهم ولا يتذكرون إلا ما يريدون تذكره فقط. يظنون أن تلاعبهم بالحروف مهارة ويتناسون أنها صفعات تذكرنا بمراحل طفولتهم ونحن نتبع في معاملتهم الهوينا.. وتمر الأيام أمامك كشريط سينمائي.. ويالا سرعة السنين.. بالأمس كنا نضع خطواته على أولى الطريق ونغني له ”دودش حب الرمان“ ونمسح على (جبل أسنانه) بالعسل كي تخرج أضراسه وأسنانه وتساند لسانه في استخراج أولى الحروف.. وكم من سعادة غمرت قلبك عندما نطق (ما) وكم ذبتي شوقآ لموافاة (ما) الثانية لتكتمل كلمة (ماما).. وعندما اكتمل نطقها في ذلك الفم الصغير كأنك لامست النجوم بيديك. يا الله!
كم سهرتي الليالي على خدمته عندما يمرض وأنتِ منهكة متعبة من خدمة المنزل وإخوانه وزوجك.. تعدين كل ما أوتيتي من قوة كل وسائل الخدمة والراحة لأجله.. وحدك تسهرين لراحته متناسية نفسك.. ومنوتك الوحيدة أن يكون بخير.. تهدهدين له بصوتك الخافت مؤنسة (نجيه يا نجيه وياخذ من عمري ويعطيه).. وكلما كبر سنة وأخفقت سنة من عمرك وتراجعت فيها عافيتك ضعفا وهوانا.. سُعدتِ من الأعماق فلذة كبدك (كبر)… لم ولن تنسي يوم وداعه لأعتاب المدرسة وأنتِ تجهزين قيافته وحقيبته وتحلمين له كل يوم حلما جديدا فسيحا بالأماني وما أروع تفاصيل السنوات الدراسية بكل ما فيها من تعب وإرهاق أثقل كاهلك ورغم ضغوط الحياة اليومية تلزمين نفسك وزوجك على توفير ما يلزمه ليعيش حياة رغدة وكل يوم تزهو بما طرأ عليه من متغيرات.
ها قد اشتد عوده وأصبح يواسيني في الطول أو تواسيني واستدار عودها وتغيرت ملامحه أو ملامحها.. ربما أصبح شديد الشبه بوالده أو بوالدتها أو ربما عمه أو خالتها أو عمتها… وكم وبختي نفسك لأنك ملأتي العين منه أو منها مخافة عليه من عينك (عينك) تلك التي تخاف عليه من عيون الدنيا وما فيها.. كأن رائحة (الوشق والفاسوخ) تملأ المكان عندما ترقيه بكلمات الله التامات وطلاسم حفظتيها عن ظهر قلب كن يرددنها أمهاتنا الطيبات… كلها تفاصيل مرت بلمح البصر.. وكلماته أمامها كرصاص عشوائي في لحظة.. ابتعدت عنه كي لا تسمع ولكن لا زال يطال أذنها من تلك الكلمات التي يتهمه فيها بالتقصير وتناسى أن عتابه ذاك متوشح بالجحود ولا شيء غير الجحود.. غير عابئ بقلبها المرتجف ولا رف له جفن لصحتها التي في تراجع… (ما أقسى الحياة علينا عندما تختبرنا في أبنائنا)