- انتصار فتحي – ليبيا
تمكنت وفاء الشريف بعد محاولات استمرت لأكثر من عشر سنوات من أن تصبح المرأة الأولى والوحيدة بقسم الاستكشاف بالمؤسسة الوطنية للنفط ببنغازي، لتشغل وظيفة من النادر أن تتخصص بها النساء في ليبيا. رغبت وفاء منذ كانت في عمر 17 عاماً بدراسة علم الجيولوجيا، ولكن الأمر لم يكن سهلاً
تقول;وقفت في طابور الانتظار بجامعة بنغازي عام 2001 بعد أن دونت في استمارة التسجيل رغبتي بالالتحاق بقسم الجيولوجيا، لكني تفاجأت برفض الكلية طلبي، حيث أخبروني أنه لا يمكنني الالتحاق بالقسم لعدم وجود طالبات يدرسن به، وقيل لي حرفياً لن نسمح لك بأني تكوني الوحيدة مع الطلاب الذكورولكن بعد إصراري استكمال التسجيل طلبوا مقابلة والدي الذي لم يكن رافضاً التحاقي بالقسم، ولكن القسم في النهاية لم يقبلني وتم توجيهي لدراسة تخصص آخر.
الخيار الأبعد
التخصص الذي تم توجيه وفاء إليه كان الطب، وقد رفضت دراسته على الرغم من إدراج اسمها ضمن قوائم المقبولين، ورغم المغريات التي وضعها أهلها بين يديها مثل إكمال تعليمها في الخارج، قررت الالتحاق بقسم الجيولوجيا في جامعة أخرى تقبل طلبها. وتم قبول طلب وفاء بالفعل في جامعة سبها تقول وفاء;وافق والدي ودعمني بعد أن هيأني للواقع الذي ينتظرني، إذ كنت سأسافر للجنوب الليبي مسافة تزيد عن 1000 كيلو متر بعيداً عن أهلي، وأعيش في السكن الداخلي للجامعة طيلة فترة دراستي.
عقدت وفاء العزم على أن تصبح مستكشفة جيولوجية أثناء خروجها ضمن فريق من زملاء الدراسة والمشرفين بالجامعة في مهمة علمية عام 2005 في الصحراء الليبية، تقول وفاء;كنا مكلفين ببدء العمل على بحوث التخرج وانطلقنا في رحلة شملت أماكن عديدة من الصحراء الجنوبية والغربية، وهناك اكتشفنا وجود اليورانيوم، وكنت أول من استخرج وقاس;اليورانيوم المشع; في ليبيا في عام 2005
تنميط جندري
يوم 24 يناير 2020 نشر عبد الرحمن زايد وهو خريج قسم جيولوجيا جامعة بنغازي بمناسبة اليوم الدولي للتعليم تغريدة على حسابه في توتير عبّر فيها عن رفضه منع الفتيات من دراسة الجيولوجيا في القسم الذي تخرج منه، وقال في تغريدته ”لا يزال قسم الجيولوجيا بجامعة بنغازي يمارس التمييز الجنسي بفرض شروط خاصة على النساء حتى لا يتم قبول المتقدمات، بينما لا يوجد شروط (تمييز جنسي) في جامعة طرابلس على الملتحقات بقسم الجيولوجيا“، وحملت التغريدة هاشتاق ”#التمييز_الجنسي_في_التعليم_الليبي“. تفاعل مع التغريدة أكثر من 30 شخصاً، لكن التعليقات المتعلقة بالتغريدة بشكل مباشر كانت 28 تعليقاً 17 لذكور و11 لإناث،
هاجمت أغلب تعليقات الذكور صاحب التغريدة بشكل شخصي لطرحه موضوعاً متعلقاً بحقوق الفتيات، ورد آخرون بأسباب رفض اجتماعية كضرورة مبيت الطلاب في الرحلات الحقلية في العراء وقضاء أيام في مناطق نائية الأمر الذي يرفضه أهالي الفتيات بحسب قولهم، بينما لم يذكر تعليق واحد وجود لائحة أو قانون يمنع التحاق الفتيات بالدراسة بقسم الجيولوجيا، قلة منهم ذكروا معلومات مثل وجود فتيات يدرسن بقسم الجيولوجيا بدرنة والبيضاء وآخرون ذكروا أن الفتيات هن من يمتنعن عن التسجيل في القسم لعدم ملائمة التخصص لـ”جنسهن”.
فتاتان علقن على التغريدة بقولهن أنهن أثناء تعبئة استمارة التسجيل بكلية العلوم بجامعة بنغازي طلب منهن عدم اختيار قسم الجيولوجيا، وثلاثة منهن علقن بأنه من غير المناسب ذهاب الفتيات للرحلات الحقلية والمبيت في أماكن نائية، لأنه أمر يرفضه المجتمع، وأن هذا ما يتسبب في ترك الفتيات الدراسة بعد فترة قصيرة من الالتحاق. إحدى الفتيات من مصراتة علقت بأن القسم في جامعة مصراتة شهد لأول مرة هذا العام التحاق الفتيات به، وأنهن في السابق كن يعانين من رفض الطلاب الذكور بالقسم التحاقهن للدراسة، ودعمت بقية من علقن حق الفتيات باختيار أي تخصص يرغبن الدراسة فيه.
المنع غير قانوني
عميد كلية العلوم بجامعة عمر المختار حمد العريفي ذكر أن الكلية لا تفرض قيوداً على الراغبين في الدراسة والتسجيل لاستثناء الفتيات من الدراسة بأقسام دون غيرها، وأنه لا يوجد تمييز على أساس الجنس بين المسجلين في الكلية، متحدثاً عن الملتحقين بقسم الجيولوجيا من الفتيات بقوله ”التحقت أربع طالبات بالدراسة و بدأن بالتدريج بإرادتهن بالانسحاب، آخرهن واصلت الدراسة حتى الفصل الرابع ومن ثم انسحبت“.
يعتقد عميد الكلية بأن السبب وراء انسحاب الطالبات عدم توفر بنية تحتية ملائمة كالمنتجعات والفنادق للمبيت في الأماكن التي يسافر إليها الطلاب للعمل الميداني، بالإضافة للثقافة الاجتماعية التي ترفض قضاء الفتيات أياماً مع زملائهن الذكور بعيداً عن المنزل وبشكل مختلط، ولطبيعة الدراسة التي تتطلب السفر لأيام وربما أسابيع. لكن عميد كلية العلوم بجامعة عمر المختار أكد أنه لا يوجد ما يمنع الطالبات قانونياً ولا إجرائياً من الالتحاق بالدراسة بقسم الجيولوجيا. فيما مدنا اتحاد طلبة كلية العلوم بجامعة طرابلس بإحصائية تشير إلى أن نسبة الطالبات الدارسات بالجيولوجيا مقابل الطلاب الذكور وصلت 65%، وذكر أن الطالبات بدأن بالالتحاق بقسم الجيولوجيا بالجامعة خلال العشر سنوات الأخيرة، في حين أن القسم لم يخرج فتيات قبلها. في حين حاولنا التواصل مع عميد كلية العلوم بجامعة بنغازي، واتحاد الطلبة بالجامعة لكنهم تهربوا من الإدلاء بأية تصريحات حول الموضوع.
البحث عن عمل
بعد تخرجها عام 2005 بدأت وفاء رحلة البحث عن عمل إلا أنها لم تُوفّق، واضطرت للعمل في مجالات أخرى حيث أصبحت مقدمة برامج بالراديو ولاتزال كذلك، فيما ظلّ حلم الطفولة هاجسها لعشر سنوات قبل أن يتم توظيفها داخل قسم الاستكشاف بالمؤسسة الوطنية للنفط ببنغازي كمهندسة جيولوجية عام 2015.
تصف وفاء طبيعة عملها قائلة “أساهم في عمليات التحليل الفني المفصل للأماكن التي من المحتمل أن تكون مناسبة للتنقيب عن النفط والغاز رفقة زملائي من المهندسين، وأنا أول امرأة تعمل داخل هذا القسم الفني بالمؤسسة والوحيدة حتى الآن”. تمثل النساء 30% فقط من الباحثين العلميين حول العالم وفقا لبيانات منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة والتي أوضحت أن نسبة التحاق الطالبات بالعلوم الطبيعية في الأعوام (2014 – 2016) قد بلغت 5%، وأظهرت دراسة أخرى أجراها معهد “جينا ديفيس” أن نسبة النساء اللائي لهن وظائف في مجال العلوم والتكنولوجيا تمثل 12% فقط. وفيما يبدو أن هذه الإشكالية تحمل صبغة العالمية إلا أن وفاء تتساءل وهي الآن في عمر الـ 39 “لماذا يمارس مجتمعنا التنميط؟ طوال عمري أؤمن بأن الإنسان سيّد حياته، تؤسفني الأعداد الكبيرة من الشابات اللواتي ينخرطن دون تفكير في العجلة المجتمعية التي تعيد تدوير المخلفات الفكرية لمن سبقونا”.
———————————————————————————-
تم إنجاز هذه المادة ضمن مشروع “الأحداث كما ترويها الصحفيات” المدعوم من هيئة الأمم المتحدة لدعم المرأة والمنفذ من قبل أكاديمية شمال أفريقيا للإعلام.