قانون التحكيم :حماية للثروات و الاستثمارات في ليبيا الجديدة !

قانون التحكيم :حماية للثروات و الاستثمارات في ليبيا الجديدة !

حوار :: أبوبكر مصطفى خليفة
تتردد على أسماعنا بين الحين و الآخر في نشرات الأخبار المحلية والعربية و الأجنبية كلمات مثل (التحكيم التجاري ) ، (التحكيم الدولي ) خصوصاً عند حدوث نزاعات بين دولة من الدول وطرف أجنبي آخر سواء كان دولة أو شركة أجنبية . ويحدث أن يمر هذا الخبر مرور الكرام على مستمعي ومشاهدي النشرات الإخبارية ، إلا أن هذه الكلمات تحمل في طياتها أحداثاً و نزاعات كبيرة قد تكلف الدول مئات الملايين من الدولارات .
ولاستيضاح الصورة أكثر حول ماهية التحكيم التجاري وأهميته قامت صحيفة فسانيا بزيارة إلى مقر المركز الليبي للتحكيم التجاري الدولي بمقره بطرابلس حيث التقينا الدكتور عبد الوهاب شقلوف مؤسس و رئيس مجلس إدارة المركز الليبي للتحكيم التجاري الدولي .
والذي بادرناه بالسؤال عن ماهية التحكيم التجاري كمصطلح فأجاب متفضلاً
التحكيم هو طريقة خاصة للفصل في بعض أنواع النزاعات من قبل هيئة تحكيم يسند إليها الأطراف مهمة البث فيها بموجب اتفاقية تحكيم ، و التحكيم يتميز عن القضاء بسرعة الفصل في النزاعات المعروضة أمام الهيئة التحكيمية، مجنبا المستثمر ومشروعه استنزاف الوقت والتعطيل، والجميع يعلم أن الوقت ثمين جداً للمستثمر أو رجل الأعمال، وبالتالي فإن من صالحه دائماً فض النزاع في أسرع وقت ممكن، بعيداً عن طول الوقت الذي تستغرقه إجراءات التقاضي الروتينية، كما أن التحكيم يتميز بالحفاظ على سرية هذه المعاملات، وينهي النزاع القائم بحكم نهائي وبات، وواجب التنفيذ.
وباختصار، التحكيم هو قضاء خاص ينهي المنازعات بسرعة، ولا يقوم بتعطيل الأموال أو الاستثمار، كما أن هناك منازعات لا يستوعبها القضاء المحلي، نظراً لأن تخصصه لا يشملها، مثل العقود الرياضية، وعقود البترول والغاز، والتي تتطلب خبرة واسعة وكبيرة في مثل هذه المجالات، وهو ما يتوفر في التحكيم وما يشمله قانونه.

إن الاستثمار و الأعمال التجارية و إدارة الأعمال تعتمد في حل نزاعاتها على التحكيم التجاري لاستغلال الوقت و توفير الخسائر، من خلال ذلك الارتباط تطورت رحلة د.عبد الوهاب شقلوف من إدارة الأعمال لولوج مجال التحكيم الذي يحكي عن بدايات عمله قائلاً :
أنا رجل أعمال أمتلك مجموعة من الشركات المختصة في التفتيش النفطي والخدمات النفطية وغيرها، عملي مرتبط بالعقود وبإبرامها مع عديد الأطراف بشكل رئيسي، ومن خلال اطلاعي على عدد من العقود لاحظت تكرار بند التحكيم من ضمنها ، فقررت دراسة هذه العقود وبنودها بشكل مفصل مما منحني فكرة واضحة عن التحكيم، مما دفعني للمشاركة في عدد من الدورات التدريبية في هذا المجال بمصر، وواصلت الدراسة ليكون لي اطلاع على التحكيم بصفة معمقة.
وبالرجوع للقانون الليبي، عرفت أن ليبيا تعمل في مجال التحكيم، لكن تحت قانون المرافعات، وهو ما يدفع بالشركات الأجنبية المستثمرة في ليبيا، إلى اللجوء لدول أخرى، في حال نشوب نزاع، وعبر البحث لم أجد أي مركز تحكيم في ليبيا، رغم وجود عدد هام من القضايا التحكيمية التي تهم الشأن الليبي، فتبنيت المسألة وقمت بإنشاء مركز مستقل للتحكيم عن الدولة الليبية يختص في فض المنازعات ذات الاختصاص والبث فيها ودفعت بالحراك على مستوى البرلمان و حكومة الوفاق حتى يأخذ قانون التحكيم حقه في ليبيا ويدخل حيز التنفيذ، ويفرض على الشركات.
و إجابة على سؤالنا عن أهم المشاكل التي تواجه ليبيا اليوم في مجال التحكيم و مدى الضرر الذي تعانيه نتيجة إهمالها لهذا المجال يرد د.عبدالوهاب :
لاتزال ليبيا تعاني عديد المشاكل والأضرارالكبيرة على مستوى النزاعات والقضايا من هذا النوع لغياب التحكيم التجاري.

لاتزال أيضاً تعاني إلى اليوم من غياب الخبير القضائي المالي في مجال التحكيم، و بالرغم من وجود قانونيين في المؤسسات الكبرى إلا أنهم لا يتمتعون بالقدر الكافي من الخبرة في مجال التحكيم لمواجهة قضاياه سواء على المستوى الوطني أو الدولي، ولذلك قمنا بتدريب عدد من القانونيين في هذا المجال، وإعداد ورشات العمل من أجل تدريب القانونيين على حل القضايا الدولية في مجال التحكيم.
أول مركز ليبي للتحكيم التجاري الدولي
تم إنشاء المركز الليبي للتحكيم التجاري الدولي سنة 2015، ويعمل المركز على نشر ثقافة التحكيم في ليبيا، من خلال القيام بعدة دورات وندوات وورش عمل تعنى بتدريس التحكيم وشروطه، وإجراءاته، وهذه الدورات الخاصة تستهدف القانونيين، والمحامين والقضاة، كمرحلة أولى، ثم رجال الأعمال، محرري العقود، والعاملين في إدارات العقود والمالية، كما يعمل المركز على الإجابة عن الاستفسارات والاستشارات المقدمة له.

وعن أهداف المركز الليبي للتحكيم التجاري الدولي يضيف الدكتور عبدالوهاب شقلوف : أخذت على عاتقي القيام بثلاثة أشياء أساسية :
أولاً- نشر ثقافة التحكيم في ليبيا من خلال تثقيف القانونيين الموجودين في ليبيا وإخراج جيل من المحكمين القادرين على فض النزاعات.
و يتم ذلك من خلال عقد دورات تدريبية للمتكونين، وقد انطلقت هذه الدورات منذ يوليو 2015، وهي دورات تهدف إلى توعية القانونيين وتطوير مهاراتهم في المجالات العاملين بها.
وحالياً يعمل المركز على إنشاء أكاديمية متخصصة في تدريس التحكيم و العلاقات الدبلوماسية، وإخراج محكمين مختصين في فض النزاعات ومتكونين في القوانين الأجنبية، لدراسة القوانين والنزاعات التي تكون فيها أطراف أجنبية.

ثانياً- معالجة العقود الدولية التي تكون ليبيا طرفاً فيها وإدراج بند التحكيم فيها، حيث حاولت في عديد الورشات تدريب القانونيين الليبيين على كيفية صياغة بند التحكيم في العقود الدولية، عبر بند النزاع بالعقود الذي ينص على : “عند نشوب نزاع يقع اللجوء إلى غرفة باريس”، دون التنصيص على كيفية اللجوء إلى غرفة باريس أو كيفية القيام بالإجراءات، وهو ما استغلته عديد الدول والشركات الأجنبية و العربية، التي استغلت الوضع الليبي إبان الثورة ورفعت قضايا ضد ليبيا لكسب أموال طائلة من ورائها.
ثالثاً- نحن كمركز للتحكيم نعمل حالياً كمستشارين في عدد من المؤسسات والشركات الليبية ، و كخطوة عملية بدأنا في إصلاح العقود الدولية الموجودة في تلك الشركات، واستدعينا الشركات لمحاولة إصلاح بعض الأخطاء الموجودة في العقود، وذلك قبل نشوب أي نزاع. طبعاً” ليتم لمعالجة هذه العقود نحن في حاجة لقانون تحكيم، فبدون قانون التحكيم لا يمكن لنا معالجة عقود التحكيم أو صياغة أية عقود أو القيام بأي تطور في مجال التحكيم الوطني أو الدولي.
مشروع قانون التحكيم بين مركز التحكيم الليبي والأونيسترال
واليوم لايزال صراعنا في ليبيا هو من أجل وضع قانون للتحكيم، وقد وفقنا في صياغة مسودة مشروع قانون للتحكيم، بعد تكليفنا بشكل رسمي من طرف حكومة الوفاق لإعداد مسودة لهذا المشروع، والتحضير للمؤتمر الأول للتحكيم، برعاية كل من مجلس النواب ومنظمة “الأونسيترال “.
وقد أعلنا عن موعد ورشة العمل التحضيرية لمناقشة ودراسة مشروع القانون، وقد أنشأنا بريدا إلكترونياً (إيميل) خاص بالمركز للتواصل مع كل المتداخلين والخبراء لمعرفة مقترحاتهم وملاحظاتهم، والتي ستؤخذ بعين الاعتبار، خلال فعاليات الورشة ،حيث سيتم اختيار أعضاء اللجنة القانونية التي ستكلف بمناقشة مشروع القانون مع الأونسيترال ودراسة التجارب المقارنة في المؤتمر الدولي للتحكيم.

ماذا عن فعاليات و أهداف المؤتمر الدولي الذي أنتم بصدد التحضير له مع منظمة الأونسيترال؟ وهل من دول أخرى مشاركة لإثراء الحدث و دعم التجربة الليبية في التحكيم ؟
كما ذكرت .. لانزال نقوم بالتحضير لهذا المؤتمر الذي يستهدف عرض ومناقشة مسودة مشروع قانون التحكيم في ليبيا ، ودراسة القوانين المقارنة، وسيكون المؤتمر في شهر أكتوبر القادم في تونس، وإضافة لليبيا سيكون هناك عدد من الخبرات المشاركة من تونس، مصر، إيطاليا، تركيا، بريطانيا، الخليج، الاتحاد الأوروبي بحضور ممثلين عن الأونسيترال .
أكاديمية شمال أفريقيا للتحكيم حلم قيد التحقيق
إيضاحاً لما أعلنه د.عبد الوهاب شقلوف عن نية المركز الليبي للتحكيم في إنشاء أكاديمية مختصة لتدريس التحكيم أضاف د.عبد الوهاب شقلوف إن المركز الليبي للتحكيم لايزال في إطار إعداد ودراسة مشروع لإنشاء أكاديمية شمال أفريقيا للتحكيم وفض المنازعات ” وهي تعنى بتدريس التحكيم لمدة أربع سنوات في عدة اختصاصات، منها التحكيم السياسي، و التحكيم التجاري، و التحكيم الاجتماعي، مع إقصاء التحكيم الرياضي، كما وضعنا نظاماً لتدريس الماجستير لمدة سنتين، يتخصص فيها الطالب في إحدى أنواع التحكيم، مع تخصيص سنة تمهيدية لطلبة الماجستير لغير الدارسين لمواد التحكيم في أكاديمية التحكيم، إضافة ً لبرنامج تدريس الدكتوراة لمدة سنتين، مع وضع نظام التعليم الإلكتروني عن بعد ( أون لاين) لتدريس الأستاذية والماجستير.
سيكون مقر الأكاديمية في طرابلس، وستعمل على إخراج جيل من المحكمين المختصين في جميع المجالات، الأكاديمية ستكون معتمدة من طرف عدة جهات وطنية ودولية، ومصادقة عليها من وزارة التعليم الليبية وبترخيص من وزارة العمل الليبية، ودعم دولي من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، وطبعاً هناك نية لتكوين فروع أخرى للجامعة في المغرب العربي، لكن الانطلاقة في الوقت الحاضر ستكون من ليبيا.

قانون التحكيم : مستقبل الاستثمار الأجنبي في ليبيا
في آخر الحوار تفاءل الدكتور عبدالوهاب شقلوف مؤسس و رئيس مجلس إدارة المركز الليبي للتحكيم التجاري الدولي بمستقبل التحكيم في ليبيا ودول المغرب العربي قائلاً :
إن مستقبل التحكيم واضح وناجح، وهو مهم جداً، فالمستثمر الأجنبي عادةً يتجنب قضاء الدولة و يبتعد عنه ، وعند بناء و استثمار مشروع ما في بلد أجنبي فإن المستثمر يشترط أولاً بند التحكيم بالعقد نظراً لرفضهم الخضوع للقانون الوطني للدولة التي يستثمر فيها، وذلك لتخوفهم من عدم الحيادية .
العالم اليوم يعتمد كثيراً على التحكيم في فض المنازعات، خاصة منها التجارية والمدنية، ولذلك يجب علينا دعم التحكيم في دولنا، لتطوير اقتصادنا واستثماراتنا بشكل ناجح يجذب المستثمرين الأجانب و يحافظ على حقوق المواطنين و ثروات البلد .

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :