ليبيا .. العالقة على الشاطئ

ليبيا .. العالقة على الشاطئ

بقلم :: عابد الفيتوري

لماذا انخفض عدد المهاجرين عبر البحر المتوسط .. أحد الأسباب هو أن المهربين وجدوا في شحن وقود البنزين فرصة اكثر وفرة للمال .. على مدى اشهر الصيف خلال السنوات الثلاثة الماضية ، عبر عشرات الآلاف من المهاجرين البحر الأبيض المتوسط في رحلات محفوفة بالمخاطر وفي قوارب مهترئة .. هذا الصيف ، على الرغم من ان البحر كان هادئ على نحو غير مسبوق .
لا أحد يعرف تماما لماذا .. لكن ثمة مؤشرات تضيء الزوايا المعتمة ، فقد قدمت إيطاليا معدات رصد ، ودورات تدريب إلى خفر السواحل الليبي ، الذي عزز من دوريات المراقبة .. لكن اثنين من الجماعات المسلحة في مدينة صبراتة ، يعتقد أنها وراء تهريب الكثير من المهاجرين ، لها تفسير مختلف .. فهم يعزون الامر الى قيام إيطاليا بتقديم المال والمعدات اللازمة اليهم بغرض وقف القوارب المهاجرة من الإبحار.
تنفي إيطاليا أنها تتعامل مع المتاجرين السابقين .. وانها تعمل بشكل وثيق مع السيد فايز السراج رئيس الحكومة المدعومة من الامم المتحدة ومقرها طرابلس العاصمة .. وقد منحه الاتحاد الأوروبي عشرات الملايين من الدولارات لتحسين اداء خفر السواحل ، وتوفير فرص عمل جديدة للمتورطين في عمليات الاتجار .. وقيل إن السيد سراج ، بدوره ، عقد صفقات مع المجموعات المسلحة ، وخصص لها مرتبات شهرية .. يقول ماتيا توالدو من المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية ، وهو مركز بحثي : ” لا أعتقد أن أي شخص جاء من أوروبا مع حقيبة مليئة بالمال وأعطاه لأمراء الحرب الليبيين .. واضاف ” انها اكثر تعقيدا من ذلك “.. وأي صفقة من هذا القبيل لن تحظى بشعبية في ليبيا ، لأنها ستعزز من تموضع الجماعات المسلحة التي اغرقت البلاد في حالة من الفوضى .. ولكن من غير المرجح أن توجه الكثير من الانتقادات في إيطاليا لاتخاذها هذا المنحى ، فقد أدى وصول الكثير من المهاجرين إلى أزمة سياسية .. وخلال اربعة ايام فقط من شهر يونيو قامت قوارب الانقاذ بإنتشال 12 الف شخص في عرض البحر ..فيما رفض بعض رؤساء البلديات قبول الوافدين الجدد .. وكان له الاثر في مؤشر صناديق الاقتراع ، ففي أبريل ، فاز رئيس بلدية لامبيدوزا بجائزة اليونسكو لمساعدة المهاجرين .. وفي يونيه ، أطاح به الناخبون في الجزيرة الصغيرة وفقد منصبه .. مع أقل من 24٪ من الأصوات.
كما حاولت ايطاليا اغلاق طريق التهريب عند نهايته في منطقة فزان جنوب ليبيا ، وهى منطقة شاسعة من الصحراء متاخمة للجزائر وتشاد والنيجر .. وهي المنطقة الأكثر فقرا في ليبيا .. على الرغم من أن لديها آبار النفط قادرة على إنتاج 400000 برميل يوميا ، فيما يحصل السكان على النذر القليل من العوائد ؛ وجل الموظفين القائمين على عمليات الانتاج هم من الشمال .. وقد توقفت وجفت مشروعات زراعية كبيرة كانت تديرها الدولة هناك منذ بدء الحرب الاهلية عام 2011 .. ومع وجود فرص قليلة للتوظيف القانوني ، تحولت القبائل في فزان إلى التهريب .. وقد تصل قيمة تجارة المهاجرين إلى مليار دولار ونصف سنويا.
فى ابريل الماضى ، سعت وزارة الداخلية الايطالية الى ابرام اتفاق سلام بين جماعتين متحاربتين فى المنطقة .. وفي مقابل المال ، وافقوا على وقف القتال والعمل على إغلاق الحدود .. ولا يوجد دليل يذكر على أنها فعلت ذلك .. ومع وجود عدد قليل جدا من المعابر المتوسطية هذا الصيف ، تعتقد وكالات الإغاثة أن عشرات الآلاف من المهاجرين تقطعت بهم السبل في ليبيا .. فيما يحتجز بعضهم في مراكز احتجاز تديرها جماعات مسلحة بالشمال ، ومنهم من يحتجزون للحصول على فدية في ” بيوت آمنة ” قاتمة .. ويبقى آخرون في الجنوب يعملون في وظائف غير رسمية ، وغير مدفوعة الأجر.
هناك تفسير آخر لانخفاض التدفق ، وقد يكون الأكثر رجوحا .. هو ” ان اعمال التهريب هى اعمال تجارية .. كما يقول كلوديا غازيني من مجموعة الأزمات الدولية ، وهي مؤسسة أبحاث مقرها بروكسل ، وإن كل شيء يتعلق بالمال .. وببساطة ..قد يكون المتاجرون وجدوا عملا تجاريا أكثر ربحا .. وتدعم ليبيا البنزين دعما سخيا : حيث تبلغ تكلفة اللتر 0،12 دولار بسعر الصرف الرسمي ،و 2 سنتات فقط بسعر السوق السوداء .. ما مكن المهربين من اعادة بيعها الى أوروبا أو تونس المجاورة، وبكميات هائلة .. ويعتقد أن عائد الأعمال التجارية في هذا المجال تبلغ قيمتها 2 مليار دولار سنويا ، وهو مبلغ يقزم أي مساعدات مقدمة من أوروبا.
ميناء زوراء الغربي ، الذي كان في السابق مركزا لتجارة المهاجرين ، تحول مؤخرا إلى مركز لتهريب الوقود .. ويشكو السكان من نقص البنزين لأن الكثير من الكميات المعروضة قد سرقت .. ويعتقد أن السفن الليبية تنقل البنزين إلى المياه الدولية ، ومن ثم تنقلها إلى ناقلات غير ليبية .. وقال فريق من محققي الامم المتحدة في يونيو .. انهم شاهدوا ” سفن توم بانماط ملاحية مشبوهة ” بالقرب من المدينة .. ولكن وقف تهريب البنزين ليس أولوية عالية بالنسبة للبحرية الأوروبية التي تقوم بدوريات في البحر الأبيض المتوسط .. يقول السيد توالدو .. ولا يجري الحديث عنه اسوة بالمهاجرين .. ” ولن ترى أشخاصا او ساسة يشكون من تهريب البنزين ” .
ترجمة ( عين على فزان ) .. عن صحيفة ( economist )

 

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :