قراءة في قصيدة سلوى البحري: ماذا لو عاد معتذرا ..

قراءة في قصيدة سلوى البحري: ماذا لو عاد معتذرا ..

عمار بلخضرة

يبدأ النصّ من عتبته الأولى بسؤال معلّق: «ماذا لو عاد معتذراً؟». سؤال شرطه معلق على عودة لا تتحقق، واعتذار يأتي متأخراً، ليضع القارئ منذ البداية أمام مأزق إنساني لا جواب له: هل يصلح الاعتذار ما أفسده الغياب؟

تكتب سلوى البحري هذه القصيدة في نَفَس الشعر الحرّ، مستندة إلى موسيقى داخلية تصنعها اللازمة الترديدية «ماذا لو عاد…»، إذ يتجسّد القلق النفسي في الإيقاع نفسه. أمّا الصور الشعرية فتفيض بالانزياح الرمزي: العائد يُشَبَّه بالأعمى الذي يفتّش عن عينيه، وبالمطر الذي يُعلّق على الشفاه دون أن يروي عطشاً، وبالريح التي تُحتضن عبثاً. هكذا يتحوّل الحلم بالعودة إلى مشهد أسطوري هشّ، قائم على العجز أكثر من الخلاص.

لكن قيمة القصيدة لا تكمن فقط في جمال صورها، بل في دلالتها الوجودية. فالاعتذار في النصّ لا يُعيد بناء الجسر بين الحبيبين، بل يكشف هشاشة الجسور ذاتها. إنّه إعلان عن استحالة استعادة الزمن الضائع، عن أن الحبّ حين يُهدر لا يعود سوى كذاكرة جريحة. المطر يبقى أثراً صوتياً، العمى إقرارا بالخذلان، والريح فراغاً لا يُحتضن.

بهذا، تنفتح قصيدة «ماذا لو عاد معتذراً» على معنى أبعد من البوح العاطفي: إنّها مساءلة لفكرة الزمن ذاته، ولمحدودية الإنسان أمام الفقد. النصّ يترك القارئ معلّقاً في منطقة رمادية، إذ العودة لا تُغيّر من الحقيقة شيئاً، بل تُعيد إنتاج الغياب في صيغة جديدة.

قصيدة سلوى البحري بهذا المعنى هي كتابة ضدّ الوهم، شعر يضعنا أمام الحقيقة المُرّة: الاعتذار المتأخر لا يُعيد الحياة إلى ما انطفأ، ولا يروي الظمأ الذي صار جزءاً من الذاكرة.

وإذا ما وضعنا هذه القصيدة في سياق الشعر النسوي التونسي المعاصر، فإنّها تندرج ضمن ذلك المسار الذي منح للمرأة صوتاً مختلفاً، لا يكتفي بوصف الحبّ من زاوية وجدانية، بل يحمّله أبعاداً فلسفية ووجودية. سلوى البحري، مثل أصوات نسائية أخرى في تونس، تكتب لتُعيد الاعتبار للتجربة الذاتية، ولتعلن أنّ الكتابة النسوية ليست مجرد احتجاج عاطفي، بل هي مساحة تفكير في الزمن، وفي الذاكرة، وفي هشاشة الكائن الإنساني أمام الفقدان. إنّها كتابة تُحوّل الجرح إلى نصّ، والخذلان إلى مساءلة، والاعتذار إلى مرآة تكشف وهم الخلاص.

القصيدة :

ماذا لو عاد معتذرا؟

ماذا لو عاد معتذرا ؟

كاعمى يفتٍش  عن عينيه

علّق صوت المطر على شفتي

بلهفة رجل تعرّى  من ذاكرته 

يخبرني حنين راقص هرم

يغادر اللّوحة المعلّقة

ليحضن خصر الريح 

أنّ الاعتذار ملهاة 

كلّما ضحك عاشق بربريّ 

بكت نجمة في السّماء

ماذا لو عاد معتذرا ؟

مثل عصفور نسي شكل الأغاني 

أهرّب مواعيدنا المستحيلة

أخبئها تحت الوسادة

ألملم بقايا غيابه

في علبة تبغه

اتشمّم رائحة اللّيل

في حقائب سفره

اتحسّس أثر   شفاهه

على خد اغنية فرنسية

                                             Je t’aime Je t’aime

اغار منها

تغازله و اجبن

ماذا لو عاد معتذرا ؟

فكرة ملعونة تسلّلت لجمجمتي

ماذا  لو حاولت أن أحبّك أكثر

لو علّقت شفاهي  على لفافة تبغك

مرعب ان احبّك في اللّيل

كلّما سألني  وجهي عن غياب شفتيك

أخبرته   قبلاتك الحرّى

انّها كانت  كلّ الوقت

تفترش وسادة أخرى

لا تعرف حجم جمجمتي

لا تجيد قراءة  الاعتذارات

إذا سقط وجهك  منّي

التقط دهشة الاعتذار

ليعود للوسادة شكلها

ليعود  للقصيدة صمتها

ماذا لو عاد معتذرا ؟

سلوى البحري صفاقس تونس 

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :