قراءة في كتاب ( عمر المختار الحقيقة المغيبة ) للباحث يوسف عبدالهادي الحبوش

قراءة في كتاب ( عمر المختار الحقيقة المغيبة ) للباحث يوسف عبدالهادي الحبوش

  • حسن المغربي مدير تحرير مجلة رؤى الثقافية

وكان قائد الدور صالح الاطيوش من الزعماء الرافضين لجميع الاتفاقيات بين السنوسية والحكومة الإيطالية، لأنهكان يرى أن هذه الاتفاقيات تسعىإلىإنهاء المقاومة في برقة، ومن أجل ذلك تعرض للاعتقال من قبل الحكومة السنوسية، وكاد يحكم عليه بالإعدام لولا تدخل رجال قبيلته الذين قاموا بإخراجه من المعتقل هو وزميله المجاهد الفضيل المهشهش14، ثم تطرق الباحث في نهاية الفصلالأول إلى الحديث عن علاقة عمر المختار بالسيد المهدي السنوسي، نسب من خلاله بعض الأقوال إلى المرويات المتواترة في تراث الطريقة السنوسية دون الإشارة إلى مصدرها! وهذا غير مقبول في دراسة التاريخ، فالتراث الشفهيoral tradition رغم تضاؤل استعماله منذ أن نشأ التاريخ الأكاديمي وأصبح التركيز يقتصر على الكلمة المدونة بدلا من المنطوقة، فإنه يجب أن يستعمل بعد نقده وغربلته جنبا إلى جنب مع المصادر الأصلية،فمن السذاجة الافتراضبأن الشهادة الشفهية وحدها تمثل الخلاصة الصافية لتجربة الماضي على حد قول جون توش15..

وفي أحيان كثيرة يغفل الباحث ذكرالمصادر أو الإشارة إليها، مثال ذلك، حينما تحدث عن عدد الزوايا السنوسية عام وفاة السيد المهدي 1902م، وبعدئذ نراهيتخبط هنا وهناك، أحيانا يذكر وثيقة تنص على تعيين أحد المجاهدين ليس لها علاقة بالموضوع،ثم يعود إلى عمر المختار، ويقتبس فقرة ينسبها إلى الرحالة جورج ريمون دون ذكر عنوان الكتاب ورقم الصفحة في الهامش، وحينما بحثتُ عن الفقرةالمقتبسة في ترجمة الدكتور الوافي، وجدتُ إضافات كثيرة بها، مع أن الباحث يضعها بين قوسي الاقتباس، والأمانة العلمية تتطلب بداهة وضع الاقتباس كما هو، فالنص المُقتبس (كما يقول الوافي) هو شيء مقدس في علم التاريخ 16.وإليكم الفقرة التي استخدمها الباحث للتدليل على ثقافة شيوخ السنوسية ” لقد تحدثت طويلا مع بعضهم، وبدا لي عالمين إلى حد كبير بالنقاط الأساسية في السياسة الأوروبية، مثل الحلف الثلاثي، والوفاق الثلاثي. لقد كانوا علماء في تاريخهم وتاريخ البلاد العربية والجغرافيا والدين، ولكنهم كانوا مشغولين بالسياسة العربية، وفيما عدا ذلك فهم أناس مثقفون ويمقتون السلوكيات الخرافية للطوائف الأخرى“17..في حين الفقرة الأصلية الموجودة في كتاب جورج ريمون ترجمة الوافي ما يلي:”لقد حكيتُ طويلا مع عدد كبير من هؤلاء المشايخ والأعيان (يقصد مشايخ السنوسية وأعيان مدينة بنغازي)، فبدوا لي على إلمام وافٍ، وعلى اطلاع كبير على تيارات السياسة الأوروبية الحالية، وإن كنتُ قد لاحظت عليهم اهتمامهم الخاص بكل ما له علاقة بمصائر البلدان العربية وعلى الخصوص ما يمس مستقبل ليبيا”18، ثم يختم الحبوشالفصلالأول بالحديث عن وظيفة شيخ الزاوية، مؤكدا فيه ” أن عمر المختار لم يكن معلما للصبيان في فترة الحرب الإيطالية الليبية على الإطلاق، بل كان (شيخ زاوية)19“، ونحن  بدورنا نستغرب هذا القول، فبغض النظر عن أسلوب التعميم دون التخصيص في الكتابة التاريخية، فإن من مهام شيخ الزاوية كما جاء لدى العديد من المؤرخين هو التعليم أو الإشراف عليه، فقد ذكر الدكتور نقولا زيادة عنها قائلا ” شيخ الزاوية هو صاحب الحل والعقد فيها، فهو الذي يعلم أو يشرف على التعليم”20وذكر آخرون بعض من مهام شيخ الزاوية مثل  قيادة رجال القبيلة في الجهاد، والإشراف على حصاد الزرع وخطبة يوم الجمعة، والمساعدة على الوعظ والتعليم، ناهيك، على أن السيد عمر المختار نفسه لم تقتصر دراسته “على العلوم الدينية فحسب، بل تعدتها إلى تعلم بعض المهارات والحرف اليدوية كالنجارة والبناء والزراعة“21 وبالتالي، فلو أظهر لنا المخرج العالمي مصطفى العقاد شيخنا المختار وهويحرث الأرض، لما انزعج أحد من الصورة التي يقدمها، إذ أنمقتضيات الدراما تتطلبفي غالب الأحيان اختيار مهنة أقرب إلى الإنسانية، ولا شك، إن مهنة تعليم الصبيان التي نالت رضا العقاد تُعد الخيار الأمثل في هذا الصدد، وقد جاء فيلمأسد الصحراء تحفة فنية عالية، ولم يكن هذا العملالمائز بأي حال من الأحوال موجها سياسيا كما زعم الباحث في مقدمة الكتاب، حتى لو كان من إنتاج نظام سبتمبر، وفي الحقيقة (وهذا ليس دفاعا عن حقبة سبتمبر) إن فيلما عمر المختار والرسالة من أهم الأعمال الفنية التي خلّفهاالنظام السابق دون منازع. 

وفي الفصل الثاني، يحاول الباحث الحديث عن الغزو الإيطالي لليبيا، بدءا من إعلانالحرب على تركيا إلى توقيع صلح أوشي لوزان، وبداية المقاومة الليبية المسلحة التي أعلنها السيد أحمد الشريف، ودور السنوسية في الجهاد، ثم تحدث عن ترجمة إبراهيم بن عامر لكتاب غراسياني (برقة الهادئة) ووصفها ب(أكبر عملية عبث في كتاب تاريخي)وقد نوه بالترجمة الثانية المسماة (برقة المهدأة)  للسيد محمد الفرجاني، وبعدئذ تطرق إلى رحيل السيد إدريس إلى مصر من أجل العلاج، وتعرضه للاغتيال بالسم مرتين، وفي هذه الأثناءأثار قضية علاقة عمر المختار بالسنوسية  في (أوهام كُتاب)، حيث نفى ما ذكره بعض كتاب حقبة سبتمبر (على حد قوله) فيما يتصل بفرضية هجر المختار للسيد إدريس السنوسي أثناء الاتفاقيات بين السنوسية والإيطاليين، مؤكدا غير مرة على مناصرة عمر المختار للسنوسيين على الدوام22 مع أن عمر المختار رغم ارتباطه الوثيق بالدعوة السنوسية منذ بداية حياته، إلا أنه ” لم يكن أداة طيعة في يد من يرون أنفسهم رؤساء له23 وخير دليل في ذلك المفاوضات التي حدثت عام 1929م التي قبلها حسن الرضا وخرج معأتباعه وكونوا معسكرا تابعا للإيطاليين قرب مراوة، أطلق عليه المجاهدون اسم (دور الدقيق) إشارة إلى أن هذا الدور لا عمل له إلا تلقي المرتبات والتموين من الإيطاليين، وفي المقابل أعلن المختار في جريدتي الأخبار والمقطم المصريتين استئناف الجهاد في برقة، ووقع البيان باسم (قائد القوات الوطنية عمر المختار) وهذا يؤكد تنصل شيخ الشهداء من التبعية الأسمية للسنوسية التي كانت موجودة قبل تاريخ البيان24وإلى جانب ذلك، يؤخذ على الباحث في هذا الفصل عدة أشياء منها: عدم الالتزام بالتسلسل التاريخي وشرح الأحداث التاريخية بموضوعية خالية من التحيز للحركة السنوسية على وجه الخصوص،غياب الأمانة العلمية بشأن الاقتباس،تكرار ما جاء به الكتاب السابقون، استخدام وثائق ليست لها علاقة بالأحداث التي يكتب عنها، والأمر الأخير،وهو الأهم، محاولة  الحط من قيمة جميع الكتب المطبوعة في العهد السابق،وفيما يلي سأتحدث عن هذه المآخذ بشيء من التفصيل.

يطالعنا الباحث منذ بداية الفصل الثاني بالحديث عن نبوءة الشيخ السنوسيالمتعلقة بالغزو الإيطالي لليبيا دون الإشارة إلى المراجع، علما بأن هذه الحادثة،ليست من النبوءات25، وقد ذكرها اكثر من كاتب أمثال السيد أحمد الشريف، ومحمد شكري وغيرهما، ولم تأتِ بالطريقة التي ذكرها الباحث، كل ما في الأمر، أن هناك حديث دار بين السنوسي الكبير والشيخ محمد بللو الدرناويعام 1854م، توقع فيه (ابن السنوسي) إغارةالنابلطان (أهل نابولي) على طرابلس الغرب وأخذها مرة ثالثة، وبغض النظر عن صحة الرواية،فإن الباحث زاد فيها وتفنن في طرحها على طريقة القصاص، كل ذلك من أجل المغالاة والتمجيد وإظهار السنوسي الكبير كما لو أنه أحد الأنبياء، وإليكم الرواية كما جاءت في كتابه: “فقد تواتر بين الناس عامة، وبين منتسبي الطريقة السنوسية خاصة حديث السنوسي الكبير الذي وجهه لتلاميذه غير مرة، قبل هذا الغزو بسبعين عاما، محذرا من احتلال (النابلتان) الذي يوشك أن يحدث لهذه البلاد، لقد أخبر السنوسي الكبير أتباعه فور استكماله لبناء زاوية البيضاء سنة 1843م أن الغزاة من النابلتان سيربطون بغالهم فيها. كما وجه السنوسي إلى أتباعه في مناسبة أخرى سؤالا: ماذا أعددتم ليوم غزو النابلتان لبلادكم؟ فرد أحد الحاضرين قائلا: أعددنا لهم هذا. وكان ممسكا بجراب من ملح البارود في يده، فرد ابن السنوسي قائلا: هيهات هذا لا يكفي26.الأمر المضحك حقا، أسلوب التعميم في مثل (فقد تواتر بين الناس عامة) فأي تواتر الذي يتحدث عنه الباحث؟ وأغلب الناس لا يعلم عن السنوسي الكبير إلا النزر اليسير. ومما هو جدير بالملاحظة جهل الباحثلمناهج البحث والكتابة التاريخية عموما، ففي جميع فصول الكتاب لم يلتزم  بطرق التوثيق العلمي، ومن ضمنها الالتزام بالنص المقتبس، ولا أعلم في حقيقة الأمر، هل هذا يرجع إلى جهله بأساليب التوثيق، أم أنه تعمد ذلك من أجل التدليس والتزوير، وعلي أية حال، إليكم أمثلة مختارة من بعض فصول الكتاب، سنذكر الفقرة الأصلية أولا، ثم الفقرة المقتبسة، وبعدئذ سترى أيها القارئ بنفسك تصرف الباحث في النصوص المقتبسة إما بالتحوير أو بالحذف والزيادة:

يقول أنجيلوا ديل بوكا:“وخلال أبريل ومايو من سنة 1929م طورت سرا المفاوضات بين زعماء العصاة ووفد من الأعيان الموالين للحكومة” 27

اقتباس الباحث:” وخلال أبريل ومايو طورت المفاوضات بين المختار ووفد من الأعيان الموالين للحكومة”28

يذكر اتيلوتروتسي:” إن حادث غوط الساس قد رفع إلى منزلة الإعجاب والعرفان اسم موقع اقترن حتى ذلك الوقت بالاجتماع المهين الذي عقده وزير إيطالي قبل العهد الفاشستي مع زعيم السنوسية” 29

اقتباس الباحث:“هذا الحادث قد رفع إلى منزلة الإعجاب والعرفان (اسم موقع) اقترن حتى ذلك الوقت بالاجتماع المهين الذي عقده وزير المستعمرات الإيطالية مع زعيم السنوسية إدريس”30

يذكر محمد طيب الأشهب على لسان عمر المختار: “ثقوا أني لم أكن لقمة طائبة يسهل بلعها على من يريد، ومها حاول أحد أن يغير من عقيدتي ورأي واتجاهي، فإن الله سيخيبه، ومن (طياح سعد) إيطاليا ورسلها هو جهلها بالحقيقة، وأنا لم أكن من الجاهلين والموتورين فأدعي أنني أقدر أعمل شيئا في برقة، ولست من المغرورين الذين يركبون رؤوسهم ويدعون أنهم يستطيعون أن ينصحوا الأهالي بالاستسلام، أنني أعيد نفسي من أن أكون في يوم من الأيام مطية للعدو وأذنابه”31

اقتباس الباحث: “ثقوا أنني لن أكون لقمة سائغة يسهل بلعها على من يريد، إنني أعيذ نفسي من أن أكون في يوم من الأيام مطية للعدو وأذنابه”32

يذكرالجنرال غرسياني على لسان عمر المختار: “لا تدعوني عاصيا متمردا لأنني لم أكن قط قبل اليوم خاضعا لسلطة الحكومة بل إنني بالأحرى ناضلت دائما، إذ إن الدين يوصيني بذلك” 33

اقتباس الباحث:“لا تلقبوني بالعاصي، لأنه لم يسبق لي أن استسلمت للحكومة من قبل، فأنا لم أتوقف عن محاربتها لأن ديني يفرض علي ذلك “34

يقول اتيلوتروتسي” لقد توقعنا حركة الثورة التي كانت تعد لها المقاومة بأساليب الختل” 35

اقتباس الباحث:” لقد توقعنا حركة الثورة التي كانت تعد لها السنوسية بأساليب الختل”36

كما هو واضح  في الفقرات السابقة يوجد حذف وتحوير وزيادة  مثل (إدريس) و (المختار) و (السنوسية) وغيرها، كان يجب على الباحث، والحالة هذه، أن يذكر في الهامش كلمة (بتصرف) مع عدم وضع الفقرات التي تصرف فيها بين قوسي الاقتباس لأنه؛لا ينبغي له التصرف في النص المقتبس، ومن ثم، ينسب ما جاء فيه إلى صاحب العمل الأصلي 37، حتى لو رأى إن النص المقتبس يحتاج إلى معالجة لغوية كما في كلمة (طائبة) التي حوّلها إلى (سائغة) في نص الأشهب، ولم يقف الباحث عند هذا الحد وإنما بتر نص الأشهب دون ان يستعمل القوسان المُركنّان وهي علامة البتر(…) التي يُستكمل بها سياق النص المقتبس، وهناك نماذج أخرى من هذا القبيل تصرف فيها الباحث كثيرا، لدرجة أنه كان يأخذ من هامش الترجمة وينسبهاإلى صاحب العمل الأصلي،مثال ذلك حينما جاء بتعليق للدكتور محمود علي التائب مترجم  كتاب (الإيطاليون في ليبيا) على أنه من كلام أنجيلوا ديل بوكا،38أو حينما جاء بعبارات للصحافي الإيطالي (الدو كيرييتشي)كتب في  الهامش جملة من “ترجمة مؤرخ ليبي” دون أن يذكر اسم الكاتب وبيانات المطبوعة التي نقل عنها39 ولا يسعنا المجال –للأسف- ذكر أمثلة عديدة  في هذا السياق. وبالنسبة لموضوع تكرار ما جاء به الكتاب السابقون، يُقصد به كلام الباحث حول ترجمة كتاب برقة الهادئة للسيد إبراهيم بن عامر، وكلامه في الفصل الأخير حول كتاب عمر المختار للشيخ طاهر الزاوي أننا نقول: إن الحديث عن العيوب الموجودة في هذين العملين فصل فيه القول منذ زمن، ولا فائدة منتكرار الحديث عما ورد فيهما من أخطاء، ألا يكفي القراء ما قام به محمد الفرجاني في برقة المهدأة، وردود الشيخ العيساوي في (رفع الستار عما جاء في كتاب عمر المختار)؟. ومن المآخذ الموجودة أيضا في الفصل الثاني على وجه الخصوص الاستعمال الرديء للوثائق التاريخية، فما الجدوى من ذكر وثائق تتعلق بسرقة أبقار وتقسيم أغنام، وكثرة فئران أثناء الحديث عن دور عمر المختار وقيادة الجهاد في برقة! فاستعمال العشوائي للوثائق ربما يؤدي إلى اختلاط المعلومات بغير نظام، والخطوة الأولى في تقييم الوثائق ليست في اختبار أصالتها فحسب، وإنما في مدى ارتباطها وتأثيرها في سياق الأحداث التاريخية،فدراسة التاريخ مسؤولية كبيرة ينبغي على باحث التاريخ التصدي لها بجدارة. أما فيما يخص طعن الباحث في الكتب المنشورة في حقبة سبتمبر، فإننا نلاحظ عدد كبير من المراجع التي اعتمد عليها طُبعت وانتشرت في عهد القذافي بما فيها ترجمة الفرجاني، وكتاب ديل بوكا الذي يعد أكبر مرجع (من حيث الاقتباس) نقل عنهالباحث، وهو من منشورات مركز الجهاد الليبيين عام 1995م. ولا يفوتنا قبل أن نختم حديثنا عن الفصل الثاني تسجيل ملاحظة بسيطة عن الحكاية التي أثارها الباحث المتعلقة بأكل الليبيين للحوم البشر أثناء الاحتلال الإيطالي!فلا يمكن لأي كاتب في التاريخ ذكر رواية لا يوجد لها صدى بالمصادر التاريخية الموثوقة أو الموروث الشعبي بالمجتمع، ونحن نستغرب كيف أخذ الباحث برواية مجهولة أثبتها (دون وثائق) بعض مؤرخي الحركة السنوسية أمثال شكري والعيساوي من أجل تبرير معاهدات الصلح التي أبرمها السنوسيون مع الطليان40ونزيد استغرابا، حينما يقبل مرة ثانيةرواية ذكرهاسالم الكبتي عن السيد حسين مازق عن الكيلاني المغربي41!ولم يُنقل عن هذه الرواية خبرٌ ولا ذكرها أحدٌ من المؤرخين الغربيين والعرب على السواء.والسؤال هنا؟ هب أن حادثة الرجل الذي طبخ طفلته الرضيعة بعد وفاتها بالقرب من مدينة المرج قد وقعت فعلا، وهب أن الناس في سنوات المجاعة كانوا يأكلون لحوم الموتى من الآدميين، أليس من المنطق انتشار خبر هذه الوقائع  في طول البلاد وعرضها وتسجيلها في الأزجال والأغاني الشعبية، بللو كانت هذه الوقائع حدثتبالفعل لتداولها الآباء عن الأجداد خاصة وأنها وقعت في برقة التي يشتهر أهلها بالشعر، وتسجيل كل كبيرة و صغيرةفيما يتعلق بتراث الليبيين.لكن يظهر أن الباحث لا يتحرى الحقائق ويقبل أي رواية شفهية دونوضعها في ميزان النقد والتمحيص.

وفي الفصل الثالث (الأمير إدريس وإقليم طرابلس) تناول الباحث بشكل انتقائي العلاقة بين الحركة السنوسية وزعماء الجهاد في طرابلس، ناقش من خلالها الخلاف بين صفي الدين السنوسي والسيد رمضان السويحلي، وما نُتج من اضطرابات بين صفوف المقاومة، وعرج بعد ذلك إلى مؤتمر غريان واجتماع سرت الذي انعقد في يناير عام 1922م، بين إقليمي برقة وطرابلس الغرب، وكان يمثل الوفد البرقاوي الشيخ صالح الاطيوش، والوفد الطرابلسي يمثله أحمد المريض، وقد اتفق المؤتمرون  في هذا الاجتماع الذي عرف فيما بعد ب(ميثاق سرت) على عدة أمور أهمها: إنهاء الخلافات القديمة وتوحيد حركة الجهاد ضد العدو، والسعي لانتخاب أمير مسلم، تكون له السلطة الدينية والمدنية داخل دستور توافق عليه الأمة، ثم تحدث الباحث عن اتحاد القطرين، وانهيار الهدنة بين المجاهدين والقوات الإيطالية، ومن خلال سير الأحداث نكاد لا نعثر على أيشيء يذكر في هذا الفصليتصل بحياة عمر المختار، فكل ما جاء  يتعلق بالسيد إدريس، بدءا من محاولة إعادة السيد الشريف إلى البلاد إلى لقاء السيد إدريس بوزير المستعمرات الإيطالية (أميندولا) في (غوط الساس) من أجل تنفيذ اتفاقيات الرجمة وبومريم إلى انهيار الهدنة ورحيل الأمير إدريسإلى مصر خوفا من إلقاء القبض عليه  كما زعم الباحث، لدرجة أننا نشعر أثناء القراءة أن الكتابالذي بين أيدينا يتحدث عن حياة إدريس السنوسي، وليس عن الحقائق المغيبة في حياة عمر المختار، ولا ننكر إننا ألتمسنا ميل الباحث  في الكتابة عن الحركة السنوسيةمنذ الصفحات الأولى للكتاب،ومن المؤسف جدا،تتداركما سبق وإن آخذناه عليه في الفصلين السابقين من مغالط منهجية، ويمكن تبيان ذلك في النقاط التالية:

  • ظاهرة  ذكر النصوص التي وضعت بين قوسين ولا مصدر ولا مرجع لها، مثال حديثه عن رسالة السيد بشير السعداوي إلى زعيم هيأة الإصلاح أحمد المريض صفحة 190.وكلامهعن المراسلات بين الأمير إدريس و الوزير المفوض الإيطالي بالقاهرة في صفحتي 218/ 223.
  • عدم الدقة في تحديد  صفحاتالكتب التي نقل عنها، مثال ذلك حينما أوردالباحث نصين من كتاب (الإيطاليون في ليبيا) لديل بوكا وأشار إليهما بالهامش على أنهما من صفحة 80، في حين إننانجدهما في صفحتي 79 و 80.وأحيانا يذكر اسم الكتاب بالهامش دون الإشارة إلى رقم الصفحة، ناهيك عن عدم الالتزام بطريقة معينة في التوثيق، وهذا يقودنا إلى نقطة منهجية تتعلق بالكيفية التي يجب أن تورد بها المصادر والمراجع، وتتركز هذه النقطة في ضرورة التزام الباحث بطريقة واحدة يرتضيها في ذكر بيانات مصادر بحثه من البداية إلى النهاية، فعلى سبيل المثالفي صفحة 285 هامش رقم 1 ورد على النحو التالي: (غراتسياني، برقة المهدأة، ص 52). وفي الصفحة ذاتها أورد هامش رقم 3 بالكيفية التالية: (تيروتسي، ص 195، مرجع سابق) وقد تكررت هذه الأخطاء كثيرا لدرجة تجعلنا نستبعد أن تكون أخطاء مطبعية.
  • عدم مراعاة  التسلسل الزمني للأحداث التاريخية، حيث يوجد اضطرابواضح في عرض الموضوعات،وعدم الحرصفي إحكام الصياغة وترتيب المادة، والجنوح إلى المبالغة في تقدير أعداد الجُند، يظهر ذلك، حينما تحدث عن عمليات حاكم طرابلس الإيطالي (جوسيبيفولبي) وذكر أنه “جنّد فيها أزيد من ثمانين ألف مجند محلي لإعادة احتلال المنطقة الغربية بأكملها42 دون إن يشير إلى المصدر الذي نقل عنه عدد الجنود المبالغ فيه. وهو هنا يذكرنا بطريقة الإخباريين في القرنيين الثالث والرابع للهجرة أولئك الذين تحدث عنهم ابن خلدون قائلا: “ونجد الكافة من أهل العصر، إذا أفاضوا في الحديث عن عساكر الدول التي لعهدهم أو قريبا منه وتفاوضوا في الأخبار عن جيوش المسلمين أو النصارى(…) توغّلوا في العدد وتجاوزوا حدود العوائد43.
  • عودة الباحث فياستدعاء الروايات المحلية دون الإشارة إليها في الهوامش مثال ذلك: “قرر الإيطاليون القبض على الأمير إدريس، قد تناهت هذه الأخبار إلى علم السيد الأمير- كما تقول الرواية المحلية44. ولا يقف الباحث عند هذا الحد، وإنما يضع القارئ في مفترق الطرق حائرا، حينما يؤكد من جهة أخرى أن سبب رحيل الأمير إدريس إلى مصر كان من أجل العلاج، وليس (ادعاءً كما يزعم البعض)، ثم ينقل روايات تبرر حادثة السفر من أجل بقاء التنظيم السنوسي وقضية المقاومة ضد الطليان، ولك أيها القارئ أن تختار الذي يروق لك من الأسباب، ومن الغريب جدا، هو تأكيده على أن نجاة رأس السنوسية كان لصالح حركة الجهاد في ليبيا، وهنا نجد أنفسنا وجها لوجه أمام مغالطتفسير الحدث ليس من خلال تأثيره زمن حدوثه، وإنما عبر الأحداث التي تلت في المستقبل، يظهر هذا جليابافتراض الباحث في أن”عدم وجودها (يقصد شخصية إدريس) لن يجرؤ أحد على أن يُقسم جازما بأن الأمور كانت ستسير وفق ما يتطلبه صالح قضية الجهاد ضد الاحتلال45 وقد تناسىأن حركة الجهاد المسلح التي يتحدث عنها انتهت عام 1932م بعد عدة أشهر من ألقاء القبض على بطل كتابه (عمر المختار) الذي ظل محاصرا من قبل الإيطاليين في الوقت الذي تخلى فيه الأمير إدريس عن ساحة الجهاد في ليبيا وبقى منتظرا في القاهرةيرقب الأحداث من بعيد، وقد حاول الباحث ان يوهم القراء بأن وجود الأمير إدريس في مصر كان بالاتفاق سرا مع عدد من المجاهدين ومن بينهم عمر المختار، جاعلا منه المرجعية الضامنة لبقاء قضية المقاومة على قيد الحياة بحسب تعبيره، مع أن هناك وقائع تاريخية تؤكد أن عمر المختار سافر إلى مصر من أجل طلب العون والمساعدة المالية والعسكرية من السيد إدريس، لكن الأخير رفض بسبب ضغوط الحكومة الإنجليزية، وعندما يئس عمر المختار قرر العودة إلى برقة، وكتب رسالة مطولة إلى السيد أحمد الشريف موضحا فيها الموقف العسكري في ليبيا وما دار بينه وبين إدريس السنوسي في مصر، ولقد وقع على هذه الرسالة ثلاثة من كبار قادة المجاهدين وهم: عمر المختار ويوسف بورحيل وعلي حامد العبيدي46 ومما جاء في هذه الرسالة  “نخبركم أننا ذهبنا إلى مصر، ولحقنا بالأمير إدريس وطلبنا منه إغاثتنا ومساعدتنا بأية صفه كانت، فقال لنا والله ما نقدر مساعدتكم بشيء، ودبروا أنفسكم (…)  ولكن نخبركم بأننا لا نسلم للعدو، وندافع عن أنفسنا وديننا ووطننا إلى آخر قطرة من دمائنا”47 ومن المخجل، أن يطعن الباحث في صحة هذه الوثيقة التي لم يذكرها في كتابه، وإنما أشار إليها في الفصل الرابع بقوله: ” وبعيدا عن التخمينات المسطحة واللغط الذي لا أساس له، والذي حاول بعضهم تمريره حول هذه الزيارة باستخدام (نص) مقتبس من وثيقة شاذة”48، وفي المقابل لم يذكر ما وقع بين عمر المختار والسيد إدريس أثناء هذه الزيارة، وإنما اكتفى بالقول”وبعد مرور شهر واحد فقط من وصول الأمير إدريس إلى القاهرة، كان عمر المختار قد لحق به، وبقى في ضيافته بمقر إقامته في مصر الجديدة قرابة أسبوعين، عاد المختار بعدها بالأوامر والترتيبات الجديدة التي تم الاتفاق عليها بين الاثنين49.والسؤال هنا، لماذا لم يذكر الباحث المصدر الذي اعتمد عليه بخصوص هذه الزيارة؟ وإذا كان هناك ثمة ترتيبات واتفاق بين الزعيمين كما يؤكد ذلك بعض مؤرخي الحركة السنوسية أليس من الأحرى أن يتحدث عنها ويذكرها بالتفصيل، خاصة وأنه طعن فيصحة وثيقة تاريخية تزعم خلاف ذلك.

ويُختم الفصل الثالث بالحديث عن احتلال اجدابيا، وهنا لا بد من وقفة قصيرة حول ما ذكربخصوص العمليات الإيطالية التي قامت باحتلال مناطق برقة البيضاء بعد تدمير المعسكرات المختلطة، نجد الباحثيتطرق سريعا – نقلا عن محمد الطيب الأشهب حرفيا دون الإشارة إليه- إلى المعارك التي وقعت في تلك الأثناء منها: موقعة البدين ومعركة الزويتينة50 ثم ذكر احتلال اجدابيا في سطرين، وهو بهذا يقلل من شأن هذه المعارك التي تكبد فيها العدو خسائر فادحة باعتراف المصادر الإيطالية نفسها.ويتملكنا العجب من عدم ذكره للحملة العسكرية الضخمة التي أعدها بونجوفاني من أجل احتلال مناطق برقة البيضاء، حيث كانت قوات الحملة تتألف من سيارات مدرعة وقوات مشاة يبلغ عددها 3000 رجل، يساندها السلاح الجوي الإيطالي الذي ألقى أطنانا من الحديد على المجاهدين، والمدفعية الثقيلة التي بدأت بدك المناطق لعدة أيام، حتى سقطت اجدابياالتي عاثت فيها القوات الإيطالية والمرتزقة من الليبيين فسادا واستبدادا، وقد بلغ عدد ضحايا مناطق برقة البيضاء بين قتيل وجريح ومفقود حوالي عشرين ألف نسمة بحسب ما جاء لدى محمد عبدالرازق مناع51ولعل خير مثال على أهمية هذه المعارك ما ذكره ديل بوكا حول محاولة الإيطاليين  في الوصولبعد هذه المعارك “إلى التماس مع قبيلة المغاربة المخيفة والتي أظهر زعيمها صالح الأطيوش دائما نفورا عميقا من إيطاليا “52، وبالفعل، فقد أدى احتلال اجدابياللمرة الثانية إلى حدوث عدة معارك، أهمها ما حصل في (بئر بلال والبريقة)، “وهما المعركتان اللتان أصيب فيهما الإيطاليون بخسائر فادحة، وتعرضت وحدات من قواتهم للإبادة التامة53. والفضل يعود في هذين المعركتين ليس للحركة السنوسية كما زعم الباحث، وإنما لرجال قبيلة المغاربة باعتراف المصادر التاريخية نفسها54.

تبقى ملاحظة أخيرة في هذا الفصل، تتعلق بالموضوعية  العلمية في الكتابة التاريخية،ينبغي الإشارة إليها، لكوننا لا نعلم، لماذا يصر الباحث على نسب كل البطولات الوطنية  في برقة للحركة السنوسية ، مع إسقاط تام لدور القبائل والزعامات المحلية، وهذا بطبيعة الحال افتئات على التاريخ من جهة، وعلى دور المجاهدين الليبيين من جهة ثانية، فالباحث يحاول كغيره من مؤرخي الحركة السنوسية تضخيم دور السنوسية في حركة الجهاد وعدم التعرض للأخبار المسيئة الواردة في المصادر التي نقلوا عنها، وفي المقابل نجده يسوقبعاطفة هوجاءالنصوص التي تمجد السنوسية وتبرئها من التهمالمنسوبة إليها، وهو بهذا العمل، لم يكن منصفا في أحكامه، وقد أساء لكثير من الشخصيات الوطنية  في فترة الجهاد وعلى رأسها عمر المختار. فمن أهم شروط الكتابة التاريخية كما جاء في كتاب “الإعلان بالتوبيخ لمن ذم التاريخ”  هو أن يكون الباحث “عالما بطرق النقل حتى لا يُجزم إلا بما يتحققه؛ فإن لم يحصل له مُستند مُعتمد في الرواية، لم يُجز له النقل (…) وليكون بذلك محترزا عن وقوع المجازفة والبُهتان والإفتئات والعدوان وهو لا يشعر ولا يبصر، وينفر عن تاريخه العقلاء والعلماء والنبلاء والحكماء، ولا يرغب فيه إلا من هو مثله55.وستقف أيها القارئ الكريم  بنفسك على هذا التجني في فصول الكتاب المقبلة.

أما الفصل الرابع، فكان عنوانه (الوضع بعد عام 1923م) وقد قاربت عدد صفحاته مئة صفحة، من( 235- 328)، خمس وعشرون منها جُعلت للوثائق والرسائل والصور المتعلقة بالحركة السنوسية، أما باقي الصفحات لا يتعدى كونها نقولات مطولة من كتب مؤرخي الحركة السنوسية أمثال: الأشهب وشكري والعيساوي، وقد بلغ حجم  أحد النصوص أكثر من عشر صفحات، وهو نص الأشهب المقتبس(من صفحة 77 إلى 89)وقد أشار إليه الباحث على أنه من صفحة واحدة، ولم يذكر الصفحات المتبقية بالهامش! وإذا كانعلم التاريخ يعتمد كما هو معروف على الوثائق وأقوال المؤرخين السابقين، فأن هذا لا يعطي الباحث الإكثار من الاقتباسات، ويصبح بعدئذ بحسب تعبير الوافي “مثل الحائك الذي يصنع ثوبا من شُتاتٍ من رقع أثواب الآخرين البالية”56.وبالإضافة إلى كثرة الاقتباسات، هناك طمس متعمد لبعض الحقائق التاريخية خاصة فيما يتعلق بالاتصالات السرية بين الإيطاليين والأمير إدريس في القاهرة، التي تنازل بموجبها إدريس السنوسي عن الإمارة في ليبيا الموحدة تحت الحماية الإيطالية الثانية. والاكتفاء بإدارة واحات أوجلة وجالو والكفرة، مع ضمان أملاكه ومرتب شهري، لدرجة جعلت من ديل بوكا نفسه يتساءل: ” ألقاب وتشريف مقابل كل شيء“.57

لن نُطيل الحديث عنالفصل الرابع من أجل الأسباب التي ذُكرت سالفا، لكننا، سنكتفي بالإشارة إلى ملاحظتين يجب التطرق إليهما: الأولى ما جاء لدى الباحث في احتلال الجغبوب، والثانية: استسلام السيد محمد الرضا.

  1. احتلال الجغبوب:  أثناء الكلام عن احتلال الجغبوب تفادى الباحث الحديث عن السيد هلال السنوسي الذي ساعد القوات الإيطالية  في احتلال واحة الجغبوبيوم 7/فبراير/1926م، مقابل الحفاظ على أملاك الأسرة السنوسية وإعطائهم رواتب شهرية،58 وفي هذا الصدد يقول ديل بوكا: “دخل الرتل الجغبوب دون أن يتعرض لأية مضايقة. وخلال الإغارة بكاملها لم تطلق رصاصة بندقية واحدة”59،ومن جهة أخرى، يصوّر الباحث، إن السبب الرئيس في احتلال الجغبوب يعود إلى قوة الجيش الإيطالي بالمقارنة مع عدد سكان الواحة الذي لا يتجاوز300 نسمة نصفهم من النساء والأطفال.ولا ندري  في حقيقة الأمر، من أين جاءبعدد سكانواحة الجغبوب في ذلك الوقت؟ يبدو أن الأمر اختلط عليه، ربما كان يقصد عدد دور المجاهدين بقيادة قجة عبدالله الذي كان ينوى (كما يقول ديل بوكا)عرقلة الطريق أمام الإيطاليين60، أما عدد سكان الواحة وقت إغارة الطليان كانوا يُعدون على الأصابع بحسب تعبير محمد الأخضر العيساوي61 ومها يكنمن الأمر، فالتاريخ لم يسجل للقوات السنوسية شرف الدفاع عن الجغبوب التي احتلها الطليان دون مقاومة.
  2. استسلام السيد محمد الرضا: جاء لدى الباحث تحت عنوان (السيد محمد الرضا في الأسر) وهو في هذا يريد أن يُوهم القراء بأنوكيل الأمير إدريس (محمد الرضا) لم يستسلم ، وإنما وقع في الأسر، بعدما كان يأمل في لحظة مواتيه تُمكنه من المفاوضات على شيء ما بحسب تعبيره، ونحن بدورنا نتساءل، لماذا تعمّد الباحث إغفال المصادر التاريخية بما فيها الوثائق الإيطالية التي تؤكد على استسلام السيد الرضا غير مشروط ؟ أشهرها ما جاء في رسالةاتيليوتروتسي إلى (الدوتشي) نذكر منها: “إنني سعيد بأن أبلغ معاليكم، أنه اليوم عند الساعة الثالثة، وصل إلى إجدابيا محمد الرضا السنوسي، حيث أعلن استسلامه وخضوعه للحكومة أمام قائد المنطقة(…) لقد قام الرضا بإعلان خضوعه بلا شروط، واضعا نفسه تحت كرم الحكومة” 62
  3. وإذا كان استسلام الرضا خديعة دبرها العدومن أجل نفيه إلى إيطاليا (كما يزعم الباحث ومؤرخي الحركة السنوسية عموما). فلماذا لا يذكر على الأقل مواقف السيد الرضا الوطنية بعد عودته من المنفى؟ أليس السيد الرضانفسه من “وافق على إصدار منشور سياسي إلى أهالي برقة يطلب منهم الاستسلام للحكومة الإيطالية والجنرال غراتزياني (العطوف الرحيم)، ولم يمانع السيد الرضا (أيضا) في مساعدة الجيش الإيطالي في احتلال واحتي جالو وأوجلة “63. ومن هذا المنطلق، تنتفي فرضية الباحث القائلة ” بوقوع الرضا في شرَك الخديعة”64، ويُرجّح، والحالة هذه، ما ذكرته أغلب المصادر الإيطالية والمحلية حول استسلام السيد الرضا غير مشروط. والجدير بالذكر أن حادثة الاستسلام بالأساس ليس لها أهمية كبرى بالنسبة للحكومة الإيطالية باعتراف وزير المستعمراتالإيطالي نفسه. ويعود ذلك إلى أن السيد الرضا المعروف بضعف الإرادة لم يكن في نظر الإيطاليين الزعيم الفعلي لحركة الجهاد في برقة.

وقبل مغادرة الفصل الرابع يحسن التنبيه إلى أننا لا نريد بهذا الحديث إنكار دور السنوسية  في المقاومة المسلحة ضد الطليان أو النيل من رموزها، لكن الباحث هو الذي أرغمنا علىذكر هذه الحقائق حينما تجاهل دور القبائل الليبية في حركة الجهاد، فلولا التنظيمات القبلية المعروفة (بالأدوار) لما كان للحركة السنوسية أي أثر يذكر في تاريخ الجهاد الليبي على الإطلاق. كما أننا نستغرب تعصب الباحث اللامحدود للسنوسية، وإضفاء مظاهر التبجيل والإجلال على شيوخها لدرجة أنه جعل عمر المختار يفتخر قالا بأنه ” لم يقابل أحدا منهم وهو على غير وضوء مذ عرفهم“65. وهذه الرواية لا يمكننا الأخذ بها لسببين أولهما أن الباحث أوردها بلامصدر، والسبب الثاني وهو الأهم مخالفتها للشرع، ولا داعي لتفصيل السبب الثاني الذي يُعد عند المسلمين من الأمور البديهية، فالذي يستعدي الوضوء عند مقابلته هو الله وحده جل جلاله وفيما عداه لا يوجب على المسلم إقامة الوضوء من أجله ولو كان من الأنبياء.

وفيما يخص الفصل الخامس، فإنه يتحدث عن سلسلة المفاوضات بين معسكر الثوار والحكومة الإيطالية بُعيد تولي (بادوليو) الحكم على برقة وطرابلس، وكما يحدث في كل مرة، يوجد بتر للنصوص وتأويل موجهللحقائقبالإضافة إلى تزوير للوثائق التاريخية، يلاحظ ذلك حينما نقل الباحث عن الجنرال غراسياني مطالب زعماء الثوار التي جاء بها متصرف درنة (علي العبيدي) وهي كلها تدور حول الحفاظ على كيان الطريقة السنوسية،  وقد أثبتها  في كتابه على أنها كانت مطالب عمر المختار وذلك من أجل أن يثبت للقراء بأن المختار كان يقاتل من أجل تحقيق مكاسب دنيوية لزعماء الحركة السنوسية . وإليكم ما جاء في كتاب غراسياني (برقة المهدأة) ترجمة محمد الفرجاني في هذا الشأن:

يقول غراسياني: ” وفي تلك الأثناء أحاط وجيه العبيدات علي العبيدي متصرف درنة علما أنه حسبما تسنى له فهمه من خلال المحادثات التي جرت مع زعماء الثوار كان هؤلاء يطالبون بما يلي:

أولا: الاعتراف بالسنوسية كطريقة من طرق الإسلامية ذات الطابع الديني مع تخصيص مبالغ لأعضاء الأسرة السنوسية .

ثانيا: الاعتراف بالأوقاف واحترامها .. تلك الأوقاف التابعة للزوايا ذاتها مع دفع رواتب قائمقامات الزوايا وزعماء القبائل.

ثالثا: الاعتراف بالملكية الخاصة لأعضاء الأسرة السنوسية فيما يتصل بالأراضي المقفرة المحيطة بكل من الجغبوب والكفرة ….”

رابعا: إعفاء أموال الزوايا وأموال العائلة السنوسية من دفع  الضرائب“.66

وقد جاء عند الباحث حول هذه المطالب ” وهذا ما عبرت عنه بوضوح مطالب عمر المختار التي أرسلها إلى داودياشي مع الوجيه علي باشا العبيدي بعد انصرافهم من اللقاء السابق والتي دارت كل بنودها حول مطلب الحفاظ على كيان الطريقة السنوسية”67.

أما فيما يتصلبسوء العلاقات بين عمر المختار والسيد الحسن الرضا الذي أنشق عن تنظيمات الثوار وأصبح خاضعا هو واتباعه للإيطاليين، كما ذكرنا آنفا، يؤكد الباحث أن انجراره (أي الحسن) وراء قبول الاتفاق مع الإيطاليين كان ” بفعل ضغط مستشاريه والزعماء من الأعيان الخاضعين“68متجاهلا ما جاء في كتاب برقة المهدأةالذي وثّق ترجمته وأعتمد عليها كثيرا في جميع فصول كتابه. وإليكم ما قاله غراسياني في هذا الصدد:

كان من شأن عدم تساهل عمر المختار وكونه لا يريد الاعتراف بعد بزعامة محمد الرضا أن أثار بطبيعة الحال استياء الحسن الذي سرعان ما أدرك بالرغم من طموحه أن احتمال تدخل إدريس كان من الممكن أن يجعله هو وعائلته يصبحون في المقام الثاني، ولذلك صارت العلاقات بين عمر المختار والحسن الرضا متوترة أكثر فأكثر وأنتهى بها الأمر إلى انفصال جماعة الجنود التي كانت تحت قيادة الحسن (البراعصةوالدرسة) عن تنظيمات الثوار الأخرى“69. وهنا كما هو واضح يرجّح غرسياني سبب خضوع الحسن الرضا بأنه كان من أجل المنافسة على الزعامة وليس بتأثير الأعيان الخاضعين، وإلى جانب هذا، ثمة أشياء لا بد من الإشارة إليها قبل مغادرة الفصل الخامس تتعلق بتزوير الوثائق وتأويلها بحسب الأهواء، ومن هذه الأشياء زعم الباحث بأن العبارةالتي جاءت في رسالة عمر المختار( المرسلة إلى سيشيلياني نائب حاكم برقة)التي تقول: “وأعتقد جازما أنهم يعمدون إلى بذر الشقاق بيننا وبين السيد إدريس” 70 المقصود فيها كان الحسن الرضاوليس السيد إدريس السنوسي، وقد علق في الهامش قائلا: “في ترجمة برقة المهدأةللفرجاني كُتبت “إدريس” وهو خطأ كتابي، لأنه في الأصل الإيطالي “الحسن” وهو ما يتناسب مع سياق الحدث والحديث“71. لكنناحينما رجعنا إلى العبارة نفسها في ترجمة  ابن عامر (برقة الهادئة) وجدنا المقصود هو السيد إدريس!72أليس غريبا أن يتكرر الخطأ المطبعي في كلا الترجمتين؟ألا يعني هذا أن الكلمة في الأصل الإيطالي كانت إدريس وليس كما ذكر الباحث. إذ أن عدم التناسب بين كلمة إدريس وتوزيع الأقوات لا يمكن أن يغفل عنها المترجمان معا، لكنهما (رحمهما الله) آثارا نقلالكلمة كما هي وفقا لمقتضيات الأمانة العلمية ولم يتصرفا في نص الرسالة كما فعل الباحث الذي أبدلاسم إدريس باسم الحسن الرضا، وهذا بطبيعة الحال لا يجوز من الناحية العلمية والأدبية في جميع الأحوال.

وهناك شيء آخر مشابه نعثر عليه  في نهاية الفصل الخامس وقتما عرض الباحث بيان عمر المختار الذي نشر في الصحف العربية إبان انهيار الهدنة بين الثوار والحكومة الإيطاليين، حيث وقف على فقرة:(رأيت أن أخوض غمار الحرب وأن لا أركن إلى أي محادثة أو واسطة، ولو من العائلة السنوسية، إلا من اتفقت عليه الأمة وأودعته ثقتها) وعلق على عبارة ” إلا من اتفقت عليه الأمة وأودعته ثقتها” بقوله: تعني (الأمير إدريس) نفسه73!! وهو تأويل بعيد كل البعد عن القصد وسبيله. فيا له من منطق عجيب، كيف يعني الشيخ عمر المختار بتلك العبارةالسيد إدريس السنوسي  في الوقت الذي وقع فيه بيانه هذا بمقولة ” قائد القوات الوطنية في ساحة الحرب الطرابلسية البرقاوية “، وكان قبل تاريخ هذا البيانيختم الرسائل والاتفاقيات باسم (نائب الوكيل العام). لدرجة جعلت العديد من المؤرخين يؤكدون –بعد صدور البيان- على تملص المختار من التبعية الأسمية للحركة السنوسية، وهذا يتفق تماما مع مجريات الأمور في تلك الآونة. ويمكن الاستمرار في ضرب الأمثلة التي توضح تلاعب الباحث بالنصوص والوثائق التاريخية، لكنني آثرت الاقتصاد حتى لا أطيل على القراء.

أما في الفصل  السادس المعنون ب (حطموا السنوسية) انطلق الباحث في الحديث عن فترة تولي الجنرالغرسياني للحكم في برقة، حيث تناول المحكمة الطائرة وإغلاق الزاويا السنوسية، وإقامة المعتقلات والأسلاك الشائكة حتى وصل إلى احتلال الكفرة والقبض على عمر المختار ومحاكمته وإعدامه وانتهاء المقاومة في برقة، ونكاد لا نعثر علي أي شيء جديد في سرد الأحداث، باستثناء بعض التخمينات والتأويلات المضادة للمنطق والحكم السليم، وهي تدل في مجملها على تحيز الباحثللحركة السنوسية وإلا كيف نفهم والحالة هذه انكاره  لكتاب السيد محمد الرضا الذي يؤيد فيه إغلاق الزوايا السنوسية عام 1930م، حينما قال: “والحقيقة أن الطائرات لم تلق أي بيان صادر عن السيد الرضا على الإطلاق”74 مع إن هناك مصادر تاريخية تؤكد هذه الحادثة، منها: كتاب (عمر المختار) للشيخ الزاوي، وجريدة (بريد برقة) التي نشرت نسخة من البيان عام 1931م، وها هو الجنرال غرسيانينفسه يتحدث عن محمد الرضا قائلا أنه” حرر كتابا لجميع المسلمين استنكر فيه أعمال الأخ إدريس وأعمال الطريقة السنوسية“75وأورد نسخة كاملة من البيان في كتابه(برقة المهدأة)ولكي تتضح الرؤية التي تبين خضوع السيد محمد الرضا غير المشروط للحكومة الإيطالية يحسن بنا عرض بعض فقرات البيان الذي لا نشك في صحته ونسبته للسيد محمد الرضا السنوسي وكيل السيد إدريس:

بوصفي سنوسيا لا أستنكر ما أسسه أجدادي وأهداف مؤسستهم وأغراضها النبيلة مثل تعاليم القرآن والواجبات الدينية نحو أولاد العرب (…) لكنني أستنكر الطريق الذي ينتهجه أخواي السيد أحمد الشريف والسيد إدريس الذي يمثل السلطة الزمنية بتفجيرهما الحروب وأعمال السلب والنهب حيث إن خط السير هذا مرتبط بشخصيتهما فحسب ولا يمكن أن ينسب إلى الطريقة السنوسية..”

“إن خضوعي الصادق للحكومة المجيدة أبديته من تلقاء نفسي وليس قسرا وجبرا وليس استجابة لنصيحتكم، فقد نبع من محض ضميري…”

“إن زعماء الطريقة الذين هم جدي السيد محمد بن علي السنوسي وابنه أي والدي السيد محمد المهدي اللذان كان لزاما عليكم اتباعهما لا يوافقان على هذا السلوك التخريبي الهدام.. هأنذا أريكم كيف كانت تسير الأمور قبل ذلك:

“عندما احتل الانجليز مصر دعا عرابي باشا والدي السيد محمد المهدي لمشاركته في الحرب في مصر، إلا أن والدي الذي كان يقيم آنذاك في الجغبوب رفض رفضا قاطعا، ولو كان أراد ذلك لكان قد عمله، لكن هدف المؤسسين الأوائل كان مسألة عقيدة مضادة لكل سلطة زمنية، ولقد قام أجدادي بتأدية هذا الواجب على خير ما يرام”

“ولذلك أدعوكم للتخلي عن الثورة حتى تحصلوا على الخير الأرضي والسماوي وإلا فلستم معي وأنا لست معكم”

“إن وضع أموال السنوسية تحت الحراسة ومصادرتها اليوم هو إجراء عادل وصحيح، لأن؛ إخوتي هم السبب في ذلك”76

هذه أهم فقرات البيان الذي طعن فيه الباحث دون أدلة وأكتفى بالقول: (هذا البيان ليس من وضع السيد الرضا)وهو هنا يؤكد على فكرة طالما كانت مهيمنة بشكل عام في كتابه (عمر المختار الحقيقة المغيبة)، حيث كان الدفاع عن الحركة السنوسيةهو هاجسه الوحيد، وقدجرّه هذا العمل إلى تمجيد رموزها على حساب الوطن وحقائق التاريخ، فالباحث حاول أكثر من مرة  إظهار عمر المختار وهو يقاتل من أجل الأمير إدريس والحركة السنوسية وليس من أجل الدين والوطن. نستطيع ملاحظة ذلك حينما جاءبرواية لأحد المجاهدين تزعم أن عمر المختار قال (قبل أسره بيومين) لمجموعة من الثوار: “إني أشهد الله بأنكم قد أُجهدتم غاية الإجهاد، فمن أراد منكم أن يقوم بتسليم سلاحه ويحصل على العفو فليفعل ولا حرج عليه، أما من جهتي فإني أقسم بأني لن أفعل حتى أموت على حصاني هذا، أو يصلني أمر صريح من السيد إدريس“77وقد تجاهل الباحث وقائع تاريخية كثيرة مخالفة للرواية التي أتى بها، أشهرها ما صرح به عمر المختار حينما سأله الجنرال غرسياني وهو أسير في مكتبه قائلا:

لماذا حاربت الحكومة الإيطالية حربا عنيفة؟

فأجاب المختار: من أجل ديني . ولم يقل للجنرال غرسياني من أجل الأمير إدريس أو الحركة السنوسية. ونستغرب كيف يقبل الباحثهذه الرواية وهو يعلم وجود رسالة من الأمير إدريس كتبها ذات مرة لعمر المختار يقول فيه: “إن حصلت لكم مضايقة من العدو بقطع المواصلات فها هي تأتيكم مقصات للأسلاك الشائكة تستعملونها عند الحاجة والتجئوا إلى مصر لئلا تقعوا في الأسر” فرد عليه  المختار ” لن أبرح الجبل الأخضر مدة حياتي ولا يستريح الطليان فيه حتى يواروا لحيتي في التراب“78.

وقبل أن نختم الفصل السادس وهو الفصل الأخير ينبغي التطرق إلى احتلال الكفرة والإشارة إلىالمدافعين الحقيقيين عنها، ففي بداية التجهيزات الإيطالية لاحتلال منطقة الجوف ذكر الجنرال غرسياني : “عندما شعر صالح الأطيوش بخطورة الموقف اجتمع هو وعبدالجليل سيف النصر وهيأوا جنودهم لمواجهة المهاجمين، وقد أرسلوا طلائع الثوار لتحديد مكان العدو المهاجم، أما السنوسيون فقد بدأوا بالانسحاب من الواحات متجهين نحو مصر” 79وعن بداية المعركة يقول الكاتب محمد عبدالرازق مناع “ما أن وردت أنباء قدوم الحملة الإيطالية حتى اتخذ المجاهدون المغاربة بالتعاون مع رجال زوية في الهواري مواقعهم، كما استعد أولاد سليمان مع الزوية أيضا في الجوف والتاج“80 وقد كان الهجوم الإيطالي من محورين، محور قوات طرابلس الغرب (واو الكبير، تازربو، بزيمة) ومحور قوات من برقة (جالو، الزيغن، الجوف) وقبل المعركة بعدة أيام وردت أخبار للحكومة الإيطالية بأن “أحمد الشريف خول إلى صالح الأطيوش وعبدالجليل سيف النصر قيادة المجاهدين الثوار والدفاع عن الكفرة والواحات التي حولها“81، وبالفعل في يوم 19/ يناير/ 1931م قامت القوات الإيطالية بالهجوم على المجاهدين بغية الاطباق عليهم، وكانت المعركة بالدرجة الأولى معركة طيران، وقد قاوم الثوار مقاومة عنيفة لمنع القوات الإيطالية والمرتزقة الليبيين من الدخول إلى الكفرة، لكن في النهاية استولى الطليان عليها بسبب عدم التكافؤ في العدد والأسلحة، وأستشهد في هذه المعارك حوالى 100من الثوار، كان من بينهم سليمان بومطاري وغيث بوقنديل وأحمد بوشناك، وحمد الحامي، وبعد سقوط الكفرة تفرق الثوار صوب العوينات وجبال تيبستي والحدود المصريةوقامت طائرات السلاح الجوي بملاحقتهم وقصفهم. وقد أشاد الجنرال غرسياني نفسه بشجاعة الثوار وصبرهم فها هو يقول” أن قوات الثوار تحت قيادة رجال مهمين من أمثال صالح الأطيوش وعبدالجليل سيف النصر وحمودة بن شغيلي وحمد بن شريف وعبدالحميد بومطاري الذين قابلوا قواتنا الكبيرة بكل عددها من دبابات وطائرات وأنها معركة غير مكافئة، رغم هذا كله كانوا أشداء، أقوياء، صامدين صابرين لا يتقهقرون أبدا..“82

على سبيل الختم:

وبعد، فهذا قليل من كثير مما يوجد في كتاب (عمر المختار الحقيقة المغيبة) الذي جاء مخيبا للأمل، فإلى جانب الأخطاء المنهجية الجسيمة التي أشارنا إليها،فإن هذا الكتاب تنقصه الجدية في المعالجة والعمق في التحليل، ومن خلال مراجعته وعرضه يتضح لنا تأثر الباحث بكتابات مؤرخي الحركة السنوسية التي تميل إلى تضخيم دور السنوسية أثناء فترة الجهاد الليبي في الوقت الذي لم يكن فيه لزعماء السنوسية أي شأن أو مجد باستثناء جهود أحمد الشريف النضالية في بداية الغزو الإيطالي ” أما مواقف السنوسية بعد ذلك فهي في أغلب الأحيان كانت (على حد قول الدكتور ميلاد المقرحي) مواقف انفصالية وإقليمية وانهزامية ومائعة ومتأرجحة”83. وبالتالي فإن الكتاب لم يقدم شيئا جديدا أو مهما، ويبدو أن صاحبه استغل اسم عمر المختار من أجل ترويجه في الأوساط الثقافية في ليبيا،وأخيرا، كان على الباحث الالتزام بالموضوعية في كتابههذا ويبرز الدور الحقيقي الذي لعبهكل من القادة السنوسية و العنصر الليبي المتمثل في التنظيمات القبلية (الأدوار) أو يترك الأمر في نهاية المطاف إلى أهله.

الهوامش

  1. ابن خلدون “المقدمة” دار إحياء التراث العربي، بيروت/ لبنان، الطبعة الرابعة (د.ت) ص 9
  2. ابن خلدون، المرجعنفسه، ص3
  3. 3-      يوسف عبدالهادي الحبوش “عمر المختار الحقيقة المغيبة”، منشورات مكتبة وهبة، القاهرة، الطبعة الأولى، 2017م ص 24.
  4. أحمد صدقي الدجاني “الحركة السنوسية، نشأتها ونموها في القرن التاسع عشر” دار العلم لبنان للطباعة والنشر، بيروت، الطبعة الأولى 1967م ص 74.
  5. رأفت الشيخ “في تاريخ العرب الحديث” دار الثقافة للطباعة والنشر، القاهرة، الطبعة الثانية1977م ص 270
  6. الإمام محمد عبده “الإسلام والنصرانية مع العلم والمدنية” منشورات دار الحداثة، بيروت/ لبنان، الطبعة الثانية 1988م، ص ص124/125
  7. رأفت الشيخ، مرجع سابق، ص ص 268/269
  8. محمد فوائد شكري “السنوسية دين و دولة” مركز الدراسات الليبية، أكسفورد/ بريطانيا، الطبعة الأولى 2005م، ص 56
  9. محمد عبدالكريم الوافي “الحوليات الليبية منذ الفتح العربي حتى الغزو الإيطالي” منشورات جامعة بنغازي، بنغازي/ ليبيا، الطبعة الرابعة، 1998م ص27
  10. 10-   صرح لي شخصيا الدكتور محمد الوافي (رحمه الله) ذات يوم بعد انزعاجه من أحد الطلبة عام 2001م، حيث قال: (تركتُ أولادي في فرنسا ورفضت التدريس بجامعة باريس، وها أنا اليوم بعد تقاعدي القي محاضرات مجانا بجامعة قاريونس، كل هذا من أجل ليبيا، لكن، والله، سيكون هذا آخر عام أُحاضر فيه على طلبة الليسانس”، وبالفعل، لقد كان عام 2001/2002م آخر عام دراسي له، ويكفى الرجل أنه فضّل العيش بعيدا عن أولاده من أجل تعليم الليبيين. يا ليت كل من يدعي الوطنية أن يقدم للجامعات الليبية ما قدمه الوافي في مجال التعليم والتأليف والترجمة معا.
  11. يقول جورج ريمون: وفي اليوم التالي عرفني (عزيز بك) إلى أعيان بنغازي وقدمني إلى مشايخها، فاجتمعت بهم، وكان على رأسهم نائب بنغازي(…) وكان أولئك الأعيان ومشايخ الزوايا على شيء من الترفع والأنفة، وقد قبل كثير منهم أن ألتقط لهم صورا تذكارية في خيمة النائب (عمر منصور الكيخيا). جورج ريمون، من داخل معسكرات الجهاد في ليبيا 1912م، ترجمة: محمد عبدالكريم الوافي، منشورات جامعة قاريونس، الطبعة الثالثة1988م، ص 304
  12. الحبوش، مرجع السابق ص ص255/ 200 
  13. بخصوص نظام الأدوار ينظر إلى  بحث (الأدوار) للأستاذ يوسف البرغثي، مجلة البحوث التاريخية، السنة الرابعة، العدد الأول 1982م
  14. لمزيد من التفاصيل حول حادثة اعتقال المجاهد صالح الاطيوش، ينظر إلى كتاب “من البطولات العربية الخالدة صالح الاطيوش حياته وجهاده” محمد عبدالرازق مناع، منشورات دار بساط، بيروت/ لبنان، الطبعة الأولى 1983م
  15. جون توش “المنهج في التاريخ” ترجمة: ميلاد المقرحي، منشورات جامعة قاريونس، بنغازي/ ليبيا، الطبعة الأولى 1994م ص 306
  16. محمد عبد الكريم الوافي “منهج البحث في التاريخ والتدوين التاريخي عند العرب” منشورات جامعة قاريونس، بنغازي/ ليبيا، الطبعة الثانية 1998م ص58
  17. الحبوس، مرجع سابق ص 51
  18. جورج ريمون، مرجع سابق، ص305
  19. الحبوش، مرجع سابق ص 52
  20. نقولا زيادة “برقة الدولة العربية الثامنة” دار العلم للملايين، بيروت/ لبنان، الطبعة الأولى 1950م ص 96
  21. حبيب وداعة الحسناوي “عمر المختار نشأته وبيئته الأولى حتى تسلم قيادة الجهاد في برقة عام 1923م” ضمن كتاب “عمر المختار نشأته وجهاده من 1862/1931م” منشورات جامعة الفاتح، طرابلس/ ليبيا، الطبعة الثانية 1983م ص ص 20/21.
  22. راجع الحبوش، مرجع سابق، ص 101
  23. المبروك الساعدي “النظم الحربية لدى عمر المختار” ضمن كتاب عمر المختار نشأته وجهاده، مرجع سابق، ص 97
  24. المرجع نفسه ص 97/ 98 (بتصرف)
  25. إن صحت هذه الرواية، فإنها لا تعد من النبوءات،  وإنما يمكن اعتبارها فراسة أو ذكاء حاد أو أي شيء من هذا القبيل.
  26. الحبوش، مرجع سابق ص 58
  27. أنجيلوا ديل بوكا “الإيطاليون في ليبيا” الجزء الثاني، ترجمة محمود علي التائب، منشورات مركز دراسة جهاد الليبيين، الجماهيرية، 1995م ص 199
  28. الحبوش، مرجع سابق، ص 338
  29. اتيليوتروتسي “برقة الخضراء” ترجمة: خليفة محمد التليسي، الدار العربية للكتاب، ليبيا/ تونس، الطبعة الأولى1991م ص236
  30. الحبوش، مرجع سابق، ص405
  31. محمد طيب الأشهب “عمر المختار” مكتبة القاهرة، الطبعة الأولى 1957م، ص58
  32. 32-   الحبوش، مرجع سابق، ص236
  33. رودلفوجراتسياني”برقة المهدأة” دار الفرجاني، طرابلس / ليبيا الطبعة الأولى 2015م ص 69
  34. الحبوش، مرجع سابق، ص 345
  35. اتيليوتروتسي، مرجع سابق، ص28
  36. الحبوش، مرجع سابق، ص221
  37. 37-   بشأن الاقتباس الأخير المتعلق بكلمة السنوسية، يذكر الباحث بالهامش ملاحظة حول ترجمة التليسي ما يلي: “أنه تم تحريف كلمة (السنوسية) هنا إلى كلمة مقاومة، وإن حذف كلمة (السنوسية) مرتين في هذه الصفحة وحدها من ترجمة التليسي يجعلنا نؤكد على فكرة إعادة النظر في الترجمة بكاملها”. والسؤال هنا، إلى أي ترجمة أستند الباحثفي التصحيح الذي جاء به؟ وحتى لو افتراضنا أن ترجمة التليسي خاطئة، فلا يجوز للباحث أن يتصرف بالنص المقتبس تحت أي ذريعة.
  38. راجع هامش كتاب ديل بوكا ص 267، ومتن كتاب الحبوش ص 463
  39. راجع، الحبوش، مرجع سابق ص126
  40. محمد فؤاد شكري، مرجع سابق ص 283
  41. الحبوش، مرجع سابق ص94
  42. الحبوش، مرجع سابق ص187
  43. ابن خلدون، مرجع سابق، ص 11
  44. الحبوش، مرجع سابق ص205
  45. الحبوش، مرجع سابق ص207
  46. إدريس الحرير “مواقف خالدة لعمر المختار”مقال منشور بمجلة البحوث التاريخية، العدد الثاني، يوليو 1988م ص74 (بتصرف)
  47. انظر نص الرسالة كاملة لدى إدريس الحرير، المرجع السابق، ص 75
  48. الحبوش، مرجع سابق ص235
  49. الحبوش،المرجعنفسه، الصفحة نفسها.
  50. نقلالباحثحرفيامنكتابمحمدالطيبالأشهبدونأنيضععلاماتالاقتباس أو يشيرإلىصاحبالكلامفيالهامش،قارن بين كلام الحبوش ص222 والأشهب ص63. 
  51. راجع محمد عبدالرازق مناع، مرجع سابق، (بتصرف) ص 101.
  52. أنجيلوا ديل بوكا، مرجع سابق، ص 84
  53. خليفة محمد التليسي “معجم معارك الجهاد في ليبيا 1911/1931م” دار الثقافة، بيروت/ لبنان، الطبعة الثالثة 1973م، ص 107 (بتصرف)
  54. يراجع كل من: دي كاندول”الملك إدريس عاهل ليبيا حياته وعصره” طبعة محمد ابن غلدون، 1988م ص49.محمد عبدالرازق مناع، مرجع سابق ص116، طاهر الزاوي “عمر المختار” دار المدار الإسلامي، الطبعة الثانية 2004م، ص 88.
  55. شمس الدين السخاوي “الإعلان بالتوبيخ لمن ذم التاريخ” دار الكتاب العربي، بيروت/ لبنان، 1979م، ص 69.
  56. محمد عبد الكريم الوافي “منهج البحث في التاريخ والتدوين التاريخي عند العرب”مرجع سابق، ص 167
  57. ديل بوكا، المرجع السابق، ص 98
  58. محمد عيسى الصالحية “الأدوار في حركة الجهاد الليبي” مجلة كلية الآداب والتربية، جامعة الكويت، العدد 13 لسنة 1978م، ص 153.
  59. ديلبوكا،المرجعالسابق،ص137
  60. اتيليوتروتسي،مرجعسابق،ص194
  61. محمد الأخضر العيساوي “رفع الستار عما جاء في كتاب عمر المختار” مطبعة حجازي بالقاهرة، الطبعة الأولى 1939م ص70.
  62. راجع كتاب ديل بوكا، مرجع سابق، ص 136
  63. علي عبداللطيف حميدة “المجتمع والدولة والاستعمار في ليبيا” مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت،الطبعة الثانية 1998م ص 186
  64. الحبوش، مرجع سابق، ص312
  65. الحبوش، مرجع سابق، ص285
  66. رودلفوجراتسياني” برقة المهدأة” مرجع سابق، ص 62/63.
  67. الحبوش، مرجع سابق، ص337
  68. الحبوش، مرجع سابق، ص354
  69. رودلفوجراتسياني” برقة المهدأة” ، مرجع سابق ص 70
  70. رودلفوجراتسياني” برقة المهدأة” ، مرجع سابق ص 75
  71. الحبوش، مرجع سابق، هامش ص337
  72. رودلفوغراسياني” برقة الهادئة” ترجمة إبراهيم بن عامر منشورات دار مكتبة الأندلس بنغازي/ ليبيا، ص 61.
  73. الحبوش، مرجع سابق، هامش ص372
  74. الحبوش، مرجع سابق، هامش ص 402
  75. رودلفوجراتسياني” برقة المهدأة” ، مرجع سابق ص232
  76. رودلفوجراتسياني” برقة المهدأة” ، المرجع نفسه ص236
  77. الحبوش، مرجع سابق ص 446
  78. راجع العيساوي، مرجع سابق، ص 86
  79. رودلفوغراسياني ” برقة الهادئة، مرجع سابق ص 182
  80. محمد عبدالرازق مناع، مرجع سابق ص 195
  81. رودلفوغراسياني ” برقة الهادئة، مرجع سابق ص 199
  82. رودلفوغراسياني ” برقة الهادئة، المرجع نفسه ص 211
  83. ميلاد المقرحي” مقالات نقدية” منشورات اللجنة الشعبية العامة للثقافة والإعلام، طرابلس/ ليبيا، الطبعة الأولى 2006م ص 171

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :