آسيا سعيد. كنتُ أتصفح وسائل التواصل الاجتماعي لأجد شابا يشتكي من تدهور قطاع الصحة في ليبيا, شاب تعرض للإصابة أثناء لعب كرة القدم في ركبته و عندما ذهب إلى المستشفى العام في طرابلس تم إخباره أن لديه تمزقا في الغضروف وفي الأربطة وأنه بجاحة لعملية جراحية بتكلفة 5 آلاف دينار.
وبعدها تم إبلاغه أن المستشفى العام لا يملك معدات لإجراء العملية وبعد أن فقد الأمل ذهب للعيادات الخاصة ليجد قيمة تكلفة العملية كبيرة جدا, وتابع الشاب يشكو ويعبر عما يشعر به من خيبة الأمل. ولكنه لا يعلم حجم الانتهاكات الحقوقية التي تحدث كل يوم بسبب الفساد مثل موت الأطفال الرضع بسبب نقص الأكسجين والمعدات, إضافة إلى الميزانيات الضخمة التي تصرف على العلاج والمخالفات المالية المتعلقة بميزانية الصحة و المعدات الطبية. قصة الشاب المصاب في ركبته هي مجرد نموذج من بين العديد من الأمثلة على انتهاكات حقوق الإنسان في ليبيا.
فالمادة 15 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تؤكد أن الإنسان له الحق في مستوى معيشة كافٍ لضمان الصحة له ولأسرته.
لكن هذا الحق يُنتهك يوميًا في ليبيا بسبب الفساد الذي أصبح جزءًا من النظام الصحي. نحن كناشطات و نشطاء في مجال حقوق الإنسان يجب أن نعمل على توضيح أهمية حقوق الإنسان في ليبيا وارتباطها بالصحة.
فالإنسان الذي لا يتمتع بصحة جيدة لا يمكن أن يكون مواطنا صالحا يقوم بواجباته تجاه بلده. يجب توفر كل الشروط و التمتع بالحقوق الأخرى فمثلا الحق في التعليم, فالتعليم هو أداة فعالة من أجل الحصول على معلومات متعلقة بالصحة أو بالوعي الصحي, مثلا الحق في الغذاء, إن لم يتمتع الإنسان بغذاء متكامل فإن ذلك سوف يؤثر على صحته ويضعف مناعته. و بذلك فإن حقوق الإنسان مرتبطة و الفساد في قطاع الصحة سوف يترتب عليه العديد من الانتهاكات الحقوقية وهناك الجوانب الأساسية للحق في الصحة مثل:
• التوافر: يجب أن تكون الخدمات الصحية متاحة للجميع دون تمييز, يجب أن يتمتع المهاجرون و طالبو اللجوء بالخدمات ذاتها التي يتحصل عليها المواطنون في المستشفيات العمومية.
• إمكانية الوصول: يجب أن يكون من السهل الوصول إلى الخدمات الصحية دون عقبات. وأن تتوفر الخدمات الصحية في الجنوب و الشرق أسوة بباقي المناطق.
• المقبولية: يجب أن تكون الخدمات ذات جودة عالية ومقبولة من قبل المرضى. و على الحكومة أن توفر الأمن و الاستقرار حتى تتمكن من جلب أساتذة جامعيين أجانب من الولايات المتحدة الأمريكية و ألمانيا وغيرها من البلدان الرائدة لكي يدرسوا في كليات الطب في ليبيا.
• الجودة: يجب أن تلبي الخدمات الصحية المعايير الطبية العالمية. وأن لا يتم العبث بصحة المرضى في المستشفيات العامة. • المشاركة: يجب أن يشارك المرضى في اتخاذ قرارات حول رعايتهم الصحية و التوعية حيال هذا الأمر عمل الصحفيين ونشطاء المجتمع المدني في ليبيا.
• المساءلة: يجب أن يتم محاسبة المسؤولين عن تقديم الخدمات الصحية وأن ينجز كل شيء بشفافية وأن يسمح للصحفيين الكشف عن نتائج الأعمال التي خصصت لها ميزانيات في مجال الصحة. الوضع الحالي في ليبيا قطاع الصحة في ليبيا يعاني من تدهور كبير بسبب عدم الاستقرار السياسي والصراع القائم على السلطة.
تأجيل الانتخابات وتواصل الصراع يؤديان إلى استمرار الفساد وانتهاكات حقوق الإنسان. النقص الحاد في الأدوية والمعدات الطبية يهدد حياة المرضى، وميزانيات ضخمة تُنفق بشكل غير شفاف ومشكوك فيه على العلاج (فواتير مزورة, وميزانيات وهمية, ورواتب غير مستحقة…) في ظل غياب المحاسبة و الرقابة.
تأثير هذه الأزمة ليس محدودًا على القطاع الصحي فقط، بل يمتد إلى الاقتصاد والاستقرار العام للبلاد. المواطنون يجدون أنفسهم مضطرين إلى البحث عن العلاج في الخارج بتكاليف باهظة، بينما المستشفيات المحلية تفتقر إلى الأساسيات في دولة نفطية يمكن للحكومات فيها توفير كل سبل الرعاية و الصحة.
والاستفادة محليا مما يصرف في الخارج. أما معاناة المهاجرين و طالبي اللجوء في ليبيا فهي مضاعفة. الحل وأهمية توقف الانتهاكات لابد من وقف هذه الانتهاكات وبناء دولة تحترم حقوق الإنسان وتعزز الديمقراطية والمساءلة وتفعيل المحاسبة. يجب أن يتم تحقيق الشفافية في استخدام ميزانيات الصحة ومكافحة الفساد.
يجب أيضًا توجيه الجهود نحو تقديم الرعاية الصحية الكافية للمواطنين و المهاجرين وتحسين جودة الخدمات. يجب أن يلتزم المسؤولون بتلبية احتياجات الناس وضمان وجود تمويل كافٍ للقطاع الصحي يوزع على كل المناطق جنوبا وشرقا وغرباً. يجب أن يكون هناك نظام صحي مبني على المساواة والعدالة يضمن حق الجميع في الصحة.
إن الحاجة ماسة للعمل الجماعي والتعاون الوطني من أجل إصلاح قطاع الصحة في ليبيا والارتقاء بحقوق الإنسان والديمقراطية.
يجب أن يكون الشباب والمجتمع المدني شركاء في هذا الجهد لضمان مستقبل أفضل للبلاد.
فبرأيكم كيف يمكن للصحافة أو النشاط الحقوقي أن يلعب دوراً في تحسين أوضاع حقوق الإنسان وتطوير قطاع الصحة في ليبيا؟