كان شيء طازجا منها (3)

كان شيء طازجا منها (3)

بقلم :: إبراهيم عثمونة
لأول مرة يشعر ابراهيم بقيمة الثواني تتطاير من بين أصابعه حين لم يخذله رأسه في التقاط فكرة سريعة.
إذ في لفتة منه وجدها وقد وقعت داخل رأسه.
احتفى بالفكرة ! وفرح كثيراً حتى انعكست أسارير وجهه الفرحانه على وجوه مَن حوله.
لا يعرف من أين تأتي مثل هذه اللفتات التي تجلب أفكاراً ، ولا يعرف أين توجد هذه اللحظات التي فيها أفكار ، ولو كان يعرف لذهب وعاش بقية عمره عندها وفتح نافذة خاصة بدخول الأفكار ، لكن الأفكار لا تأتي مع الريح ولا تدخل مع النوافذ ولا أظنه جازماً بأنه توجد لحظات حبلى ولحظات عقيمة ، لكن شيئاً في داخله كان دائماً يقول له أن اللحظات يا ابراهيم كما البشر ، فيها الغني والفقير وفيها المبادر والمدبر والمتخاذل وفيها الطويل والقزم و فيها حتى الأسود والأبيض والأصفر والأحمر . ثم زفر هواء عميقاً ليعود لما هو فيه ، فهو ما كان في وضع يسمح له بالاسترسال في التفكير بعيداً عن أصابعه التي تتحسس سخونة الكرسي حين أدار وجهه قليلاً في حركة ليصرف بها أي شيء قد يشغله عن كرسيها ، فوقعت عيناه وتوجه كل شيء فيه على هيئة حزمة صوب مكان قعدتها على الكرسي ، حتى أن أنفه لامس بقايا عطرها العالق على ظهر كرسيها ، ثم ثبت كل شيء فيه على الفكرة العجولة التي وصلت لتوها والتي لا تقبل تأجيل أو تأخير ، خاصة حين شعر كما لو أن الحرارة التي كانت تغمر يديه الاثنتين قد طفقت تتناقص !
رفع وجهه عن الكرسي ونظر بهما إلى السوداني الذي يقف عند الباب المُشرع وقدر في لحظة المسافة بينه وبين الباب.
لا يعرف هذا السوداني ، ولا يعرف فيما لو همَّ بتنفيذ فكرته ماذا سيكون موقفه حين ثبت نظرة دقيقة على وجهه يتفحص بها ويفتش عن شيء قد يجده على وجهه ، في حين ظل الأخير كما هو ينظر وينتظر ما قد يقوم به ، وحين التقت نظرتهما في منتصف المسافة تمكن العامل السوداني من معرفة أن هذا الذي تبدو عليه ملامح قروية ربما يكون قد وقع على فكرة وهو الآن بصدد البدء في تنفيذها ، وفي مكان ما على وجه هذا القروي استشعر السوداني بثقة واستعداد أنه لن يسمح لأي كان أن يمس الكرسي ، ومن غير المستبعد سيقوم بعملية غرف أو امتصاص أو شيء قريب من هذا ، لكن الحقيقة التي لم يدركها عامل المقهى أن ابراهيم يفكر في شيء آخر بعيد كل البعد عن الغرف والامتصاص.
لم يدم النظر والتفكير بينهما حين وقفا وخلع كل واحد منهما معطفه في مشهد بدا فيه الاثنين كما لو أنهما يعتزمان العراك !
خلع ابراهيم معطفه ، في حين خلع السوداني مريوله الأبيض وظل واقفاً ينتظره عند الباب ، عندها فقط شعر أن هذا السوداني لن يسمح له بفعل شيء ، وأغلب الظن أنه ينوي حتى استعمال القوة ، وفكر أيضاً أن هذا السوداني ربما ينوي الاستحواذ وامتلاك هذا الذي بات ابراهيم يحسبه ملكاً مقدساً من أملاكه.
(غداً أظنها نهاية هذه الحكاية)

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :