كلّنا واحد، ولكن لماذا؟

كلّنا واحد، ولكن لماذا؟

أسامة أرقيعة

عندما كنت أسير عابرا الممرّات الطويلة في مطار بانكوك الدولي قاصدا مكاتب تدقيق الجوازات ، كان ثمة شعور يطفو على سطح وجداني بعد هذه الرحلة الطويلة المتعبة من دبي إلى بانكوك ، كان الشعور يهمس لي برفق ومن بين خلجات نفسي ليؤكد لي بأنه لا فرق.. فمهما تباعدت المسافات الجغرافية و(تكتنكت) الأجواء وعمتها التكنولوجيا فإنّها لا تنجح كثيرا في صنع الفروقات، ويظلّ الإنسان في كل مكان هو الإنسان في انفعالاته وفي طموحه، وفي آلامه أيضا.. الشباب الذين كانوا أمامي يركضون بفرح لا بد أنّهم سيلتقون بحبيب لهم بعد قليل، الفتاة التي تصرخ بلغة لا أفهمها ثم تشرع ذراعيها لتلتقي بالأخرى في احتضان دافئ لا بد أنّ قلبها يعرف الوفاء والحب، هذا الطفل الذي يبكي لا بد أنّه قد انزعج من الرحلة الطويلة التي أقلقت منامه، ثم وفي لحظة ما أحسست بتلاشي خصوصية المكان، فابتسمت وقلت كأنني في الخرطوم، فالحب هو الحب، والشوق هو الشوق ، والقيم الإنسانية هي اللغة العالمية الوحيدة التي يجب أن نجيدها. نحن واحد بالفعل، وإخوة رغم أنف المسافات، وقيمنا الإنسانية هي اللغة العالمية الوحيدة التي يجب أنْ نجيدها، ولكن لماذا نحن على خلاف دائم؟ ولماذا نحن نحترب؟ ولماذا هذه الرسالة الإخبارية التي وصلت للتوِّ إلى جوالي تبدأ بعبارة : قتلى في قصف شنته طائرات، ما هو الشيء المهم الذي يستحق من أجله أنْ يختلف ويقتتل أفراد البيت الواحد؟ خرجت من المطار أبحث عن ممثل الفندق وفي السيارة مازحته : مرحبا أخي، أنا سعيد لأنّني فزت في بلادي بجائزة ربع مليون دولار، فالتفت إليّ السائق وما تركني أكمل حديثي بل ارتسمت في وجهه علامات الدهشة التي تؤكد حبه للمال ثم قال لي : كم أتمنى أن أفوز بجائزة ذات يوم ، فضحكت بصوت عال ثم قلت له: هل صدقتني أنا مثلك أحلم ! فأدرك السائق أنني أمازحه فانفجر ضاحكاً.. كنت أفهم السائق تماما على الرغم من لغته الإنجليزية الصعبة، لأنّه كان يذكرني تماما بـ (ود حمودة) الذي قدم من السودان إلى دبي ليشتري جهازا للكشف عن الذهب وهو يمني نفسه بالثراء السريع ، كان و(د حمودة) أيضاً عاشقا للمال من الطراز الأوّل مثله مثل سائقي هذا.. ثم ليلاً وفي طرقات بانكوك وجدت كل شيءٍ يسير جنباً إلى جنب: الناس، والركشات، والرغبات أيضاً، وهذا الرجل الذي لم يتردد في عرض صور فتياته تحت أنفي وعيونُه تبتسم بغباء كان واثقاً أنَّه يعرض شيئاً شهيّاً فيما كان يشعرني بالغثيان، كأنه يدسُّ تحت أنفي طبقا نتناً من السمك غير الجيد.. كنت أسير وأتساءل لماذا نختلف؟ هل لأن الشهوات تسيطر على أذهاننا ؟ لماذا نبدو كمن لم يكتشف النار بعد؟ هل وخزات الجسد تفسد علينا فضاءات الروح؟ هل نحن نقتتل رغم أخوتنا لأننا نحبس عن أرواحنا انطلاقاتها البكر؟ نمت ليلتها وأنا أراهن على أنّ الحب هو سفينة نجاتنا.

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :