- سعاد سالم
تَنّوَه
مايشبه ترسب التجارب والمعرفة
اللغة الأم، تعبير شائع ويعني من وراءه لغتكِ/كَ الأصلية، وهذا ما يعنيه ضرب المعنى، وبغض النظر عن تحوله عند العامة إلى شكل سلبي من أشكال الكلام، غير أنه في الواقع يشي بالبلاغة في التعبير عن موضوع أو تيمة،
اللغة الأم، والوطن الأم خير مثالين لضرب لمعاني متخففة من الحمولة السلبية والتي تعني عدم المباشرة في الخطاب، حيث تنوب المعاني المضمرة للكلمات في إتمام المهمة عن الكلمات.
غَريبة لكن مش إغريبة*
لكلام البرّاني هذا أيضا تعبير مندثر في لغوتنا ويعني، أنه غير لائق، أو مذموم، أي أنه أجنبي ،غريب، وليس له دلالة محلية، وهذا ما تقوله خلفية التعبير وليس التعبير نفسه لو كنت واضحة بشكل كافٍ.
اطلب العلم ولو كان في الصين، أو اطلب العلم من المهد إلى اللحد، حث على المعرفة والتي بدورها تحرر الناس، لأن الحرب على الأمية هي محاولة مبدئية للهدف التالي وهو طلب العلم، والاستمرار في طلبه يعني لا معنى للعمر والدرجة العلمية ومستوى التعلم لأن مش بس العلوم تتجدد بل وتكتشف في كل مساراتنا في الحياة. ويبدو ذلك متسقا ليس في بدايات الحث النبوي ، ولا النصيحة الحكيمة على المبادرة (أطلب العلم) في التعبيرين ،وانما ايضا يحتوي كليهما البعد الثالث إن صح التعبير، وهو الزمن في المسافة التي نقطعها من أجل العلم وفي طول السنوات التي نعيشها نتعلم، لكن لماذا كل هذا التفلسيف؟ قد تقولين أو تقول،
حسنا، طلب العلم في البلاد البعيدة تعني أنه يجب أن نتعلم لغات أخرى غير لغتنا الأم، كما وأن استمرار التعلم منذ الولادة وحتى الممات إنما تعني أيضا ما يتطلبه منّا التنقل في العمر والمناطق والبيوت والمجتمعات، وكل مافي هذا التنقل الطارئ أو المتوقع أوالمخطط له من التعرف على أنماط جديدة من التفكير والثقافة وبالتأكيد اللغة، اللغة بمعناها الثقافي كموروث معرفي وانتاج خاص للبيئة ومحتواها،أي اللغة الأم مش البرانية في معناها المباشر والذي يعني الأجنبية، لهذا استغرب في الحقيقة من المثلين في الفصحى وفي لغوتنا وهما على التوالي:من تعلم لغة قوم امن شرهم. بعد ماشاب خشّ الِكتّاب.
*إغريبة تعني المشكلة أو الأمر الجلل.
لماذا اللغة أم؟
هكذا سألت نفسي، ثم عمدت لبحث سريع يستجيب لما في أفكاري من فراغات تحتاج الملء ،وذلك عن سبب هذا الارتباط- في ضرب المعنى- بين اللغة والأم، فكرت هل هى حَرفيّة؟ تعني اللغة التي تتكلمها الأم؟ هل لأن الأمومة في معناها أو في الخلفية الذهنية للمفهوم الفسيولوجي أو المادي للأنثى أنها الأصل كما تقول نوال السعداوي؟
لكن عثرت على مجتمعات تستخدم تعبيرا آخرا تعني به اللغة الأصلية في ألمانيا وهولندا، وبعض مناطق آسيا، في الصين واليابان فيقولون اللغة الأب.وحتى الوطن الأب، عوضا عن الوطن الأم في اللغة العربية والكثير من اللغات والتجمعات البشرية وهو التعبير كما يبدو في بحثي هذا هو التعبير الأكثر شيوعا،غير أنه في الانجليزية إضافة إلى اللغة الأم The Motherland لديهم تعبير آخر في غاية الجمال، وهو ، The Homeland، ويعني لغة الوطن والذي يعبر عنه أيضا بالبيت،
أسئل امجرّب
درست اللغة الانجليزية في كورسات متباعدة وآخرها كان في 2013 ضمن برنامج إدارة التدريب والتطوير في هيئة الصحافة ، والذي لم يأخذني إلى أي مكان كشأن هذه الكورسات التي لاتتم في بلدان متحدثة باللغة التي ندرسها، فالممارسة هي الخطوة التالية للسبورة أو ستكون حرث في بحر.
في 2014 وتاليا كانت صفوف اللغة الهولندية المتقطعة أيضا، والتي بقوانينها قبل التعديل كانت تشترط إنهاء الإندماج في المجتمع الهولندي بدبلوم اللغة في مستوى A2 وهو مستوى منخفض جدا أشبه ما يكون بمحو الأمية، ومع طبيعتي الميالة إلى العزلة، وجدت صعوبة كبيرة في تطوير لغتي الهولندية واستعضت في البداية بلغتي الانجليزية المتعثرة والتي نقلتها دورات 2013 إلى مستوى أعلى بمواصلة استخدامي لها في السنوات الأولى، وظلت الهولندية ضعيفة جدا، والتي بدأت في التحسن حينما عملت في المكتبة العامة في روتردام والتي مع مقهى اللغة الأسبوعي بدأ الطريق ينفتح إلى هذه اللغة المجهولة والتي أحبها الآن.
لكن هل اللغة الانجليزية والهولندية هي ما نتعلمه في الفصول الدراسية؟ أو في محادثات عابرة؟ أو حتى في أحاديث عميقة في السياسة والاقتصاد (وهو ما لم اصله بعد) أم هي اللغة التي يتكلم بها جاري الثمانيني معي؟
من جرب العلاقة القوية مع الجدة أو الجد، اومّا، أوبّا، كما يناديهما الأحفاد هنا، سيلاحظ أنه قلما خلت الهدرزة من الاحالات في المعاني، أو ضرب المعنى، أي استخدام كلمات غير مرتبطة بالموضوع للتعبير عن الموضوع، وهي أكثر أساليب اللغة المتشبعة بالمفردات المحلية الدالة، وهو ما يمكن تسميته الكود أو الشفرة الخاصة بين أفراد التجمع البشري الواحد، بغض النظر عن كونه بلد، شعب ،وطن، أو قارة،أو حتى مدينة أو إثنية دينية أو عرقية، هذه اللغة التي تجعل المثلين أعلاه منطقيين عندما ننظر لضرب لمعاني على أنه كود محلي خاص لن يصل معناه للبرّانية(مكمن الخطر) الذي يبينه: أمِن شرهم، وإن ليس بالضرورة خطر فعلي يهدد الحياة مثلما حصل كثيرا في التاريخ بفك الشفرات السرية في الحروب،نه قد يكون مجرد نميمة اجتماعية تضرب معنا تحذر فيه النساء بعضهن من نقل الأطفال مايسمعونه: الطيور ترفع(اتقل) في الدشيشة.
أو كما في المثل الليبي المحبط في ظاهره والحقيقي في معناه البعيد: بعد ماشاب خشّ الكِتّاب، أي أن المعرفة التي يتلقاها المتعلم في سن كبيرة ستكون دائما ناقصة مليئة بالثقوب، الذاكرة المسنة تسمح ولا سعة في العمر لمراكمة العلم.
في الهولندية حين يعلق جاري المسن على لغز حُل أخيرا أو حقيقة عرفها للتو،يقول : الآن خرج القرد من الكِم، وهي لعمري شفرة لايمكن لمن تعلم اللغة الهولندية في المدرسة أن يعرف معناها، فما بالك بعد ماشاب، مالم يكبر معها في اللغة المحلية للبيت .وحين تقول صديقتي خيسكا وجدت الكلب في الطنجرة، إنما تعني التعبير الليبي لقيت الطنجرة لاحسينها، وفي المعنيين ، لا يوجد أي بقايا للطعام.
آثار اللغوة
اللغات المحلية ليست موضة، ليست شوفينية الاتصال السطحي بتاريخ المكان، بل العودة إليها يشابه اكتشاف المدن والرسومات والآثار التي تتكلم عن الحياة القديمة التي تركت أثرها على ألسنتنا، إنها اندماج في البيئة الفعلية لا المتخيلة، كما تندمج المفردات الجديدة التي جلبها الحث على التعلم بالتنقل وحتى بالخوف من الغدر، فاللغوة تتشبع بالمعنى لا بالهوية السيادية أو الدينية كما في الصفوف والكورسات،لهذا مثلا، هناك فارق تأثيري وأثري بيّن بين السلام عليكم و إسيكُّم بلخير و هاي.