- د. منى كيال د. محمد فتحي عبد العال
اسم كافي لبث القلق والرعب في الصدور، انه مرض كوفيد-19 الذي يسببه فيروس الكورونا المستجد (SARS-COV2 ). وبغض النظر عن مصدره والظروف الغامضة لتحوره، فقد اجتاح هذا الفيروس العالم بوتيرة متسارعة وبسرعة مكوكية صانعاً تاريخاً استثنائياً سوف يعيد رسم خريطة العالم مرة أخرى. فيروس تواضعت له قوى عالمية بكل إمكانياتها، و وقفت عاجزة عن وقف طوفان الموت و تزايد عدد الإصابات الذي خرج عن سيطرة العالم. أخبار مرض الكوفيد ويومياته ما زال هو الحدث المهيمن على الإعلام و وسائل التواصل الاجتماعي والتي أصبحت البديل عن الحياة الاجتماعية الطبيعية. ولأول مرة تغلق المساجد والكنائس والأماكن المقدسة في مختلف أنحاء العالم في وقت واحد. هذا الفيروس المستجد يسيطر اليوم على كل مفاصل الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية والدينية والصحية للبشر في كل مكان. كما أن هذا الفيروس فرض نفسه على أدوات القتل والتطرف والجيوش المتحاربة التي رفعت راياتها استسلاماً لهذا الجرم الصغير، و ربما سيسجل التاريخ فضلًا لهذا الفيروس في نشر السلام وإنقاص مستوى التلوث البيئي في العالم. وبعد عصر ساده التطرف والجهل من جهة والاغراق في الفردية والقيم المادية من جهة أخرى، تعود للعلم اليوم مكانته ولمهنة الطب احترامها وللقيم الإنسانية والمسؤولية المجتمعية دورها في التصدي لهذا الخطر المحدق. ولأول مرة في تاريخ الحروب لن تقام النصب التذكارية للعسكريين والقادة، بل للجيش الأبيض الطبي الذي يتصدى بكل نبل لهذا الفيروس المرعب ويتعرض للموت في كل ثانية. ويبدو أن هذا الزائر له ميول اشتراكية، فهو لا يعترف بالفوارق الطبقية ولا يميز بين غني وفقير، فالجميع سواسية أمامه في فرص الإصابة والشفاء. ومع كل هذه الإصلاحات المجتمعية التي حمل لواءها فيروسنا العتيد، إلا أنه على ما يبدو يبغض الترابط المجتمعي، فالتباعد الاجتماعي هو أحد أهم أساليب مكافحته. وهو يمتلك درجة كبيرة من الاعتداد النفسي، ولن يأتيك زائرا إلا إذا تركت منزلك ووخرجت لدعوته!! رحلة الزائر المخيف داخل أجسامنا: ينتقل الفيروس المسبب للكوفيد عن طريق الرذاذ أثناء العطس والسعال والكلام، ويتسلل من الجهاز التنفسي العلوي مخترقاً نوعين من خلايا الرئتين هما الخلايا المخاطية التي تنتج المخاط وتحمي الرئتين، أما النوع الثاني فهو الخلايا الهدبية المزودة بشعيرات تطهر الرئتين من مسببات الأمراض. و رغم خطورته و ولعه بتخريب أنسجة الرئة، إلا أن هذا الزائر قد يمر مرور الكرام عند بعض الناس الذين قد يكونون مصدراً صامتاً للعدوى. ويتظاهر الكوفيد عند أغلب الناس بارتفاع الحرارة والوهن العام والسعال الجاف، وأحياناً بصداع حاد وفقدان في حاسة الشم والذوق أو الإسهال. وقد يشكو بعض المصابين من ضيق تنفس بعد عدة أيّام من بداية الإصابة ينذر بالتهاب الرئة الذي يمكن علاج الحالات العادية منه بإعطاء الأوكسجين ومعالجة الأعراض. وقد يأتي المريض إلى غرفة الإسعاف بأعراض متوسطة، لكن هذه الأعراض قد أن تتطور إلى حالة قد يصعب السيطرة عليها من الضائقة التنفسية الحادة. أما الأشخاص الأكثر عرضة للاصابة بالاختلاطات الخطيرة فهم كبار السن والأشخاص الذين يشكون من مشاكل صحية مزمنة كأمراض القلب والسكري والمرضى ناقصي المناعة. وأحياناً ربما بسبب استعداد جيني قد يقع عدد من الشباب الأصحاء ضحية لهذه الاختلاطات. إحدى أسباب هذه الاختلاطات الخطيرة هي ردة فعل الجهاز المناعي المبالغ بها في التصدي لهذا الفيروس، مما يجعل الجسم يهاجم نفسه. المعركة المناعية مع الكوفيد: بعد أن تبدأ الكريات البيض المشاركة في المعركة ضد الزائر الغريب وتحاول اقتناصه، تفرز هذه الكريات السيتوكينات وهي مواد كيميائية تحرض العملية الالتهابية وترفع من حرارة الجسم في محاولة لقتل الفيروس. بعد ذلك تبدأ اللمفاويات التائية القاتلة والبائية المفرزة للأضداد تستجيب للنداء وأخذ زمام المسؤولية في مقاومة الفيروس الغازي لتبدأ المرحلة الثانية من الاستجابة المناعية. حيث تقوم الأجسام المضادة بمحاولة إبطال قدرة الفيروس على مهاجمة الخلايا، بينما تعمل الخلايا التائية القاتلة على تدمير قدرة الفيروس على التضاعف والتناسخ. و رغم جهود الجهاز المناعي المحمودة للقضاء على الفيروس، إلا أن المشكلة تكمن في قدرة الفيروس المستجد على تحريض ردة فعل مناعية عارمة أحياناً، فانتاج السيتوكينات المضادة للالتهاب يمكن أن يتم بشكل مبالغ به مسبباً عاصفة السيتوكين. هذه العاصفة المخربة للأخضر واليابس تهاجم الفيروس وتدمر أعضاء الجسم الحيوية في وقت واحد. حيث لا تستطيع هذه الأعضاء خاصة القلب والرئتين الصمود أمام الرد الالتهابي العنيف من جهاز المناعة لفترة طويلة. ويبدو أن افراز السيتوكينات المستمر يمنع بدأ المرحلة الثانية من الاستجابة المناعية، وبالتالي يمنع عمل الخلايا التائية القاتلة وكذلك عمل الخلايا البائية التي تفرز الأجسام المضادة. من ناحية أخرى فإن نواتج الالتهاب والسوائل التي تتجمع في الأكياس الهوائية تعيق عملية التبادل الغازي والحصول على الاوكسجين اللازم للتنفس والقيام بوظائف الجسم المختلفة وتغرق الرئة، مما يمنع من قدرتها على القيام بعمليتي الشهيق والزفير، ويصبح المريض عندها بحاجة إلى أجهزة التنفس الآلي. ومع استخدام العديد من الأدوية التجريبية، إلا أن أي منها لم يثبت حتى الآن فعالية أكيدة في التخلص من الفيروس الغريب، ويبدو أننا ما زلنا في بداية الطريق نحو فهم هذا الفيروس بشكل أفضل للتوصل إلى لقاح وعلاج ناجع له.